هل ينجح الفنانون في تحقيق ربيع براغ في إيران

لماذا يسكت المثقفون والفنانون العرب عن الانتفاضة الإيرانية.
الاثنين 2022/10/17
غوغوش الأسطورة التي نهضت من السبات

يواجه الفن، والإبداع عموما، في إيران تضييقات كبيرة في بلد تضيق فيه مساحة الحرية الفردية والجماعية تحت سلطة رجال السياسة المتسترين بالدين. فالتضييقات قد تصل إلى السجن والتنكيل والإهانة وحرمان المبدعين من أبسط حقوقهم، بحجج شتى، وهو ما جعل الفنانين والمثقفين اليوم في الصف الأول من الانتفاضة الإيرانية.

“تم حظر صورتي وصوتي ووجودي لمدة تزيد عن 42 عاما فكيف لا أقول لا لنظام الجمهورية الإسلامية”.

هذا ما كتبته الفنانة الإيرانية الشهيرة غوغوش، على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أعلنت مساندتها المطلقة للحراك الاجتماعي، وهي التي كانت من أوائل الفنانين الذين طالهم جبروت الثورة الخمينية في أواخر سبعينات القرن الماضي.

إهانة المبدعين

وقع إسكات صوت المطربة الإيرانية لمدة عشرين عاما، ذاقت مرارة السجن وشتى أنواع الإهانة في غرف التحقيق، وأرغمت على عدم مغادرة مقر إقامتها لمجرد أنها كانت الفنانة المفضلة لدى أسرة شاه إيران.

حُرم جمهورها داخل البلاد وخارجها من الاستمتاع بصوتها وإطلالتها، وهي التي تمتلك شعبية عالمية كبيرة، اكتسبتها على مدار مسيرتها الفنية التي تمتد منذ ستينات القرن الماضي.

لم تفقد هذه الأسطورة الفنية الأمل في العودة إلى خشبات المسارح، وظلت تكتب طلبات الالتماس إلى كل حكومة تأتي إلى أن تمكنت مطلع الألفية من الحصول على جواز سفر، لتعود إلى جمهورها بعد عشرين عاما من الصمت والقهر، فيما يشبه أسطورة تقف على قدميها.

ليست غوغوش إلا نموذجا حيا للمئات من أصوات الفن التي كتمها نظام الملالي في طهران تحت ذرائع دينية وأخلاقوية.

وعلى الرغم من فظاعة ما يجري في السجون والمعتقلات الإيرانية كما تؤكد شهادات الضحايا والوثائق والصور المسربة من داخلها، فإن الفنانين والمثقفين في هذا البلد الذي يحكم بالحديد والنار يمضون قدما نحو تحدي أخطر آلة قمعية في المنطقة.

واستخدم فنانو إيران شتى أنواع الاحتيال على الرقابة المتشددة لإيصال أصواتهم وبرعوا في أساليب التورية فيما يشبه المشي في حقل ألغام.

منعت السلطات ظهور النساء السافرات على شاشات السينما فابتدع المخرجون أفلاما أبطالها من الأطفال للالتفاف على غول الرقابة، وقس على ذلك في شتى أنواع الفنون الأخرى.

وحتى الموسيقى التي تخلو من الكلام الصريح لم تنج من وحش الرقابة الإيرانية، فها هو الموسيقي الشاب مهدي رجبيان قد سجن مرتين لأنه صنع موسيقى تعتبرها السلطات “غير مقبولة”.

غوغوش مطربة وقع إسكات صوتها لمدة عشرين عاما وذاقت مرارة السجن وشتى أنواع الإهانة في غرف التحقيق

في المرة الأولى احتُجز في الحبس الانفرادي لمدة ثلاثة أشهر، لكن في المرة الثانية قبع في السجن لمدة ست سنوات، ومُنع من المشاركة في الأنشطة الموسيقية إلى الأبد.

ولا يزال الرجل حاليا تحت المراقبة، لكنه واصل إنتاج الموسيقى في تحد للحظر الذي تفرضه عليه سلطات بلاده.

أما المخرج المعارض جعفر بناهي (62 عاماً)، فيواجه تمضية عقوبة بالسجن ستة أعوام صدرت في حقه قبل أكثر من عقد من الزمن.

ويعد بناهي من أبرز الأسماء في السينما الإيرانية المعاصرة، ونال جوائز دولية أهمها جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان برلين السينمائي عام 2015 عن “تاكسي طهران”، وأفضل سيناريو في مهرجان كانّ عام 2018 عن “ثلاثة وجوه”.

وتمعن السلطات الإيرانية في السعي لإهانة المثقفين والفنانين بشتى الأساليب، دون الأخذ في اعتبار السمعة الدولية والقيمة الإبداعية لهؤلاء، كإيقافها لمحمد رسولوف ومصطفى الأحمد وغيرهما من المخرجين الذين حصلوا على جوائز دولية رغم الرقابة الخانقة المسلطة ضدهم.

الوقوف مع الثورة

انتفاضة

الآن، وفي ظل الانتفاضة الشعبية العارمة التي تشعل كل مدن وبلدات إيران، وامتدت حتى إلى السجون، بادر فنانو إيران ومثقفوها إلى رص صفوفهم أكثر من أي وقت مضى مما يفصح عن ربيع إيراني يشبّهه بعضهم بربيع براغ الذي قاده الفنانون والكتاب التشيك في ستينات القرن الماضي.

وفي هذا الصدد تحرك فنانو إيران ومثقفوها في المنافي وبلدان اللجوء، وساندوا أقرانهم في الداخل مثل الفنانة الإيرانية الأميركية نازنين بنیادي، التي أعادت نشر تصريحات وزير التربية والتعليم الإيراني بشأن احتجاز الطلاب في مراكز علم النفس للإصلاح، وكتبت “هذا مخجل، ماذا تريد الأمم المتحدة أن تفعل حيال ذلك؟”.

ويذكر أن النظام الحاكم في طهران يسعى، ومنذ وصول الخميني إلى السلطة وإرسائه لدولة الخلافة الإسلامية، إلى إفراغ البلاد من نخبها المثقفة، وتمكين أصحاب العمائم من العربدة والانفراد بعقول الأجيال الناشئة.

لكن جيل الشباب الذي يقود اليوم ثورة شعبية عارمة، وتتزعمها الفتيات دون أغطية رأس، لم يعش فترة حكم الشاه حتى تتهمه السلطات بالعمالة والحنين إلى أزمنة الماضي.

أين الفنانون والمثقفون العرب من هذه الثورة الإيرانية العادلة والمتدفقة؟ لماذا غابت مواقفهم وأصواتهم عن الشاشات

إنه جيل نشأ في مدارس النظام التي لا تسمح بالتفكير الحر والتحليق في سماء الإبداع، لذلك نستشف من خلال ما يجري أن الذي غذى هذه الثورة وعزز روح التمرد هو وحشية النظام وآلته القمعية.

وما يندى له الجبين في عالمنا العربي هو وجود بعض الذين يحسبون على الفن والثقافة ممن يناصرون نظام الملالي ويعتبرونه متزعما لجبهة المقاومة والممانعة، في صورة يريد بعض المأجورين أو المخدوعين تسويقها.

أين الفنانون والمثقفون العرب من هذه الثورة الإيرانية العادلة والمتدفقة؟ لماذا غابت مواقفهم عن الشاشات وصفحات الجرائد ومن المنصات ومنابر المهرجانات والملتقيات؟

أين نحن من المهرجانات الدولية والتجمعات الثقافية الكبرى في تنديدها بقمع السلطات الإيرانية لأصوات الفن والإبداع؟ لماذا لا يتضامن جميع الفنانين والمثقفين العرب مع أقرانهم الإيرانيين، خصوصا ونحن نتجاور ونتحاور ونلتقي ضمن جذور ثقافية متشابهة؟

هل ينبغي تذكير نخبنا الثقافية بأن المطربة الإيرانية المُخضرمة غوغوش، هذه الأسطورة التي نهضت من السبات الذي وضعها فيه حكم طهران، قد سبق لها أن فاجأت زوار إكسبو 2020 دبي عدة مرات خلال الحفل، حيث غنت “سوف أنجو” باللغة الإنجليزية و”زوروني كل سنة مرة” باللغة العربية، وذلك في رمزية تذكّر بضرورة تضامن الفنانين العرب مع أقرانهم الإيرانيين.

13