هل ينتصر الإرهاب في غرب ليبيا

انتصار الإرهاب في غرب ليبيا سيعود بنا إلى سنوات خلت، وسيمثل تهديدا للجميع، لتونس الجارة الغربية المنشغلة بأزماتها، وللأوروبيين الذين سيجد الإرهابيون طريقا إليهم عبر قوارب الهجرة السرية.
الأربعاء 2020/04/15
الإرهاب في صرمان

الصورة باتت شديدة الوضوح؛ أول أمس الاثنين كان عاصفا في غرب ليبيا، الطيران المسير التركي كان يقصف في كل الاتجاهات، وآلاف المسلحين متعددي الهويات العقائدية الإرهابية، والمرتزقة المستقدمين من شمال غرب سوريا بقيادة ضباط أتراك، كانوا يندفعون تحت الغطاء الجوي التركي للسيطرة على مدن كصرمان وصبراتة. مشاهد الفيديو كشفت لاحقا أن إرهابيي القاعدة من مجالس شورى المناطق الشرقية الفارين من ضربات الجيش في بنغازي ودرنة وأجدابيا، كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب مع مسلحي جبهة النصرة، ثم يتجهون إلى السجون لإطلاق نظرائهم في الإرهاب، تحت هتافات التكبير، بينما اتجهت جماعات أخرى لتنفيذ تصفيات ميدانية، واعتقال المئات من السكان المحليين بتهمة مساندة عملية الكرامة، ونهب ما في المنازل قبل إضرام النار فيها.

كان هناك دخان ودم ورغبة في الانتقام، ولهجات متداخلة بعضها من شرق ليبيا وبعضها من غربها، والبعض الآخر من إدلب وريف حلب، ومن بعض دول الجوار، ووجوه سمراء من دول الصحراء الكبرى، ترى في ما يحدث نصرا للإسلام، بينما كانت الأبواق التركية والقطرية والإخوانية عموما، وإذاعات حكومة الوفاق تتحدث عن تحرير أراض ليبية، ولكن ممن؟ من الجيش الوطني الليبي، بل ومن عناصره من أبناء تلك المناطق، ليخرج فايز السراج لاحقا مباركا للغزو، مبتهجا بتمدد الإرهاب تحت غطاء الطيران التركي.

نسي السراج أن مدينة كصبراتة كانت معقلا لتنظيم داعش قبل العام 2017، وأن الأميركان أنفسهم قصفوا مقرا للتنظيم الإرهابي بضواحي المدينة في 20 فبراير 2016، وربما تناسى أن الجيش الوطني هو الذي حرر صبراتة بدعم من أبنائها الوطنيين، وأنه بارك بنفسه ذلك التحرير، وها هو اليوم يبارك عودة الإرهابيين الفارين منها، والذين كانوا يختبئون في جحور الميليشيات في الزاوية، أو موقوفين في سجون طرابلس، قبل أن يطلق سراحهم مقابل الاندماج في الحرب ضد الجيش.

كان الهجوم على مناطق غرب طرابلس منتظرا، منذ أن اقترب الجيش الوطني من معبر رأس جدير الحدودي مع تونس، فلا حكومة الوفاق ولا الميليشيات ولا جماعة الإخوان في البلدين، ولا العرّابين القطري والتركي يقبلان بغلق المعبر. الواقع أن مياها جرت منذ 27 مارس الماضي، تداخلت فيها حسابات إقليمية معقدة، وكان واضحا أن جهات عدة راهنت على عملية أول أمس الاثنين، كان الجيش قد رفض دخول مدينة زوارة المجاورة للمعبر لاعتبارات كثيرة منها أنها المدينة الأمازيغية الوحيدة على الساحل الغربي، وأنه يريد دخولها سلاما لا قتالا، وبذلك أعطى الفرصة للميليشيات كي تنفذ ما تم التخطيط له  من داخل غرف العمليات التركية.

كذلك، كان واضحا أن الغزاة الأتراك  يستهدفون بالأساس افتكاك قاعدة الوطية الجوية من سيطرة الجيش، وتحويلها إلى قاعدة تركية قريبة من تونس والجزائر، فطرابلس في الأخير ليست سوى منطلق لأهداف رجب طيب أردوغان في المنطقة ككل، خصوصا وأن تلك القاعدة هي الأكبر من نوعها في ليبيا، ويمكن أن تكون خير شعار عملي للهيمنة التركية في شمال أفريقيا.

خلال الأسابيع الماضية، اكتفى الجيش الليبي بالرد على هجمات من قبل المرتزقة الأتراك وميليشيات الوفاق، سواء في ضواحي طرابلس الجنوبية أو في محاور جنوب شرق مصراتة، وذلك بسبب التزامه بالهدنة الإنسانية التي فرضتها القوى الإقليمية والدولية، لكن ما تبين هو أن تلك الهدنة كانت واحدة من أكاذيب المجتمع الدولي العاجز عن وقف الغزو التركي، فطيران أردوغان المسير انطلق ليغطي سماء المنطقة الغربية من بني وليد وترهونة، إلى عين زارة فقاعدة الوطية، ووجد من الخلايا النائمة ومن بعض الخونة من يمده بالإحداثيات لضرب الأهداف المدنية والعسكرية، وكأن مشهد 2011 يتكرر، ولكن بوجه إخواني أردوغاني هذه المرة.

كل المؤشرات كانت تدل على أن غرف العمليات التركية تعمل على توسيع مساحات نفوذ المرتزقة والإرهابيين في غرب ليبيا، مستفيدة من انشغال العالم بجائحة كورونا، وكانت عيون الخلايا النائمة تراقب تحركات قوات الجيش، وتعرف نقاط الضعف الميدانية، لذلك تم تنفيذ عملية الاثنين بسرعة فائقة. هذا الأمر يطرح أكثر من سؤال عن طبيعة التزامات القيادة العامة نحو المدن الموالية لها، فمشاهد الإعدام الميداني والاعتقالات وحرق المنازل والتي شهدتها غريان العام الماضي، وتكررت أول أمس في صرمان وصبراتة تؤكد أن هناك خللا ما، سيجعل بقية المدن والقرى الداعمة للجيش في موقف لا تحسد عليه، فالميليشيات الإرهابية لا ترحم، والقانون الدولي لا يعنيها، والقانون المحلي في يد من يمولها ويرعاها، وكذلك الأمر بالنسبة للمرتزقة المستقدمين من سوريا، وهم في أغلبهم من الإرهابيين المتورطين في جرائم ضد الإنسانية، خيّر العرب أن يسكتوا عليها من باب العداء لنظام الأسد.

إن انتصار الإرهاب في غرب ليبيا سيعود بنا إلى سنوات خلت، وسيمثل تهديدا للجميع، لتونس الجارة الغربية المنشغلة بأزماتها، وللأوروبيين الذين سيجد الإرهابيون طريقا إليهم عبر قوارب الهجرة السرية، وللنسيج الاجتماعي الليبي الذي يحاول الإرهاب أن يصبح جزءا راسخا فيه، وهو ما كاد يتحقق بالفعل في مدن كدرنة وسرت وبنغازي المحررة، وكصبراتة التي تحررت في 2017، وعادت اليوم لتحتضن من سبق لهم الفرار منها.

يقال إن الحرب سجال، ويبدو أن على الجيش الليبي أن يطوي نهائيا صفحة الهدنة الإنسانية، وأن يتجاهل دعوات ستيفاني ويليامز والواقفين وراءها، فالهدنة لم تكن إلا لضرب قواته والتنكيل بأنصاره، ويمكنه اليوم أن يرد الصاع صاعين، وأن يعلن إطلاق معركة التحرير الوطني الكامل ضد الغزاة الأتراك والجماعات الإرهابية.

9