هل يمكن أن تحافظ المرأة على أنوثتها وسط معركة المساواة

حرية المرأة بدلا من أن تجعلها واعية بحدودها وتنتشل الرجل من سقطاته وترتفع به من الوضاعة نزلت بها إلى دركه.
الأحد 2020/11/01
تحقيق الذات والمحافظة على الأنوثة مهمة صعبة في معركة المساواة بين الجنسين

يشير المختصون في علم النفس إلى أن الطموح اللامتناهي للمرأة في الوصول إلى نفس مرتبة الرجل يسير بها نحو إفراغها من أنوثتها، مؤكدين على أن التمييز الذي تعاني منه المرأة قد دفع بها إلى السعي نحو تحقيق المساواة ووضعها أمام تحدي تحولها إلى ذكر مشوّه. ودعا الخبراء النساء والرجال إلى استبدال علاقات التسلط بعلاقات التكامل.

تمثل النساء والفتيات نصف سكان العالم، وبالتالي نصف إمكانياته وتطمح النساء دائما إلى أن يكن على نفس قدر المساواة مع الرجل، إلا أن السعي المحموم لتحقيق تلك المساواة يدفع الكثير من النساء إلى التخلي عن أنوثتهن ويضعهن أمام تحدي تحولهن إلى ذكر مشوّه.

وأكد أحمد الأبيض أن الخطاب النسوي جاء كرد فعل على التسلط الذكوري واستهداف الرجال، ذلك أنه إذا شرب الرجل الخمر فعلت المرأة مثله، وإذا قصر الرجل في العناية بالبيت قصرت المرأة أيضا، وإذا خان الرجل زوجته تخونه هي أيضا.

وقال المختص في علم النفس في تصريح لـ”العرب” إن حرية المرأة الجسدية بدلا من أن تجعلها واعية بحدودها وتنتشل الرجل من سقطاته إذا خانها وترتفع بع من الوضاعة إلى العفة نزلت بها إلى دركه، مستشهدا بالأميركية التي قالت بأننا صرنا مثل الرجال الذين كنا نرغب في الزواج منهم .

ونبّه المختص في علم النفس النساء من التشبه ببعض الرجال الذين هم في حقيقة الأمر ضحايا مجتمع يمارس عليهم القهر، فيستبدلونه بمظاهر كالعنف والتسلط الاجتماعي التي  يمارسونها على إخوتهم وبناتهم ونسائهم داعيا النساء والرجال إلى استبدال علاقات التسلط بعلاقات التكامل.

ورغم أن المساواة بين الجنسين، إلى جانب كونها حقا أساسيا من حقوق الإنسان، وأمرا ضروريا لتحقيق السلام في المجتمعات وإطلاق إمكانيات المجتمع الكاملة إلا أنها أصبحت خيارا يهدد هوية الطرفين.

ويقول المختص التونسي في علم النفس عبدالباسط الفقيه إن الأمر يتعلّق بتمثل الفرد لذاته، ومن هنا يكون التفضيل الجنسي، فالفتاة التي عاشت في بيئة ذكورية ووالدها يسيطر على أمها ستميل إلى الذكورة خصوصًا إذا كان لديها فائض من الهرمونات الذكورية على اعتبار أن الهرمونات الذكورية والأنثوية موجودة في الجنسين.

ويضيف في تصريح لأحد المواقع الإلكترونية أن الذكورة والأنوثة مسألة بيولوجية بالأساس، ولكنها تتدعّم أو تضعف بالتربية والتنشئة الاجتماعية وفي بعض الأحيان يطفئ المجتمع الصفات والاستعدادات الأصلية عند الذكر أو الأنثى وأحيانا ينمّيها لكنه لا يلغي الفوارق الأصلية، ويظهر ذلك من خلال السلوكات واللغة المستعملة والمظهر.

ويشير علماء الاجتماع إلى ضرورة مرور النساء بمرحلة مفصلية من تاريخ نضالهن تحصيلا لرفع شأنهن في كافّة الميادين، مؤكدين أنّ حماس النسوة للاعتراف بهنّ كإنسان متكامل له اقتدار وليس كإنسان من “الجنس الضعيف” يقود بعضهن للركض وراء سلوكيات ذكورية تدفعهن إلى التخلي تدريجا عن أنوثتهن.

وترغب بعض النسوة في أن يكون لديهن الامتيازات نفسها التي يحصل عليه الرجال مثل الراتب والسلطة المستحقة، والشرعية التي تتولى بموجبها المهن الصعبة إضافة إلى حق إعطاء أولادها وزوجها الجنسية.

ويرى علماء الاجتماع أن بعض النساء يقتلن فتيل سحر الأنوثة لديهن بحثا عن موقع الحماية الذاتية الزائدة من كثرة ما سمعن أنهن لن تتمكّن من بسط نفوذهن في مراكز القرار إلاّ إذا تكلّمن وتصّرفن ومشين وارتدين كالرجال.

وتنصح عايدة شيخاني، الدكتورة اللبنانية الاختصاصية في علم النفس النساء بأن يكن جميعهن متصالحات مع أنفسهن وأنوثتهن وجمالهن الخارجي والداخلي مشيرة إلى أنه يمكنهن الوصول إلى أعلى المراتب بغير أن يقلدن الرجال.

وتأتي ممانعة المرأة من أن تكون أنثى جميلة كي لا ينظر إليها المجتمع على أنّها طائشة أو سطحية أو سهلة المنال أو تافهة.

ويؤكد علماء النفس أن الصور النمطية التي تقود المرأة إلى أن تكون هي الضحية كثيرة ومنها مثلا المقارنة بين هندامها وذكائها فإذا كانت المرأة ذكية يعني أنّ “هندامها لا يجب أن يتبع ذكاءها وإذا كانت أنيقة وجميلة ينظر إليها الناس على أنّها فارغة وقدراتها محدودة”.

سعي النساء إلى المساواة يضعهن أمام تحدي تحوّلهن إلى ذكر مشوّه
سعي النساء إلى المساواة يضعهن أمام تحدي تحوّلهن إلى ذكر مشوّه

ويرون أنه بسبب هذه التعميمات والأحكام المسبقة، ترفض بعض النسوة أن يكن متصالحات مع أنوثتهن خوفا من نظرة الانحطاط التي تنهال عليهن سخطا من الآخرين.

وأنه إذا لم توفق المرأة بين جمالها الخارجي وذكائها الداخلي، لن تتبوّأ بسهولة المراكز الوظيفية التي بقيت لأزمنة طويلة حكرا على الرجال.

وقد أظهرت نتائج دراسة نشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أن نحو 90 في المئة من سكان العالم من الجنسين، لديهم أحكام مسبقة حيال النساء.

ومن هذه الأحكام أن الرجال يصلحون أكثر من النساء ليكونوا مسؤولين سياسيين أو رؤساء شركات أو أن ارتياد الجامعة أهم للرجل منه للمرأة وكذلك أن الأولوية ينبغي أن تعطى للرجال في سوق العمل عندما تكون الفرص نادرة.

كما أكدت الدراسة أن لدى 90 في المئة من الأشخاص ومن بينهم نساء، حكم مسبق واحد كهذا على الأقل، وذلك، استنادا إلى بيانات من 75 دولة تشكل أكثر من 80 في المئة من سكان العالم.

من جهة أخرى أكد تقرير أممي أطلق في العاصمة الأردنية عمان بعنوان “العدالة بين الجنسين والمساواة أمام القانون في الدول العربية”، أن النساء والفتيات يعانين من تمييز واضح في الدساتير والقوانين المطبقة عربيا، وأن قوانين أغلب الدول العربية تميز بين الجنسين خاصة في مواضيع نقل الجنسية للزوج أو الأبناء.

وأشار التقرير إلى أن “هناك عدم مساواة واضحة، في القوانين العربية التي تميز الرجل عن المرأة، ولا مكان فيها للمساواة، وخصوصا في موافقة ولي الأمر على الزواج، وحقوق حضانة الأطفال، والمساواة في  حقوق الزواج والطلاق”.

ويذهب علماء النفس في اعتبار أن هذا التمييز دافع خفي للمرأة يجرها نحو المزيد من المطالبة بالمساواة مع الرجل ويحوّلها إلى كائن قوي لا يبالي بالأنوثة. ومن هنا تفقد المرأة خصائصها شيئا فشيئا لتتماهى مع رجل، حيث تسعى إلى الوصول إلى مكانته والذي هو أيضا يبحث عن صورة المرأة النموذجية والتي تسيطر على ذهنه ولن يجدها في زحام معركة المساواة.

وتزداد مهمة المرأة صعوبة في أن تحقق ذاتها وتحافظ على أنوثتها وتحقق المساواة التي تطمح إليها في ذات الحين وهو ما يطرح عليها جملة من التحديات.

ورغم صعوبة المهمة فإن المرأة تمكنت من انتزاع مكانة خاصة بها لتنافس بإمكانياتها وكفاءتها وقدراتها، وتثبت ذاتها بمراكز صنع القرار وأهم القطاعات الحيوية، وتحصل على جزء من حقوقها.

وبالرغم من القيود المجتمعية والاقتصادية التي تُفرض عليها، وتعرقل أحيانا من مسيرتها المهنية، إلا أن ما وصلت إليه المرأة في الآونة الأخيرة في بعض الدول العربية ، يعد إنجازا مهما، وإن لم يرتق إلى الطموح لغاية الآن.

فالنساء في تونس يشكلن 37 في المئة من مراكز القيادة في الوظيفة العامة، التي يشتغل فيها نحو 600 ألف موظف وفي الأردن تشكل النساء نسبة 41 في المئة في المجالس المحلية والبلديات.

وقد عبّرت وزيرة المرأة التونسية السابقة نزيهة العبيدي عن أملها في القضاء على المعرقلات الخفية لتمكين النساء الكفؤات وهن كثيرات على حد تعبيرها من أجل تولي المناصب الرفيعة المستوى.

وقالت بأن على السلطات أن تقوم بكل ما بوسعها حتى تتولى النساء مناصب اتخاذ القرار، وأشارت إلى أن الحكومة وضعت عددا من الخطط لتمكين المرأة بحلول 2020 كحد أقصى لتكون متساوية مع الرجل في مناصب اتخاذ القرار.

مهمة المرأة تزداد صعوبة في أن تحقق ذاتها وتحافظ على أنوثتها وتحقق المساواة
مهمة المرأة تزداد صعوبة في أن تحقق ذاتها وتحافظ على أنوثتها وتحقق المساواة

 

20