هل يمكن أن تتحمل المرأة تكاليف الزواج وحدها

تنازلات الرجل من أجل الأسرة تزايدت، لكنه يقوم بهذه في الخفاء خوفا من المجتمع الذي يعطي للرجل هالة كبيرة.
الأحد 2018/09/23
نجاح أي علاقة يتحقق بمدى شعور الطرفين بالتكافؤ بينهما

يقبل الكثير من الرجال فكرة أن يتزوج في شقة زوجته ما دامت لديها الإمكانيات المادية، فمن الممكن أن يقبل الفكرة ويعيش سعيدا، وهناك نوع آخر من الرجال يرفض أن تنفق عليه زوجته، ويفضل أن يكون هو المسؤول ماديا عن الحياة الزوجية، وبالنسبة إلى الفتاة فهناك من تقبل الفكرة وأخرى ترفضها، فهل يمكن للمرأة أن تكون المسؤولة ماديا عن ترتيب أساسيات الزواج، ومن أهمها الشقة والأثاث؟

تقول نادية (33 سنة) “أتمنى أن أصبح أمّا حتى لو دفعت كل تكاليف الزواج، لكن من أقابلهم إما طامعون في ما أملك وإما رافضون لعرضي خوفا على كرامتهم، فالمجتمع ينظر إلى من يتزوج في شقة تملكها زوجته على أنه ليس رجلا وهذه نظرة خاطئة، فهناك رجال محترمون جدا ولا يملكون تكلفة الزواج، وعندما يملكونها يختارون فتيات صغيرات السن، وهكذا تضيع فرصتي في الزواج تماما، وكل ما أتمناه من المجتمع أن يشجع الشباب على الزواج، وأن يتحدث علماء الدين في هذا الأمر، فالظروف الاقتصادية جعلت إمكانات بعض البنات أفضل من الشباب، وبالتالي لا يجب أن يعاقبنا المجتمع على ذلك”.

وتحدثت ميرفت (25 سنة) قائلة “أنا رومانسية، أحلم بالزواج والبقاء في البيت، وأن يتولى زوجي الإنفاق دون أن أتكفل بأي شيء فالمرأة لا تشعر بالأمان إلا إذا كان زوجها يريدها لشخصها، ولا يحتاج إلى مالها، وهذا الوضع غير الطبيعي سيخلق فروقا كبيرة بين البنات، والأفضل أن تساعد الفتاة الزوج بأن تقلل من طلباتها في نفقات الزواج”.

أما عبير (30 سنة) فتؤكد “أنا مستعدة للقيام بكل نفقات الزواج، وهذا لا يقلل من شأني أو يعني أنني لا أجد من يتزوجني لكن لدي قناعة بأن الظروف الاقتصادية تجعل الشباب يتراجعون عن الزواج في حين أنني كفتاة ساعدتني الظروف على إيجاد فرصة عمل جيدة ووفرت أسرتي شقة لأتزوج فيها، وبالتالي يجب أن أستفيد من هذه المميزات، ولكن للأسف عندما أقترح الفكرة على شخص مناسب يرفض عرضي مؤكدا أنه لا يقبل أن يكون “جوز الست” والنتيجة أنني أصبحت في الـ35 من عمري ولم أتزوج”.

ومن جانبه يقول محمد أنور، مدرس ثانوي “لدي قناعة بأن الفتاة استطاعت أن تنافس الرجل في أمور كثيرة، لكن أن تقوم بشراء الشقة والشبكة لعريسها فهذا مرفوض، فالمساواة بيننا تعني أن تشاركني لا أن تقوم هي بالزواج مني، ففي ظل هذا الوضع الغريب من سيكون رجل البيت؟ وحتى إذا أحببت فتاة ما بشدة فأنا أرفض أن أعيش على نفقتها، ولن أفكر في الزواج إلا عندما أمتلك أساسيات بناء الزوجية”.

ويرى حسن خليل، مهندس ومتزوج منذ 17 سنة أن “التعاون أمر ضروري لنجاح أي علاقة زوجية لكن في الوقت نفسه يجب أن تكون القيادة للرجل ولا يتحقق ذلك إلا من خلال قيامه بالإنفاق على البيت وإدارة شؤونه، وإذا شعرت المرأة بأنها هي من اشترت الشقة والأثاث فإن هذا سيجعلها زوجة غير مطيعة ولديها قناعة داخلية بأنها كما وجدت هذا الشخص بهذه الطريقة فإنه إذا طلقها فستجد غيره، وهذا ما يجعل عمر الحياة الزوجية قصيرا جدا”.

القرار صعب
القرار صعب

وأضاف “وعلى الرغم من اعترافنا بصعوبة الظروف الاقتصادية التي يعاني منها الشباب فإن الحل يكون بإتاحة فرص العمل لهم، وعدم إرهاقهم بالمبالغة في طلبات العروس، لكن أن تقوم العروس بكل الأعباء فهذا ما لا يقبله أي رجل يريد أن يبني أسرة”.

ويعترف محمد عبدالقوي، موظف بإحدى شركات البريد، بأنه تزوج في شقة زوجته ويقول عن تجربته “كنت أحب زميلتي في العمل لكن ظروفي الاقتصادية كانت تحول دون زواجنا، وعندما صارحتني بأن لديها شقة، وأنها على استعداد لمساعدتي رفضت في البداية، لأني شعرت بأن في ذلك إهانة لكرامتي. وبعد عامين تزوجنا وقامت هي بالدور الأكبر من الناحية المادية لكن بعد دخولنا بيت الزوجية اتفقنا على أن ننسى الأمور المادية لنستطيع أن نعيش كأي زوجين نغضب من بعضنا لكننا لا نتحدث في الأمور المادية، لذلك فالمسألة مرتبطة بطبيعة الزوجين بشرط ألا يتدخل الآخرون في الأمر”.

ومن جانبها تؤكد الدكتورة نادية عبدالحميد أستاذة علم الاجتماع في مصر، أن المجتمع يحكم سلوكيات أفراده بمجموعة من المعايير يضعها لهم، ومن يتجاوزها ينظر إليه المجتمع نظرة ازدراء، ولكن هذه المعايير تتغير من خلال تطور أفراد المجتمع واحتكاكهم بثقافات ومجتمعات أخرى، وإذا كان السائد في مجتمعنا الشرقي على مر العصور أن الرجل هو “سي السيد” فإن ملامح هذه الشخصية كي تكتمل تلزم الرجل أن يقوم بنفسه باختيار الزوجة وعش الزوجية وتأثيثه، وأي شكل آخر للزواج يتنافى مع نموذج “سي السيد” يقابل بالرفض من قبل المجتمع، وفي الآونة الأخيرة جعلت الظروف المعيشية الرجل يتنازل تدريجيا، فسمح لزوجته بالعمل لتسهم معه في بناء الأسرة والإنفاق عليها.

وترى عبدالحميد أنه بمرور الوقت تزايدت تنازلات الرجل من أجل الأسرة، لكنه يقوم بهذه التنازلات في الخفاء خوفا من المجتمع، فهو عندما يساعد زوجته في أعمال البيت يفعل ذلك سرا حتى لا يسخر منه الجيران، فالمشكلة أن المجتمع مازال يعطي للرجل هالة كبيرة، والحفاظ على هذه الهالة يتطلب مستوى اقتصاديا لا تسمح به الظروف الآن، ولذلك يسافر عدد كبير من الشباب إلى الخارج بحثا عن المال، وعندما يعودون يبحثون عن عروس صغيرة ليشعروا معها بالتميز، وبأنهم الأكثر والأعلى قدرا، وهذا ما رفع نسبة العنوسة بين الفتيات، خاصة لدى خريجات الجامعات.

ويرى الدكتور عادل المدني أستاذ الطب النفسي، أن نجاح أي علاقة يتحقق بمدى شعور الطرفين بالتكافؤ بينهما، ويظهر هذا الأمر بوضوح في العلاقة الزوجية، فإذا شعر أي طرف بأنه أقل من الآخر فسيسبب ذلك أزمة في العلاقة وقد يهددها بالفشل، من هنا إذا شعر الزوج بأن قيام زوجته بكل الأعباء المالية لن يقلل من قيمته فلا توجد مشكلة، أما إذا شعر بأن ذلك سيجعله يرى نفسه أقل منها، فيجب أن يرفض هذا الوضع من البداية.

وتابع موضحا “المشكلة الأساسية أن مثل هذه الأمور لا تتضح إلا بعد الزواج، فخلال الخطبة يعد كل طرف الطرف الآخر بالحب، وبأنهما كيان واحد، لكن بعد الزواج ومع أول مشكلة يبدأ كل طرف في تذكير الآخر بما ضحّى به من أجل قيام هذه العلاقة وهنا تتعرض الحياة الزوجية للخطر”.

21