هل يبقى قانون المساواة حبيس أدراج البرلمان التونسي؟

الإسلاميون متهمون بعرقلة مشروع المساواة بين الجنسين وتهديد منظومة الحريات.
الخميس 2020/08/13
تشبث بمدنية الدولة التونسية

بعد مرور ثلاث سنوات على إصداره بغية تعزيز منظومة الحريات والمساواة بين الجنسين، تتهم منظمات حقوقية ونسوية في تونس الإسلاميين بعرقلة مشروع قانون الحريات الفردية والمساواة وذلك بالتزامن مع إحياء العيد الوطني للمرأة الذي مثل فرصة قبل سنوات ليبعث خلاله الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لجنة لإعداد المشروع.

تونس - تحيي تونس الخميس العيد الوطني للمرأة، وهي المناسبة التي انتهزها قبل سنوات الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لبعث لجنة الحقوق الفردية والمساواة في محاولة منه لتعزيز منظومة الحريات وتكريس مساواة تامة بين الجنسين وهو ما يراعي مبادئ الجمهورية التونسية.

غير أن تشدد الإسلاميين ومحافظة المجتمع وفقا لمراقبين عرقلا هذه العملية حيث لا يزال يقبع مشروع قانون أعدته هذه اللجنة في رفوف البرلمان التونسي، ما يثير شكوكا حول جدية الطبقة السياسية في فتح هذا الملف دون توجس من ردة فعل ’’المتشددين‘‘ وفتح نقاش عميق مع التونسيين بشأنه.

وتعلق العديد من الأوساط، وخاصة المنظمات الحقوقية منها والنسوية، الآمال على هذه المناسبة لكي يعجل البرلمان التونسي بفتح ملف الحقوق والحريات، خاصة مع تكرر ’’الانتهاكات‘‘ بحق الأقليات سواء الجنسية على غرار المثليين أو غيرها.

تشدد الإسلاميين

بشرى بلحاج حميدة: مشروع المساواة والحريات لم يفشل لأن البرلمان لم يطرحه بعد
بشرى بلحاج حميدة: مشروع المساواة والحريات لم يفشل لأن البرلمان لم يطرحه بعد

في السنوات الأخيرة كررت العديد من المنظمات على غرار الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وهي من أعرق الجمعيات النسوية في تونس، نداءاتها إلى السلطات بفتح نقاش حول مشروع قانون المساواة في الميراث والحريات الفردية والتسريع بالمصادقة عليه.

وفي مثل هذا اليوم من العام 2017 فاجأ الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، والذي أحيى التونسيون قبل أيام ذكرى رحيله الأولى، الجميع بإعلان عزمه إرساء مساواة تامة بين الجنسين في خطوة أثارت حفيظة كثيرين بين من اعتبروا أنها تستهدف إحراج حركة النهضة وبين من ذهب إلى أنها تأتي لتعزيز منظومة الحريات والمساواة في تونس.

إثر خطابه في 13 أغسطس انتفض الشارع التونسي بين مؤيد ورافض، وبلغت حدة النقاش العام الذي فُتح بشأن هذا المشروع تكفير اللجنة ورئيستها بشرى بالحاج حميدة وكذلك الرئيس قائد السبسي، إلى جانب كل من ساندهما.

وبعد مرور ثلاث سنوات على إصدار اللجنة مشروع قانونها المتعلق بالحريات الفردية والمساواة التامة بين الجنسين لا يزال الجدل دائرا في كل احتفاء بالعيد الوطني للمرأة الذي تستثمره بعض المنظمات الحقوقية الوازنة في تونس للدعوة إلى المصادقة على القانون.

لكن يبدو أن الجهات التي تقف خلف المبادرة بدأت تفقد الأمل في ظل تجاذبات سياسية حادة في البلاد تجعل من شأن طرح مشروع القانون على التصويت داخل البرلمان أن يزيد من الخلافات، وهو ما يعمق الأزمة بين الإسلاميين الذين تقودهم حركة النهضة وخصومها الذين يحملون لواء الدفاع عن مدنية الدولة.

ونجحت حركة النهضة الإسلامية التي ناورت إزاء هذا المشروع، في استقطاب أحزاب تُعرف بتقدميتها على غرار حزب قلب تونس (27 نائبا) وهو ما جعل القوى المحافظة الممثلة في النهضة (54 نائبا) وائتلاف الكرامة (19 نائبا) تمثل غالبية برلمانية يصعب تخطيها من أجل تمرير مثل هذه القوانين.

وفي تصريح لـ”العرب” تقول بشرى بلحاج حميدة والتي سبق لها وأن ألمحت إلى تعطيل النهضة للمشروع إن "ما نجحت فيه القوى المحافظة (النهضة وحلفائها) داخل البرلمان يتمثل في استقطاب الأحزاب التقدمية وهو ما جعلها تقف حاجزا أمام مرور مشروع القانون للجلسة العامة".

وتضيف بلحاج حميدة "شخصيا لا أعتبر أن المشروع قد فشل لأنه لم يمر حتى الآن على الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب".

ونجحت شخصيات معروفة بتشددها الإسلامي، على غرار أئمة معزولين مثل رضا الجوادي (المقرب من حركة النهضة الإسلامية)، في ضمان مقاعد في المجلس النيابي التونسي وهي التي قادت حملة تجييش كبيرة ضد القانون الذي اعتبروه يمس من النص القرآني.

ومن خلال استغلالها للمشروع وقيادة مسيرات احتجاجية، كُفر فيها قائد السبسي واللجنة التي بعثها، نجحت الأحزاب الإسلامية على غرار ائتلاف الكرامة والنهضة في توسيع قاعدتها الشعبية على حساب المشروع وهو ما جعلها تتواجد بقوة في البرلمان الجديد وتحول دون ضمان تمرير هذا القانون على التصويت في جلسة عامة.

ولكن أطرافا أخرى تتهم الطبقة السياسية ككل بالمماطلة حيال هذا المشروع.

في 13 أغسطس 2017 انتفض الشارع التونسي بين مؤيد ورافض لفكرة المساواة والحريات الفردية، وبلغت حدة النقاش تكفير اللجنة ورئيستها بشرى بالحاج حميدة وكذلك الرئيس قائد السبسي، إلى جانب كل من ساندهما
في 13 أغسطس 2017 انتفض الشارع التونسي بين مؤيد ورافض لفكرة المساواة والحريات الفردية، وبلغت حدة النقاش تكفير اللجنة ورئيستها بشرى بالحاج حميدة وكذلك الرئيس قائد السبسي، إلى جانب كل من ساندهما

وفي تصريحها لـ”العرب” تقول بشرى بلحاج حميدة ’’البرلمان التونسي بصيغته الحالية لا يضمن مرور المشروع في جلسة عامة لأن الأحزاب انصرفت لمشاكل أخرى لا تهم التونسيين في شيء وبقي مشروع القانون في رفوف المجلس النيابي، والأحزاب التقدمية تتحمل الجزء الأكبر، لأنه وبرغم معارضة النهضة وائتلاف الكرامة كان بإمكانها الضغط من أجل تمريره‘‘.

وتساير يسرى فراوس، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، بشرى بلحاج حميدة في رأيها حيث تقول ’’الأحزاب الصاعدة في انتخابات 2019 تتنازع على مشاكل لا تهم التونسيين ولا تهتم بمنظومة الحريات والحقوق.. همها الوحيد في من يترأس البرلمان أو نفوذها في المحكمة الدستورية‘‘.

ومنذ أن أصدرت لجنة الحريات الفردية والمساواة تقريرها النهائي والذي تحول إلى مشروع قانون طرح موقف حركة النهضة العديد من نقاط الاستفهام حيث اعتمدت الحركة على ازدواجية الخطاب دون أن تصدر موقفا رسميا لكنها كانت تعارض المساواة في الإرث.

وفي تصريح لـ”العرب” اتهمت يسرى فراوس، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات التي تعد أعرق الجمعيات النسوية في البلاد، حركة النهضة الإسلامية بتجييش الشارع ضد مشروع القانون.

وتقول فراوس ’’لقد عززت حركة النهضة مكانتها في البرلمان بعد قيادتها حملات تجييش ضدنا وضد مشروع القانون، لقد نجحت في ضمان قوة في البرلمان مستفيدة من تيارات شعبوية ومتطرفة على غرار ائتلاف الكرامة الذي نعتبره من العوارض والذي لا مستقبل سياسيا له باعتبار خطابه المتشنج والمتطرف‘‘.

وتُضيف ’’نحن أعرق منظمة دافعت عن مشروع المساواة في الإرث منذ العام 1999 في تونس لن نقبل مواصلة المماطلة في هذه القضية.. لا يوجد أي مبرر في أن يتواصل التمييز ضد النساء.. هناك العديد من المؤشرات حول التمييز ضد النساء‘‘.

وبالنسبة لبشرى بلحاج حميدة فإن أهمية تمرير المشروع تكمن في تحديد ضوابط الحريات وإرساء المساواة التامة بين الجنسين.

وبالرغم من أن تونس تعتبر رائدة في مجال الحريات والحقوق حيث تعد من أولى الدول العربية التي ألغت الرق وغيره، إلا أن هذه المنظومة تتآكل في ظل ما يعتبره البعض انتهاكات بحق الأقليات على غرار المثليين جنسيا وغيرهم الذين راحوا ضحية محافظة المجتمع وتشدد الإسلاميين على حد السواء وفقا لهؤلاء.

الخطر يحدق بالحريات

يسرى فراوس: النهضة قادت حملات تجييش ضد مشروع المساواة في الإرث
يسرى فراوس: النهضة قادت حملات تجييش ضد مشروع المساواة في الإرث

منذ طرح مشروع القانون سادت أجواء من التفاؤل لدى المنظمات الحقوقية بأن واقع الأقليات (الجنسية والدينية) سيتغير إلى الأفضل، لكن الانتهاكات مستمرة بحق هؤلاء وفقا لمراقبين وهو ما يفرز من حين إلى آخر مطالبات بفتح ملف الأقليات والحريات الفردية عموما.

في هذا الصدد، تؤكد يسرى فراوس أن هناك استهدافا ممنهجا لمنظومة الحريات في تونس بسبب ’’تخلف التشريعات التونسية‘‘ من جهة واستمرار استهداف الأقليات والمختلفين من جهة أخرى وسط عجز الطبقة السياسية عن وضع حد لذلك.

وتقول فراوس ’’هناك نوع من الردة على مستوى الحقوق والحريات، مازلنا نتابع عمليات استهداف ممنهجة حتى لمكاسب الثورة نفسها خاصة من قبل القوى المحافظة (النهضة وائتلاف الكرامة).. رأينا مؤخرا ما حصل مع المدونة آمنة الشرقي بسبب مجرد تدوينة وطريقة محاكمتها‘‘.

وتضيف فراوس أنها (الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات) ستواصل الدفاع عن منظومة الحقوق والحريات قائلة ’’سنستمر في الدفاع عن الحريات والمساواة في الميراث، وحتى المشروع الذي يركن في أدراج المجلس النيابي سيأتي يوم ويكون محل نقاش داخل البرلمان وسيمر‘‘.

وتشدد الحقوقية التونسية على أن التشريعات في تونس لا تزال متخلفة حيث ’’مازالت المحاكم تعتمد على المجلة الجزائية التي وضعها المستعمر الفرنسي في العام 1903 في قراراته وهي مجلة متخلفة ولا تستجيب لتطور منظومة الحقوق والحريات الكونية‘‘.

وتُشير إلى أن ’’اليوم تستميت جمعية النساء الديمقراطية وغيرها في الدفاع عن مكاسب الحقوق والحريات في تونس في مواجهة قوى الردة والجذب إلى الوراء.. هناك محاولات للسطو على حرية الإعلام من خلال الاستيلاء على الهيئة الوطنية للاتصال السمعي البصري‘‘ في إشارة إلى تشريع قدمه ائتلاف الكرامة الإسلامي ودعمته حركة النهضة وحزب قلب تونس.

الحقوق لا تتجزأ
الحقوق لا تتجزأ

كما تطرح حرية المثليين جنسيا في تونس جدلا لامتناهيا حيث لا تزال تدور محاكمات لهؤلاء وسط دعوات إلى إلغاء كل العقوبات الصادرة ضدهم.

وتقول يسرى فراوس في هذا السياق ’’مازلنا نكافح من أجل إلغاء الفحص الشرجي وتفتيش أجساد الناس لأن ذلك يتناقض مع حريتهم وحقوقهم‘‘.

وبالرغم من أن العديد من الأوساط الحقوقية تعتبر أن محافظة المجتمع التونسي تعد حاجزا أمام تدعيم منظومة الحقوق والحريات وكذا تحقيق المساواة التامة بين الجنسين، إلا أن فراوس تعتبر أن هناك تقبلا تدريجيا لذلك.

وتشدد على أنه ’’رأينا نقاشا عميقا خلال طرح مشروع قانون الحريات الفردية والمساواة بشأن حقوق النساء والحريات الفردية.. هناك تقبل تدريجي ومرحلي لمساعي تدعيم المساواة والحريات الفردية‘‘.

وتضيف ’’نواصل النقاش مع المجتمع لإنتاج حجج دامغة وبراهين وأفكار من أجل طرح هذا المشروع من جديد للنقاش.. حركة التاريخ تقتضي ذلك، تقتضي أن نتقدم‘‘.

وبموازاة ذلك، ورغم تفاؤل داعميه، يبقى الغموض يكتنف مصير مشروع قانون الحريات الفردية والمساواة التامة بين الجنسين على الأقل في الظرف الراهن في ظل تجاذبات سياسية حادة وتشتت الطيف التقدمي الذي بات شق منه يدعم حركة النهضة الإسلامية، (قلب تونس)، وهو ما يصعب من عملية تمرير هذا المقترح.

13