هل ستقول إيران لا لبوتين؟

اتهم مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان روسيا مؤخرا بمحاولة شراء المئات من الطائرات المسيّرة من إيران لاعتمادها في غزو أوكرانيا.
وكان الادعاء منطقيا، حيث إن طائرات الجيش الروسي المسيّرة المنتجة محليا ليست متطورة مثل تلك الغربية التي منحت أوكرانيا ميزة جوية. وهذا ما يجعل سعي موسكو إلى شراء طائرات دون طيار أمرا مرجحا.
لكن المشكلة الوحيدة هي غياب حافز يدفع إيران إلى قبول العرض الروسي.
واعتمدت روسيا في الماضي علاقاتها مع إيران للضغط على القوى الغربية، وخاصة منها الولايات المتحدة. لكن الحرب في أوكرانيا منحت طهران فرصة لقلب الطاولة.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في رده على سوليفان “في حين أن لإيران أشكالا مختلفة من التعاون مع روسيا، بما في ذلك مجال الدفاع.. فإننا لا نساعد أيا من الجانبين المتورطين في الصراع الأوكراني”. وأشار إلى أن إيران “تحاول تجنب أي أعمال قد تؤدي إلى التصعيد”.
وعلى الرغم من أن التصريح لا يرقى إلى أن يكون إنكارا قويا، إلا أن العديد من الأسباب تدفع إيران إلى رفض طلب روسيا.
ويُذكر أن الكرملين اعتمد نفس الخطاب الصادر عن عبداللهيان عندما أرادت إيران شراء نظام لصواريخ أس – 400 سنة 2019. ورفضت موسكو البيع خشية أن يؤدي ذلك إلى “زيادة التوتر في الشرق الأوسط”. وتخشى إيران اليوم من أن يؤدي التعاون العسكري مع موسكو في أوكرانيا إلى زيادة توتر علاقاتها مع الغرب، مما يجعلها غير راغبة في الانخراط في تجارة الطائرات المسيّرة مع “دولة منبوذة”.
لكن بعض الخبراء يرون في تصريح سوليفان حول المساعي الروسية لشراء الطائرات المسيّرة من إيران خدعة برسالة مضمنة من واشنطن إلى الرياض، مفادها أن الولايات المتحدة غير مستعدة للتعاون مع إيران وتخفيف العقوبات. ففي مقابل هذا الموقف المتواصل، تريد الولايات المتحدة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى زيادة إنتاج النفط. ومن المفترض أن زيارة الرئيس جو بايدن الأخيرة إلى السعودية قد تطرقت إلى هذا الموضوع.
ستستمر روسيا وإيران في تطوير شراكتهما الاسمية. لكن، من المستبعد أن تكون بالطريقة التي يتوقعها المسؤولون الأميركيون
ويمكن أن تحاول إيران استغلال روسيا وجعلها ورقة مساومة مع الغرب برفض عروض موسكو العسكرية مقابل تخفيف العقوبات. ولعل القمة التي جمعت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيريه الروسي والتركي كانت فرصة لكي توضح طهران موقفها.
وعلى سبيل المثال صرّح الرئيس فلاديمير بوتين في مايو 2019 بأن روسيا “ليست فرقة إطفاء… ولا يمكنها إنقاذ كل شيء”، في إشارة إلى سبب عدم مساعدة الكرملين في إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني. لماذا ستعمل طهران إذن كـ”فرقة إطفاء” لموسكو في أوكرانيا الآن؟
كما يمكن أن يذكّر رئيسي بوتين بأن روسيا لم تتردد في التصويت لصالح جميع القرارات الستة التي أصدرها مجلس الأمن الدولي ضد إيران من 2006 إلى 2010. ويمكنه أن يسأل بوتين لماذا لم تحم القوات الروسية في سوريا القوات الإيرانية هناك من الضربات الإسرائيلية.
أخيرا، يمكن أن يؤكد رئيسي أن حظر مجلس الأمن الدولي سنة 2007 على شحنات الأسلحة التقليدية إلى إيران انتهى في أكتوبر 2020، ولم يبع الكرملين لإيران حتى الآن أي طائرات مقاتلة من طراز سو – 35 أو طائرات ياكوفليف ياك – 130، أو دبابات تي – 90، أو نظام دفاع صاروخي أرض – جو متقدم من طراز أس – 400، أو النظام الدفاعي الصاروخي الساحلي المتجول كا – 300، رغم اهتمام إيران الشديد بها.
وقبل أيام على غزو روسيا لأوكرانيا، سعت إيران إلى توقيع اتفاقية تعاون أمني ودفاعي بقيمة 10 مليارات دولار مع موسكو. وأرادت الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تهيمن عليه روسيا وتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الكرملين.
ولم تبد روسيا أي اهتمام لذلك، ومن غير المرجح أن تسرع طهران لمساعدة روسيا بعد تدهور موقع موسكو في الساحة العالمية.
لكن هذا لا يعني أن البلدين لن يستمرا في العمل معا في مجالات أخرى. ففي مايو، زار نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك طهران، حيث ناقش ربط أنظمة الدفع الوطنية في البلدين لتسهيل العمل المصرفي. وفي مطلع يونيو، تحدث بوتين ورئيسي عبر الهاتف حول الاتفاق النووي الإيراني، بينما زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف العاصمة الإيرانية في الشهر نفسه لمناقشة العلاقات الثنائية.
وستستمر روسيا وإيران في تطوير شراكتهما الاسمية. لكن، من المستبعد أن تكون بالطريقة التي يتوقعها المسؤولون الأميركيون.
أصبحت موسكو معزولة ومهانة بسبب حربها الكارثية في أوكرانيا، وهي اليوم في حاجة ماسة إلى الحلفاء وتسعى إلى ضخ معدات عسكرية جديدة. ولا يجب أن تتوقع أن تأتي المساعدة من إيران في أي وقت قريب بسبب المناخ الجيوسياسي الحالي والفرصة المتاحة لطهران للاستفادة من المأزق الذي وجدت نفسها فيه.