تركيا وسياسة خطوط الأنابيب في آسيا الوسطى

أنقرة تهدف إلى البدء في شراء الوقود من تركمانستان الجمهورية السوفييتية السابقة للمساعدة على تحويل تركيا إلى مركز إقليمي للغاز.
الثلاثاء 2023/01/10
تركيا تنتظر أن تتحقق إستراتيجيتها في مجال الطاقة

لطالما كانت آسيا الوسطى وجنوب القوقاز تحت تأثير المد الجيوسياسي الروسي، ولكن بعد تعثر حرب الكرملين في أوكرانيا صارت تركيا تتطلع إلى الاستفادة من الوضع عبْر زيادة نفوذها في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية.

وليس سرا أن أنقرة تنظر إلى أذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان باعتبارها دولا تنتمي إلى العالم التركي، وهي الفكرة التي صاغها الرئيس التركي السابق عبدالله غول معتبرا ذلك “أمة واحدة وست دول”. غير أن الروابط الثقافية ليست هي ما يدفع خليفته رجب طيب أردوغان إلى انتهاج هذا المنحى، فالأمر الآن يتعلق بالطاقة.

وتكتسي العلاقات التركية - التركمانستانية أهمية خاصة، وعلى الرغم من أن تركمانستان ليست عضوا في منظمة الدول التركية (وهي تجمع إقليمي يملك بعض الثقل من ناحية الدول الناطقة بالتركية) فإنها تلعب دورا رئيسيا في إستراتيجية أنقرة في آسيا الوسطى، وكما قال أردوغان بصراحة الشهر الماضي “آمل أن يبدأ ضخ الغاز التركماني قريبا إلى تركيا عبر بحر قزوين”.

ولئن كانت تركمانستان أحد أكثر الأنظمة انعزالا في العالم فإنها تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران وقطر، وعلى الرغم من أن الصين هي المشتري الرئيسي للغاز التركماني في الوقت الحالي، إلا أن أنقرة تهدف إلى البدء في شراء الوقود من الجمهورية السوفييتية السابقة للمساعدة على تحويل تركيا إلى مركز إقليمي للغاز.

تركيا تشتري الطاقة من أماكن أخرى في المنطقة، حيث تعد من بين المشترين الرئيسيين للغاز الطبيعي في أذربيجان، ولكن نظرا إلى أن موارد أذربيجان محدودة لا تزال أنقرة ترى تركمانستان محورا في إستراتيجيتها الجيواقتصادية

ويمكن تحويل ذلك إلى واقع، من خلال الاستثمار في الظروف السياسية والاقتصادية اللازمة لاستيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي من روسيا وأذربيجان وإيران وتركمانستان، ومن ثمة يمكن لتركيا إعادة توجيه الطاقة إلى أوروبا وتصبح وسيطا في مبيعات الغاز.

ورغم أن الكرملين يدعم هذه الفكرة من حيث المبدأ، خاصة أنه لم يعد بإمكان روسيا تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب نورد ستريم، فإن إستراتيجية الطاقة التي تتبناها تركيا أصابتها المعارضة الروسية بسهام النقد، وصدرت أبرز الانتقادات عن السيناتور ألكسندر باشكين، الذي كتب مؤخرا أن موسكو لن تسمح ببناء خط أنابيب الغاز العابر لبحر قزوين من تركمانستان إلى أذربيجان، وهو جزء أساسي في أي مشروع مستقبلي تطمح إليه تركيا.

وألقى باشكين باللوم على المخاوف البيئية، لكن السبب الجيوسياسي كان واضحا.

ومع ذلك، حتى لو وافق الكرملين على ما قاله باشكين، فمن غير المرجح أن يكون قادرا على ثني تركيا عن مسارها؛ ذلك أن روسيا الغارقة في الصراع مع أوكرانيا غير قادرة على إملاء شروطها على الدول الأخرى، وخاصة تركيا.

ومن الناحية النظرية يمكن لموسكو مد خطوط أنابيب الغاز الخاصة بها إلى تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان لتصدير الغاز إلى أوروبا، ولكن بالنظر إلى عزلة روسيا على الساحة العالمية، وحقيقة أن الرئيس فلاديمير بوتين قد حول بلاده إلى دولة منبوذة، فمن غير المرجح أن تكون جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية السابقة على استعداد للقيام بأعمال تجارية مع الكرملين.

وبالتالي من شبه المؤكد أن تواصل أنقرة توسيع علاقات الطاقة مع تركمانستان، دون الخوف من انتقام روسيا.

وتشتري تركيا الطاقة من أماكن أخرى في المنطقة، حيث تعد من بين المشترين الرئيسيين للغاز الطبيعي في أذربيجان، ولكن نظرا إلى أن موارد أذربيجان محدودة لا تزال أنقرة ترى تركمانستان محورا في إستراتيجيتها الجيواقتصادية.

الاستثمار في الظروف السياسية والاقتصادية لازم

وفي حين أن الطاقة والمصالح الاقتصادية هما ما يقود إستراتيجية تركيا في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي، فإن أردوغان سيواصل بلا شك التأكيد على أهمية القومية التركية، كون معظم الدول التركية تجمعها بأنقرة روابط تاريخية وعرقية وثقافية. وتساعد القومية التركية أنقرة على تعزيز أهدافها الطموحة في قلب أوراسيا؛ أي التنافس مع روسيا والصين في البلدان المحيطة ببحر قزوين.

وكانت تركيا أول دولة في العالم تعترف باستقلال جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية السابقة في حقبة التسعينات من القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين تحافظ تركيا على علاقات وثيقة مع المنطقة، وشاركت في مشاريع اقتصادية وتعليمية، وعززت تعاونها العسكري.

كما تحقق أنقرة نجاحات في قرغيزستان، حيث فتحت المساجد والمدارس وعززت تعاونها في مجال الطاقة، في حين أن قرغيزستان لا تزال حليفة روسيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (سي أس تي أو)، وهي عضو في الاتحاد الأوراسي بقيادة روسيا (أي آي أي يو)، ويكافح الكرملين للحفاظ على نفوذه الثقافي في البلاد.

ولدى تركيا خطط لاستثمار حوالي 2 مليار دولار في كازاخستان المجاورة، وهي حليف روسي آخر في منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومعظم تلك الاستثمارات في قطاع الصناعات الخفيفة. إن الوجود الاقتصادي لأنقرة في الدولة الغنية بالنفط في آسيا الوسطى متواضع، حيث بلغ حجم التجارة بين أنقرة وأستانة ما يزيد قليلا عن 5.3 مليار دولار في عام 2021، في حين تجاوز حجم التجارة بين كازاخستان وروسيا 11.6 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022.

وأظهرت كازاخستان مؤخرا الرغبة في النأي بنفسها عن روسيا، في الوقت الذي تتطلع فيه إلى تنويع سياستها الخارجية. وللاستفادة من ذلك يجب على أنقرة التحرك لتصبح نقطة عبور للنفط الكازاخستاني والمعادن النادرة المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي، وإنشاء ممر للطاقة يربط بين تركيا وآسيا الوسطى.

وقد يكون التوقيت مناسبا لتركيا، حيث أنه من المتوقع أن توافق كازاخستان على مسودة اتفاق بخصوص ممر نقل يربط بين الصين والاتحاد الأوروبي عبر كازاخستان ثم تركيا، ومن شأن طريق النقل الدولي العابر لبحر قزوين، المعروف باسم الممر الأوسط، أن يتجاوز روسيا ويجعل تركيا دولة عبور مهمة.

وسيستغرق بناء خطوط الأنابيب بعض الوقت، وبينما تنتظر تركيا أن تتحقق إستراتيجيتها في مجال الطاقة نتوقع من قادتها استخدام أي أداة في حوزتهم لتحقيق الأهداف الاقتصادية وأهداف الطاقة التي يطمحون إلي تحقيقها في آسيا الوسطى.

Thumbnail
6