كيف يمكن لاتفاقية سلام بين أرمينيا وأذربيجان أن تقض مضجع إيران

الحرس الثوري يتدرب على استخدام جسور مؤقتة لعبور نهر آراس الذي يفصل إيران عن أذربيجان وأرمينيا.
السبت 2022/11/12
أي تغيير بسيط على الخارطة سيتحدى القوة الإيرانية

مع انتشار الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران في الشهر الماضي، أولى الحرس الثوري الإيراني اهتماما خاصا لتهديد آخر أقل وضوحا للنظام وهو اتفاق سلام محتمل بين أذربيجان وأرمينيا.

وكجزء من التدريبات العسكرية واسعة النطاق، تدرب الحرس الثوري، وللمرة الأولى على استخدام جسور مؤقتة لعبور نهر آراس، الذي يفصل إيران عن أذربيجان وأرمينيا. وكان استعراض القوة العسكرية، وهو تدريبات روتينية، رسميا رسالة رمزية إلى أذربيجان مفادها أن طهران لن تقبل التغييرات في هذه المنطقة الحدودية.

ولكن لماذا تشعر إيران بالقلق الشديد من أي اتفاق سلام محتمل بين العدوين اللدودين والذي قد يؤدي إلى مثل ذلك التغيير؟ وكيف يمكن لتغيير بسيط على الخارطة تحدي القوة الإيرانية؟

وكجزء من مخرجات وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا في عام 2020 والذي أنهى فعليا الحرب التي استمرت 44 يوما بين أرمينيا وأذربيجان، والتي دارت رحاها حول منطقة ناغورني كاراباخ، وافقت أرمينيا على بناء خط مواصلات بين أذربيجان الغربية ومقاطعة ناخشيفان التابعة لها، والتي تحيط بها الأراضي الأرمينية والإيرانية، وتشترك في حدود صغيرة مع تركيا. وكان الهدف من الاتفاق هو ضمان حركة المواطنين والمركبات والبضائع دون عوائق بين المنطقتين الأذريتين.

أذربيجان تُظهر نفس الروح القتالية ضد إيران، حيث أيدت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة طلب انفصال المحافظات الإيرانية التي يشكل الأذريون فيها غالبية السكان

وسيتم ضمان السيطرة على ذلك الممر من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ”أف أس بي”، وهو أحد الأسباب التي جعلت ذلك الممر نقطة خلاف، حيث تخشى أرمينيا من أن يؤثر ممر ناخشيفان على سيادتها الوطنية، وبالتالي يؤثر على حدودها مع إيران.

وباعتبارها الفائز الواضح في الحرب التي استمرت 44 يوما، تمارس أذربيجان الضغوط من أجل تنفيذ اتفاق موسكو وتريد من أرمينيا بناء خطوط برية وسكك حديد على طول حدودها مع إيران، دون أي محطات لفحص جوازات السفر أو الجمارك.

وتدرك طهران من جانبها، أن ممر ناخشيفان من شأنه ربط البر الرئيسي لأذربيجان ليس فقط بمنطقتها في قلب أرمينيا ولكن أيضا بحليفتها تركيا، والتي تعد المنافس الإقليمي لإيران.

وإذا تم بناء ممر ناخشيفان، فسوف يمنح تركيا طريقا بريا جديدا إلى جنوب القوقاز، والذي من المرجح أن تستخدمه القيادة التركية لتعزيز وجودها في المنطقة الغنية بمصادر الطاقة، بل إن تركيا سوف تكتسب طريقا أسرع إلى أسواق آسيا الوسطى، وهو انتصار جيوسياسي كبير لأنقرة، مما يمنحها نقطة انطلاق لتنفيذ بعض أهدافها القومية التركية الطموحة.

كل تلك التطورات يمكن أن تضعف موقف إيران في المنطقة، ولن ينهي ذلك الممر اعتماد أذربيجان على إيران في العبور فحسب، بل سيقضي أيضا على احتكار الجمهورية الإسلامية لخدمات النقل العابر في جنوب القوقاز، وسينقل الممر أيضا مفاتيح السيطرة على توزيع الموارد المائية في حوض نهر آراس إلى باكو.

والسبب الأمني هو السبب الأخير وراء خشية السلطات الإيرانية من ممر ناخشيفان، فإذا تم بناؤه على النحو المقترح، فقد يستخدمه أعداء إيران لأغراض عسكرية.

وعلى الرغم من تمتع أذربيجان بأغلبية شيعية، لكن لديها علاقات عسكرية قوية مع إسرائيل، والتي تعد العدو اللدود لإيران. ويعلم الجميع أن الجيش الإسرائيلي سيتطلع إلى استخدام الأراضي الأذرية في حالة نشوب حرب كبيرة مع إيران، وآخر شيء تريده طهران هو رؤية اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا يمهد الطريق لتواجد إسرائيلي في المنطقة.

ويبدو أن الجمهورية الإسلامية عازمة على منع بناء ممر العبور عبر الأراضي الأرمينية.

طهران من جانبها تدرك أن ممر ناخشيفان من شأنه ربط البر الرئيسي لأذربيجان ليس فقط بمنطقتها في قلب أرمينيا ولكن أيضا بحليفتها تركيا، والتي تعد المنافس الإقليمي لإيران

وفي أعقاب التدريبات العسكرية التي أجرتها طهران في آراس، افتتح وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان القنصلية العامة للجمهورية الإسلامية في كابان، في مقاطعة سيونيك جنوب أرمينيا، وهي منطقة ذات أهمية إستراتيجية حيث يمر عبرها ممر ناخشيفان. وكانت تلك إشارة أخرى إلى أذربيجان بأن إيران ترى نفسها لاعبا رئيسيا في جنوب القوقاز. وتدرس إيران أيضا بيع أسلحة، خاصة طائرات “شاهد - 136” دون طيار، إلى أرمينيا.

وتظهر طهران نواياها من دون تردد، حيث بث التلفزيون الحكومي بعد أيام قليلة من المناورات العسكرية مقطع فيديو على قناة “سحر” الناطقة باللغة الأذرية حذر فيه أذربيجان من أن “أي شخص ينظر إلى إيران بطريقة خاطئة سيتم تدميره”. وفي حين سعى المسؤولون الإيرانيون في وقت لاحق إلى التقليل من شأن تلك الرسالة، مؤكدين على “العلاقات الودية والأخوية” بين البلدين، لكن من الصعب عدم اعتبار الأحداث الأخيرة صورة من صور التصعيد.

وما فتئت أذربيجان تُظهر نفس الروح القتالية ضد إيران، حيث أيدت المقالات الأخيرة التي نشرت في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة طلب انفصال المحافظات الإيرانية والتي يشكل الأذريون فيها غالبية السكان. وبالنظر إلى ذلك التطور، فمن الممكن أن التدريبات العسكرية للحرس الثوري الإيراني بالقرب من الحدود الأذرية - والتي أجريت وسط الاحتجاجات في الأجزاء التي تتواجد فيها الأغلبية الأذرية – كانت في الواقع مخصصة للجمهور المحلي.

وما هو واضح للعيان، هو أن العلاقات الحالية بين أذربيجان وإيران ليست ودية ولا أخوية، وفي حين أن أذربيجان بلد علماني، لكن العقيدة الشيعية هي الشيء الوحيد الذي يشترك فيه البلدان. وتملك باكو وطهران حلفاء مختلفين، وأولويات مختلفة، وأهداف جيوسياسية مختلفة.

وبالتالي، إذا نجحت أذربيجان في نهاية المطاف في بناء جانبها من ممر ناخشيفان المدعوم من روسيا، فإن إيران ستكون ثاني أكبر خاسر في حرب عام 2020.

6