هل تُحول موسكو وواشنطن الفضاء إلى ساحة صراع

الولايات المتحدة تدين اختبار روسيا لصاروخ مضاد للأقمار الاصطناعية.
الأربعاء 2021/11/17
سباق للتسلح في الفضاء

تُثير إدانة الولايات المتحدة لاختبار روسيا لصاروخ مضاد للأقمار الاصطناعية تساؤلات بشأن سعي موسكو وواشنطن لتحويل الفضاء إلى ساحة صراع جديدة بينهما.

واشنطن - تُحيي إدانة الولايات المتحدة مساء الاثنين اختبار روسيا صاروخا مضادا للأقمار الاصطناعية المخاوف من أن تحول القوتان العالميتان الفضاء إلى ساحة صراع بينهما.

وأدانت واشنطن بشدّة ما وصفته بالتصرّف الخطر الذي أقدمت عليه موسكو باختبارها صاروخا مضادا للأقمار الاصطناعية، محذّرة من أنّ هذه التجربة خلّفت الآلاف من قطع الحطام التي تهدّد خصوصا سلامة روّاد الفضاء العاملين في محطة الفضاء الدولية.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان الإثنين ”أجرت روسيا بشكل غير مسؤول اختبارا تدميريا على صاروخ مضادّ للأقمار الاصطناعية استهدفت خلاله أحد أقمارها الصناعية”.

وأضاف أنّ هذه التجربة الصاروخية “خلّفت حتى الآن أكثر من 1500 قطعة من الحطام المداري المُمكن تتبّعه، وستخلّف على الأرجح مئات الآلاف من القطع من الحطام المداري الأصغر حجما”.

وأصدرت وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” بيانا قالت فيه إنّ محطة الفضاء الدولية “تمرّ كل 90 دقيقة عبر سحابة (من الحطام) أو بالقرب منها”.

وصباح الإثنين اضطرّ روّاد الفضاء السبعة الموجودون على متن محطة الفضاء الدولية، وهم أربعة أميركيين وألماني وروسيان، للالتجاء إلى سفنهم الملتحمة بالمحطّة استعدادا لإخلاء طارئ محتمل.

وأوضحت ناسا في بيانها أنّ لجوء الرواد إلى مركباتهم الفضائية حدث تحديدا خلال المرور الثاني والثالث للمحطة الفضائية الدولية، أي بين قرابة الساعة الثانية والرابعة فجرا بتوقيت شرق الولايات المتحدة، بهذه السحابة.

أنتوني بلينكن: روسيا أجرت اختبارا تدميريا بشكل غير مسؤول

ووفقا لموقع “سبايس فلايت ناو” المتخصّص بأخبار الفضاء، فإنّ الرواد السبعة عادوا جميعا ظهر الإثنين إلى داخل محطة الفضاء الدولية لكنّهم أبقوا، في إجراء احترازي، البوابات الفاصلة بين عدد من وحداتها مغلقة. ولفت الموقع إلى أنّ البوابات الفاصلة بين الوحدتين الأميركية والروسية في المحطة لم تغلق.

وفي بيانه حذّر بلينكن من أنّ “قطع الحطام الناجمة عن هذا الاختبار الخطِر وغير المسؤول ستهدّد الآن ولعقود مقبلة الأقمار الاصطناعية وأجساما فضائية أخرى حيوية لأمن دول أخرى واقتصادها ومصالحها العلمية”.

وأضاف أنّ هذه التجربة “ستزيد بشكل كبير من المخاطر التي يتعرّض لها رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية”، مؤكّدا أنّ الولايات المتّحدة “ستعمل مع حلفائها وشركائها في مسعى للردّ على هذا العمل غير المسؤول”.

وفي بيان وكالته قال رئيس “ناسا” بيل نيلسون “لقد صدمني هذا العمل غير المسؤول والمزعزع للاستقرار”.

وأضاف “من غير المعقول أن تعرّض روسيا للخطر ليس فقط رواد الفضاء الأميركيين والشركاء الدوليين في محطة الفضاء الدولية، بل أيضا رواد الفضاء الخاصّين بها”.

وكانت وكالة الفضاء الروسية “روسكوزموس” نشرت في وقت سابق من الإثنين تغريدة طمأنت فيها إلى زوال الخطر الذي شكّله على روّاد محطة الفضاء الدولية “جسم” لم تحدّد ماهيته.

وفي تغريدتها التي لم تأتِ فيها على ذكر التجربة الصاروخية الروسية قالت “روسكوزموس” إنّ “الجسم الذي أجبر الطاقم اليوم على الانتقال إلى المركبة الفضائية عملا بالإجراءات المعيارية، ابتعد مداره عن مدار محطة الفضاء الدولية”.

وقال رائد الفضاء الروسي أنتون شكابلروف في تغريدة على تويتر “أصدقائي، كل شيء هنا على ما يرام. نواصل العمل وفقا لبرنامجنا”.

ولم يوضح بلينكن ما إذا كانت الولايات المتّحدة ستتّخذ إجراءات انتقامية ضدّ روسيا بسبب هذه التجربة، مكتفيا بالقول إنّ بلاده “ستوضح أنّها لن تتسامح مع هذا النوع من النشاط”.

وأعلن المتحدّث باسم البنتاغون جون كيربي أنّ “مبعث القلق المباشر هو الحطام الذي يطفو الآن والذي يمكن أن يشكّل خطرا بما في ذلك على محطة الفضاء الدولية”.

وأضاف “نحن نراقب من كثب نوع الوسائل التي يبدو أنّ روسيا تريد تطويرها”، مشدّدا على أنّ موسكو لم تخطر واشنطن مسبقا بهذه التجربة.

ونفت روسيا الثلاثاء الاتهامات الأميركية حيث قال وزير الخارجية سيرجي لافروف خلال مؤتمر صحافي إن “الإعلان أن روسيا الاتحادية تثير مخاطر على استخدام الفضاء لأغراض سلمية أمر أقل ما يمكن قوله إنه خبيث”، مؤكدا أن “لا أساس” لهذه الاتهامات.

واتهم الولايات المتحدة بأنها “تتجاهل اقتراحات روسيا والصين من أجل اتفاق دولي لمنع سباق تسلح في الفضاء”.

وهذه ليست أول تجربة صاروخية على استهداف قمر اصطناعي أثناء دورانه حول الأرض، إذ سبق أن أجرت مثل هذه التجربة أربع دول هي الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا.

ولقي هذا النادي الرباعي بسبب تجاربه هذه انتقادات شديدة لأنّ الحطام الذي يخلّفه قصف القمر الاصطناعي سرعان ما يتحوّل إلى مقذوفات خطرة يمكن أن تصطدم بالآلاف من الأقمار الاصطناعية الموجودة في المدار والتي تعتمد عليها دول بأسرها في العديد من الأنشطة، كالاتصالات وتحديد المواقع الجغرافية.

ومن هنا فإنّ حيازة دولة ما تكنولوجيا الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية تزيد من رصيدها العسكري كثيرا إذ يصبح بمقدورها تدمير أقمار تابعة لدول أخرى.

وقال عالم الفلك جوناثان ماكدويل إنّ “وقوع أحداث بسبب حطام ناجم عن تجارب على أسلحة مضادّة للأقمار الاصطناعية أمر لا يحدث كثيرا، وآخرها كان اختبار أجرته الهند في مارس 2019″.

وأضاف أنّه بناء على مسارات محطة الفضاء الدولية والأجسام المعروفة في المدار يمكن استنتاج أنّ القمر الاصطناعي الذي استهدفته التجربة الروسية هو كوزموس 1408 وقد خرج من الخدمة منذ ثمانينات القرن الماضي.

وأعرب ماكدويل عن أسفه لأنّ التجربة الصاروخية أسفرت عن تدمير القمر الاصطناعي، وقال “تدميره لم يكن ضروريا على الإطلاق”.

وأضاف “هذا اختبار عسكري بحت”، مذكّرا بأنّ “لدينا أصلا الكثير من الحطام هناك وتوليد المزيد منه عمدا هو أمر لا يغتفر”.

وطمأن الخبير إلى أنّ بعضا من الحطام الناجم عن هذا الاختبار سيتفكّك عند دخوله الغلاف الجوي “في الأشهر المقبلة”، في حين يمكن أن يبقى البعض الآخر في المدار لمدة تصل إلى عشر سنوات.

ويطالب العديد من الخبراء بالمزيد من التنظيم لمواجهة هذه المخاطر.

وقال بلينكن في بيانه “ندعو جميع دول الفضاء المسؤولة إلى الانضمام إلينا في جهودنا لتطوير معايير سلوك مسؤول”.

5