هل تنجح واشنطن في سياسة "الشبكة النظيفة" ضد بكين

المعركة التكنولوجية بين البلدين تؤسس لمرحلة تعمق الفجوة بين دول العالم.
الثلاثاء 2020/09/08
تكنولوجيا المستقبل تؤجج الصراع الدولي

بعد أن أظهرت الولايات المتحدة طيلة الأشهر الماضية مدى الرغبة الجامحة في محاصرة التكنولوجيا الصينية وإقصائها نهائيا، بأي شكل، كونها المتسبب الرئيسي في عمليات التجسس ومراقبة بيانات الأميركيين، بحسب دوائر صنع القرار في البيت الأبيض، بدأت الأنظار تتركز على ما وراء إعلان وزير الخارجية مايك بومبيو عن سياسة “الشبكة النظيفة” قبل أسابيع، والذي حمل معه سيلا من التساؤلات حول مدى نجاح هذه الخطة على المدى البعيد ومدى تأثيرها على سياسة انفتاح السوق.

بكين – تحمل إستراتيجية الولايات المتحدة، المتعلقة بإزالة كافة التطبيقات الصينية غير الموثوق بها، تحت برنامج “الشبكة النظيفة” في طياتها الكثير من المخاطر كون مثل هذه الرؤية الأميركية لشبكة الإنترنت “الخالية أساسا من الصين”، لن تجعلها سوى مكان أكثر انقساما.

ويعتقد مراقبون أنه عندما قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بجولة في العديد من الدول الأوروبية مؤخرا من أجل الترويج للبرنامج فإن دافعه يكمن في جعل بلاده تواصل الهيمنة التكنولوجية، حيث تم إطلاق خمسة خطوط جديدة من الجهود في إطار حماية البنية التحتية للاتصالات والتكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة.

وتتضمن مساعي واشنطن إزالة التطبيقات الصينية مثل تيك توك ووي تشات من متاجر تطبيقات الأجهزة المحمولة الأميركية مما يحد من قدرة مزودي الخدمات السحابية الصينيين، مثل علي بابا وبايدو وتينسنت، على الوصول إلى الأنظمة المستندة على الحوسبة السحابية في الولايات المتحدة، وضمان أن الكابلات في قاع البحر “لا يتم تخريبها من أجل جمع معلومات استخبارية” لصالح الصين.

ويرى خبراء عرب تحدثت معهم وكالة شينخوا الصينية أنه من خلال محاولة إقصاء شركات التكنولوجيا الصينية من الإنترنت الأميركي، أظهرت إدارة الرئيس دونالد ترامب أيضا أن الأيديولوجيا، وليس منطق الأشياء، هي التي توجه عملية صنع السياسات لديها.

غير أن بعض الخبراء يرون في هذا البرنامج مساسا بحرية انتقال التكنولوجيا ما يعارض سياسة الانفتاح الاقتصادي على الأسواق، كما أنه يعني بالضرورة الحد من قدرة بكين على نشر الذكاء الاصطناعي، وهذه مشكلة تبدو معقدة خاصة في ظل جنوح العالم إلى هذه التقنيات المتطورة.

مبررات غير مقنعة

لقد حول النزاع التجاري الدائر بين الولايات المتحدة والصين منذ أكثر من عامين، أمام تواصل ضغط الإدارة الأميركية على بكين، ساحة المواجهة بين القوتين الاقتصاديتين من حرب تجارية إلى حرب تكنولوجية، حيث تحاول الصين ريادة مجال الذكاء الاصطناعي لمنافسة نفوذ الولايات المتحدة.

وتؤثر المواجهة المحتدمة على النظام العالمي، إذ أنها تعيد تشكيله بناء على معركة أيديولوجية جديدة بين نموذجين، النموذج الدكتاتوري الرقمي للصين والنموذج المتبع لدى الديمقراطيات الليبرالية.

وهناك مقاربة يتبناها المراقبون تتمثل في أن تبريرات إدارة ترامب قد لا تبدو مقنعة لأن الشركات الصينية المستهدفة تعمل منذ زمن في الولايات المتحدة، وأن تأثيرها على الانتخابات الأميركية المزمعة في نوفمبر المقبل ربما يكون نسبيا أو معدوما.

مصطفى إبراهيم: الهدف إخراج شركات الإنترنت الصينية من السوق الأميركية
مصطفى إبراهيم: الهدف إخراج شركات الإنترنت الصينية من السوق الأميركية

وبالنسبة إلى نية وجوهر خطة الولايات المتحدة المسماة بـ”الشبكة النظيفة”، يرى مصطفى إبراهيم نائب رئيس مجلس الأعمال المصري الصيني أن الهدف الأساسي هو إخراج شركات الإنترنت الصينية من السوق الأميركية، بالإضافة إلى إعاقة التقدم التكنولوجي للصين.

وأوضح إبراهيم أن الصين تقدمت كثيرا في الجانب التكنولوجي واستخداماته، وهذا ظهر بشكل كبير في مواجهة الصين لمرض كوفيد – 19، والذي تتهمها واشنطن بالمسؤولية عن انتشاره.

وقد استخدمت الصين التكنولوجيا مثل الروبوت وتطبيق وي تشات لمعرفة حالة كل شخص بالبلاد، وتم استخدام التكنولوجيا بطريقة فائقة تدل على أن الصينيين لديهم تقنية متقدمة.

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي التونسي، الجمعي قاسمي، أن الخطة الأميركية الجديدة التي أعلنها بومبيو تندرج في إطار “أجندة إمبريالية تريد من خلالها الولايات المتحدة 
إحكام الهيمنة على مجال تقنيات الاتصال تحت عناوين زائفة، وأخرى مُضللة لم تعد تنطلي على المجتمع الدولي”.

ولفت إلى أن هذه الخطة التي تستهدف إبعاد شركات التكنولوجيا الصينية الناجحة من الإنترنت، تأتي في أعقاب إجراءات “ظالمة أخرى” اتخذتها الولايات المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية في مسعى لضرب قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين.

ومما لا شك فيه أن الإجراءات الأحادية الجانب للولايات المتحدة، تجلب آثارا سلبية على البيئة الطبيعية للإنترنت وتطور تكنولوجيا الشبكة العالمية. وحول هذا الجانب، أعرب الخبراء العرب عن انتقادهم.

وشدد قاسمي على المكانة الهامة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ودور شبكة الإنترنت المتعاظم في أنشطة مختلف الدول، باعتبار هذه التقنيات من أبرز المُحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي.

وقال “على هذا الأساس، فإن مثل هذه الإجراءات الأميركية أحادية الجانب ستكون لها تداعيات وانعكاسات سلبية كثيرة على البيئة الطبيعية للإنترنت وتطور تكنولوجيا الشبكة العالمية، ونذكر منها بالأساس تعميق الفجوة الرقمية بين الدول”.

وتابع “دون شك، فإن ذلك سيؤثر سلبا على البيئة التمكينية لتنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وذلك من خلال الحد من الاستثمار في هذا المجال لتحقيق التنمية المستدامة”.

تعميق الفجوة

الجمعي قاسمي: إدارة ترامب تريد إحكام الهيمنة على مجال تقنيات الاتصال
الجمعي قاسمي: إدارة ترامب تريد إحكام الهيمنة على مجال تقنيات الاتصال

تحت يافطة الأمن القومي، وضعت إدارة ترامب العام الماضي شركة هواوي على قائمة شركات يشتبه في قيامها بالتجسس، ولا تستطيع الشركات الأميركية أن تبيعها معدات تكنولوجية للجيل الخامس للاتصالات (5 جي). ويهدف هذا التدبير إلى التصدي للصين في خضم الحرب التجارية بين البلدين.

ومع ذلك، تبرز مخاوف متزايدة من أن تأتي هذه المعركة على باقي الشركات التكنولوجية، وهو ما قد يتسبب في فجوة معرفية من الناحية التكنولوجية، وقد تزيد من تعميق حالة فقدان الثقة بين الدول المؤثرة صناعيا في العالم.

ويرى سامر خير أحمد، الكاتب الأردني المتخصص بشؤون الصين والعلاقات الصينية العربية، أن هذه الإجراءات الأحادية الأميركية ستؤدي إلى تعطيل فرص الشراكة في تطوير الأنترنت.

ويعتقد أن برنامج “الشبكة النظيفة” يريد من البشرية أن تتنازل عن خطوات متقدمة وناجحة حققتها الصين فعلا، لمجرد أنه لم يتم إنجازها في أميركا أو دول أوروبا الغربية. وقال “في الحقيقة، هذا جنون لا يخدم البشرية وتقدمها”.

ولكن المسألة قد لا تقف عند ذلك الحد، فهؤلاء الخبراء العرب يرون في السلوكيات “المتنمرة” المتكررة من جانب الولايات المتحدة، آثارا سلبية بالغة على الإنصاف والعدالة الدوليين.

ويقول عبدالوهاب غنيم نائب رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، إن بومبيو قال إنه على شركات التكنولوجيا الأميركية وقف التعامل مع الشركات الصينية، وطالب المتاجر بشكل عام بعدم التعامل مع التطبيقات الرقمية الصينية. وطبعا، هذا الأمر يخالف مبادئ منظمة التجارة العالمية، ومبادئ المنافسة والعدالة والشفافية العالمية. لكن، في الحقيقة، الحكومة الأميركية تتعنت وتحمي منتجاتها، ولا تسمح لمنتجات الدول الأخرى بالمنافسة.

سامر خير أحمد: قد نشهد تعطيل فرص الشراكة في تطوير الشبكة العالمية
سامر خير أحمد: قد نشهد تعطيل فرص الشراكة في تطوير الشبكة العالمية

ومن المرجح أن تظهر موجة رفض داخل حكومات العديد من الدول بشكل عام وخاصة التي ليست حليفة لواشنطن لأنها لن ترضى بهذه التصرفات الأميركية، فالعالم اليوم مفتوح في التجارة خاصة في مجال تطبيقات الإنترنت فائقة السرعة.

وتلعب الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، دور الريادة في تطوير الذكاء الاصطناعي، لكن الصين تتحرك بقوة في محاولة لتجاوز منافسيها الأميركيين بحلول عام 2030.

وبشكل أعمق يؤكد صائب الرواشدة، محرر الأخبار السياسية والعالمية في المؤسسة الصحافية الأردنية، لوكالة شينخوا أن الاتجاه الأميركي خرق واضح للعديد من القوانين والتعليمات الدولية التي تدعو إلى الانفتاح والعولمة.

ويرى الرواشدة أن التكنولوجيا قطاع منافس، والمنافسة مفتوحة للجميع، ولمن يتابع الوضع أن يتخيل حجم الخسائر التي تتكبدها الشركات. وقال إن “العالم قرية صغيرة اليوم، والتطورات التكنولوجية حق للجميع. ولا يجب أن يتم حرمان أي أحد من استخدام تطبيق معين أو تكنولوجيا معينة”.

وهناك اعتقاد بأن نتائج الإستراتيجية الأميركية الجديدة “الشبكة النظيفة” ستنعكس سلبا على الولايات المتحدة في المستقبل، فالطريق لا يزال طويلا لمعرفة آثار الحرب التكنولوجية.

ويقول المحلل الأردني خالد الزبيدي إن ما تصرفات واشنطن تجاه بكين ستضر به نفسها، ذلك أن حجب الإنترنت سيعقد حياة الشركات والأفراد، والضرر الناتج في قطاعات مختلفة سيدمر الاقتصاد الأميركي على المدى المتوسط.

6