هل تلغي السعودية الوصاية على زواج الفتيات

تنتشر في المملكة العربية السعودية التي تشهد تغييرات اجتماعية ملموسة تنصف النساء وتحد من وصاية الأولياء الذكور عليهن ظاهرة عضل الفتيات حيث يفرض عليهن الحصول على موافقة الأب أو الأخ على الزواج.
الرياض - تعيش الكثير من الفتيات السعوديات تحت ظلم الأعراف والتقاليد الصارمة التي تقف حاجزا أما حقهن في الزواج وتكوين أسرة، وذلك بسبب امتناع الأب أو ولي الأمر عن الموافقة على زواجهن لأسباب واهية، مما يضعهن أمام مفترق طرق؛ فإما أن تظل الفتاة دون زواج وإما توصم بالعقوق إذا تقدمت بقضية للمطالبة بحقها الشرعي واتخاذ قرار الزواج دون موافقة ولي أمرها.
وانتشرت مؤخرا حملة على تويتر تطالب بإلغاء الوصاية على تزويج الفتيات تحت وسم #نصرة_المرأة_بلا_قضايا_عضل. وغرّدت ناشطة على تويتر ضمن حملة واسعة للمطالبة بقوانين تنصف ضحايا عضل الآباء وأولياء الأمر قائلة “نحن لا نتكلم عن قضية مستحدثة وإنما قضية بشعة دامت لسنوات ويجب حسمها لأنها سلبت حقوق الكثير من الفتيات اللاتي أردن الزواج”.
وأكد حقوقيون أن العضل هو المنع الظالم للفتاة من الزواج وهو بذلك نوع من العنف النفسي والأسري والاجتماعي الممارس على المرأة من قبل أحد أولياء أمرها، ويعد العضل فعلا عدائيا يرسخ النظرة الدونية للمرأة باعتبارها غير قادرة على اختيار شريك حياتها.
ومن جانبها نددت هيئة حقوق الإنسان في السعودية بسلوك آباء يمنعون بناتهم من حق الزواج، واعتبرت ذلك من الجرائم التي تمس حقوق الإنسان وكرامته، وتخالف كل القوانين والأنظمة، إضافة إلى أنها ممارسة محرمة شرعا.
وقالت تقارير إلكترونية إن وزارة العدل السعودية أعلنت سلسلة إجراءات جديدة قالت إنها ستمكّن المضطهدات من تزويج أنفسهن إذا ما واجهن رفض العائلة لخُطابهن ورغباتهن في إتمام الزواج تحت أي ظرف. ونصت القواعد المنظمة لدعاوى العضل على وجوب البت السريع فيها، نظرا لكونها قضايا ذات طبيعة خاصة، وحرصا على أن تولى تلك القضايا ما تستحقه من اهتمام وأن تنجز وفق القواعد الصحيحة وبما يتوافق مع طبيعتها.
كما نصت على إتاحة قبول دعوى العضل من المرأة، أو من أي صاحب مصلحة في الدعوى كوالدتها أو إخوتها ولا يلزم حضور الخاطب. وأن تفصل الدائرة في دعوى العضل المحالة إليها خلال 30 يوما ولا يؤجل نظر الدعوى عن الموعد المقرر لها إلا عند الضرورة، مع بيان سبب التأجيل.
ومؤخرا أسدلت محكمة الأحوال الشخصية بمحافظة عنيزة في السعودية الستار على أشهر قضية عضل والتي عرفت بـ“معضولة عنيزة“ بعد أن قضت لصالح الفتاة بثبوت العضل وصلاح الخاطب الذي تقدم لها قبل 7 سنوات.
وتتمثل القضية في رفع فتاة من محافظة عنيزة دعوى عضل ضد شقيقها الذي وقف حاجزا أمام رغبتها في الزواج، غير أن المحكمة رفضتها، ما دعاها إلى اتهامها شقيقها بالوقوف خلف معاناتها منذ 7 سنوات وحرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية المتمثلة بالزواج.
وغرد محامي الفتاة، وهو الكاتب عبدالرحمن اللاحم، على حسابه على تويتر “اللهم لك الحمد، اليوم صدر الحكم من محكمة الأحوال الشخصية بعنيزة لصالح موكلتنا بثبوت العضل وصلاح الخاطب الذي تقدم لها، بعد نقض الحكم الأول من المحكمة العليا، وبذلك تطوى صفحة مؤلمة من قصص العضل. أنا في غاية السعادة بأنني كنت جزءا من هذه القصة وأنني خدمت هذه السيدة العظيمة”.
وقالت الدكتورة إقبال درندري على حسابها على تويتر “لماذا تضطر المعضولة إلى أن ‘تتمرمط’ بين المحاكم لسنوات لتحصل على حقها في الزواج؟ وكيف تسلب منها إرادتها ويضيع شبابها في انتظار موافقة من لا يريد تزويجها؟”.
وغردت الكاتبة هالة القحطاني “ينبغي أن تفتح وزارة العدل ملفات العضل في المحاكم وتتحقق من كل قضية دون تهاون، فالضرر والظلم اللذان وقعا على #معضولة_عنيزة مخيفان للغاية ولا يُغتفران.
وأوضحت المحامية نسرين علي الغامدي، عضو لجنة تراحم، أن المقصود بعضل النساء هو منع الأب أو من ينوب عنه كالأخ أو الخال أو العم الفتاة من أن تتزوج ممن ترغب مع انعدام الأسباب المنطقية، وبينت أن عدم كفاءة النسب لا يكون ضمن أسباب العضل، رغم أن البعض يبرر عدم الزواج بذلك، وفق تقرير حديث لصحيفة عكاظ السعودية.
وأضافت أن هناك اختلافا عند جمهور الفقهاء حول متى يعتبر رفض الخاطب عضلا؟ فمنهم من يقول إن الولي المجبر يعد عاضلا بمجرد رده لأول خاطب كفء رغبت فيه موليته، والرأي الآخر يقول إن الولي المجبر متمثل في الأب ووصيته لا يعد عضلا بمجرد رده لأول خاطب كفء رغبت فيه موليته حتى لو تكرر منه ذلك، إلا إذا تأكد أنه يمنع تزويجها للإضرار بها، لاسيما أنه يفترض أن العضل يكون عند تقدم سن الفتاة.
وأكدت إحصائيات حديثة كشف عنها تقرير لـ”عكاظ” أن قضايا العضل الواردة للمحاكم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بلغ متوسطها 750 قضية في السنة الواحدة، وتصدرت مكة المكرمة المرتبة الأولى بـ29 بالمئة وجاءت الرياض في المرتبة الثانية بنسبة 24 بالمئة، ثم المنطقة الشرقية 22 بالمئة.
وتتمثل إجراءات رفع دعوى عضل في اللجوء إلى محكمة الأحوال الشخصية إلكترونيا، والحضور في الموعد المحدد، ويقوم القاضي بضبط حضور المدعية، ويتم البت في مثل هذه الدعاوى بشكل سريع بعد استدعاء ولي الأمر لمناقشته ومعرفة مبرراته وسبب امتناعه.
وأكد حقوقيون أن الوقائع توضح أن الموظفات برواتب عالية يعانين العضل من آبائهن طمعا في رواتبهن، في حين يتشدد بعض أولياء الأمور في فرض مهور عالية وشروط منفرة للعرسان.
وقالت درندري “قليل من النساء المعضولات من يستطعن رفع قضية لإنصافهن، أما الكثيرات فينتحبن بصمت ويقلن لا نستطيع أن نرفع قضية عضل”. وتساءلت “لماذا تضطر المرأة البالغة الراشدة إلى أن ترفع قضية على وليها الذي عضلها حتى تتزوج؟ وهو حق كفله الشرع لها، بل إن هناك اختلافات فقهية في اشتراط الولي في عقد النكاح الرسمي”.
وفي يناير 2017 أقر وزير العدل السعودي، وليد الصمعاني، ما انتهت إليه دراسة أجراها المجلس، حول إمكانية تزويج من لا ولي لها، أو من عضلها أولياؤها خارج أوقات الدوام الرسمي، نظرا لتحرج بعض الخطاب.
وجاء في تعميم الوزير لكافة المحاكم أنه نظرا إلى ما جاء في إفادة بعض القضاة من أن الكثير من الخُطاب في مثل هذا الحال يتحرجون من إجراء عقد النكاح في المحكمة وقت الدوام، ونظرا إلى ما انتهت إليه دراسة الموضوع من قبل الإدارة المختصة في المجلس، من أنه إذا امتنع الخاطب في هذه الحالة عن إجراء عقد النكاح وقت الدوام الرسمي، وطلب إجراء العقد خارجه، فلرئيس المحكمة أن يكلف أحد القضاة بإجراء العقد في المحكمة خارج وقت الدوام الرسمي، إن لم يكن هناك قاض مكلف بالعمل خارج وقت الدوام.
وجاء ذلك وفقا لما يختص به المجلس الأعلى للقضاء، من الإشراف على المحاكم والقضاة وأعمالهم، وبناء على المادة 33 من نظام المرافعات الشرعية، التي نصت في فقرتها السادسة على اختصاص محاكم الأحوال الشخصية بتزويج من لا ولي لها، أو من عضلها أولياؤها.
ويتماشى القرار مع الأنظمة المشار إليها، إضافة إلى اقتراح القضاة المشاركين في برنامج “العنف الأسري” المنعقد بمدينة الرياض، المتضمن إجراء عقد نكاح من عضلها أولياؤها خارج وقت الدوام الرسمي، في حال امتناع الخاطب عن عقد النكاح في المحكمة وقت الدوام.
وتشهد المملكة المحافظة إصلاحات اجتماعية واسعة النطاق قادها ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان، الذي أكد قراراته الجريئة دعم المرأة عن طريق وضع حد لجميع أشكال التمييز ضدها وتمكينها من حقوقها الشرعية والقانونية.