هل تسرّع أزمة لقاء كوهين والمنقوش برحيل الدبيبة

إقالة المنقوش وزيارة سفارة فلسطين لاحتواء الأزمة.
الثلاثاء 2023/08/29
المناضل الدبيبة في سفارة فلسطين

تونس- اتّخذت معركة الإطاحة برئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة منعطفا جديدا بعد الإعلان عن لقاء جمع بين وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، حيث تترقب الأوساط السياسية الليبية ردة فعل شعبية عنيفة قد تعجّل برحيل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، في حين يقلل مراقبون من أهمية ما جرى معتبرين أن تمسك الدبيبة بالسلطة لن يدفعه إلى الاستسلام بهذه السهولة وأنه سيلعب كل أوراقه للبقاء.

وعقب ساعات من صدور بيان منقول عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، اندلعت احتجاجات في العاصمة طرابلس ونددت أحزاب بلقاء كوهين والمنقوش. وفي خطوة لامتصاص الغضب قام الدبيبة بإيقاف المنقوش ثم إقالتها من منصبها، وهو ما اعتُبر حيلة للتملص من المسؤولية لن تنطلي على الليبيين الغاضبين، خاصة بعد التسريب الإسرائيلي الذي أكد أن اللقاء تم الترتيب له مسبقا على أعلى المستويات.

محمود شمام: إذا لم يشرح الدبيبة موقفه فقد يفقد أنيابه ويتحول إلى نمر من ورق
محمود شمام: إذا لم يشرح الدبيبة موقفه فقد يفقد أنيابه ويتحول إلى نمر من ورق

ونقلت رويترز عن مسؤول إسرائيلي، لم تذكره، قوله “الاجتماع تم الاتفاق عليه مسبقا على أعلى المستويات في ليبيا واستمر قرابة ساعتين. ويرى رئيس الحكومة الليبية أن إسرائيل هي جسر محتمل إلى الغرب والإدارة الأميركية”.

وساد الهدوء نهار الاثنين العاصمة طرابلس، لكن تقارير إعلامية نقلت تهديدات من قِبل منسقين للحراك الشعبي الرافض للتطبيع مع إسرائيل تؤكد عزمهم الاحتجاج.

وينظر محللون إلى لقاء المنقوش وكوهين على أنه منعطف مهم في معركة إزاحة الدبيبة. وقال المحلل السياسي الليبي محمود شمام في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك إن “أكبر التظاهرات الشعبية في تاريخ ليبيا جاءت احتجاجا على مواقف قومية وليست محلية؛ مظاهرات عام 1957 ضد العدوان الثلاثي على مصر، مظاهرات يناير 1964 ضد عدم ذهاب الملك (الملك الراحل إدريس السنوسي) إلى القمة العربية، تظاهرات فبراير 1973 ضد إسقاط إسرائيل للطائرة الليبية، التظاهرة أمام القنصلية الإيطالية في فبراير 2006 احتجاجا على الإساءة للرسول وانتفاضة 17 فبراير اتساقا مع انتفاضتي تونس ومصر”.

وتابع شمام “إذا لم يخرج الدبيبة لإلقاء كلمة أمام الشعب الليبي يشرح فيها موقفه فقد يفقد أنيابه السياسية ويتحول إلى نمر من ورق”.

وبدلا من الخروج إلى الليبيين والتوضيح اتجه الدبيبة إلى سفارة فلسطين حيث أكد خلال لقائه السفير محمد رحال دعم بلاده للقضية الفلسطينية وأن ما قامت به المنقوش “لا يمثل موقف الحكومة والشعب”.

وعقب ذلك رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية بخطوة الدبيبة وقالت في بيان إنها “تقدر الموقف الذي أعلن عنه رئيس الحكومة الليبية خلال تواجده في السفارة الفلسطينية لدى طرابلس، حيث أكد التزام بلاده المطلق مع الشعب الفلسطيني في سعيه المشروع لنيل كامل حقوقه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس”.

وأضافت الوزارة أن “فلسطين قد امتنعت عن التعليق على الخبر الذي نشرته الخارجية الإسرائيلية حول لقاء وزير خارجيتها مع نظيرته الليبية، بانتظار صدور مواقف رسمية من قبل الجهات الليبية الرسمية ذات العلاقة تجنبا لأي اختلاف أو سوء تفسير لما جرى”.

وتأتي هذه الأزمة في ظل معركة مفتوحة لإسقاط الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، في حين يخيم الغموض على الموقف الدولي.

وفي الوقت الذي لم يتخذ فيه الغرب خطوات فعلية لاستبعاد الدبيبة اعتبر محللون أن تصريحات الممثلة الأميركية في مجلس الأمن ليندا توماس بشأن دعم تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة تقود البلاد إلى الانتخابات، والتي سبقتها تصريحات أدلت بها السفارة البريطانية في الاتجاه نفسه، تشير إلى قرار غربي يقضي باستبعاد الدبيبة.

في المقابل يبدو الارتباك واضحا على المبعوث الأممي عبدالله باتيلي الذي يؤكد تارة على أهمية صدور القوانين الانتخابية ثم يعود في ما بعد إلى الحديث عن حكومة جديدة، ثم يغير رأيه لاحقا ويشير إلى توحيد الحكومة.

وفي ليبيا حكومتان واحدة في طرابلس برئاسة الدبيبة معترف بها دوليا والثانية في بنغازي كان يقودها فتحي باشاغا قبل أن يستقيل.

وبينما تتراجع حظوظ إجراء الانتخابات في ظل الخلافات التي لا تنتهي، سواء بشأن القوانين الانتخابية أو بشأن الحكومة التي ستشرف عليها، تبرز مساع لتشكيل حكومة جديدة وتحركات أخرى بالتوازي مع ذلك لتوحيد الحكومتين، وهو ما يدفع نحوه الدبيبة وحلفاؤه في المنطقة الشرقية. وتشير التسريبات إلى أن صدام ابن قائد الجيش خليفة حفتر يدعم فكرة توحيد الحكومتين.

وفي المقابل يقول مراقبون إن ما يجري يزيد الضغوط على الدبيبة لكنه لن يؤثر على مصيره، متوقعين أن يتخذ إجراءات خلال الفترة المقبلة لتقوية نفوذه عسكريا عبر السيطرة على كل القوات العسكرية غرب ليبيا، خاصة بعد أن نجح في بناء شعبية من خلال حل مشاكل كان يواجهها الليبيون، في مقدمتها أزمة الكهرباء ونقص السيولة في المصارف.

ويرى هؤلاء المراقبون أن المواقف الغربية طالما ظلت مقتصرة على التصريحات ولم يتم المرور إلى إجراءات فعلية لتشكيل حكومة جديدة وإطلاق حوار جديد مثل الذي قاد لتشكيل الحكومة الحالية أو حكومة فايز السراج التي سبقتها، فلن تعدو كونها مجرد ضغوط ولم يُتَّخذ بعد قرار رسمي باستبعاده، بالإضافة إلى استمرار الدعم التركي.

ويدرك المراقبون أهمية استبعاد خالد المشري من رئاسة مجلس الدولة وانتخاب محمد تكالة الذي تشير تحليلات إلى أنه مقرب من الدبيبة وهو ما سيعرقل أي توافقات أو محادثات مع مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة.

1