هل انتهت رحلة الجزائر في منظمة أوبك؟

انهيار الاحتياطات يهدد بمغادرة نادي النفط.
الاثنين 2021/05/31
اقتراب من نقطة النهاية

تكشف مؤشرات وتقارير أن الجزائر مهددة بالخروج من منظمة أوبك بسبب انهيار احتياطاتها وتراجع إجمالي صادراتها اليومية، الأمر الذي دفع بعض المسؤولين إلى الإقرار بأن هذه الأزمة قد تلغي اعتبار الجزائر كبلد نفطي خلال عقد من الزمن.

الجزائر - ساهمت أسباب سياسية وأمنية في تراجع إنتاج النفط الجزائري لاسيما الضربة الإرهابية التي استهدفت محطت إنتاج تيقنتورين وتخلف القوانين المنظمة للقطاع، فضلا عن سياسة الانعزال التي تعيشها الجزائر في تقييد الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة.

تبقى إحصائيات إنتاج وتصدير النفط والغاز في الجزائر محل تعتيم رسمي لارتباطه بمسألة سوسيواستراتيجية، ترتبط بالاستقرار الاجتماعي ودرجة الضغط على الحكومة، غير أن الثابت هو تراجعه.

ويعود تراجع النفط الجزائري إلى حادثة تيقنتورين العام 2013، نتيجة تضرر المحطة من تداعيات العملية الإرهابية، مما انعكس على تضارب الأرقام وكرس حالة قلق من إمكانية خروج تدريجي للبلاد من نادي مصدري النفط بعدما كانت أحد مؤسسيه.

ولا يستبعد أن يكون اعتراف الوزير السابق للاستشراف محمد شريف بلميهوب بدخول بلاده مرحلة الخروج من نادي الدول المصدرة للنفط، أحد أسباب إقالة الوزير وإلغاء الوزارة برمتها من الخارطة الحكومية، خلال التعديل الحكومي الأخير الذي أجراه الرئيس عبدالمجيد تبون في فبراير الماضي.

وسجلت الجزائر تحسنا في كميات النفط والغاز منذ الذروة التي سجلت في مطلع العشرية الأخيرة، إبان إدارة وزير الطاقة السابق المقرب من الأميركيين ودوائر النفط في واشنطن شكيب خليل، حيث وصل السقف حينها إلى مليون ونحو 200 ألف برميل يوميا، بعد الإصلاحات التي أدرجها على النشاط وانفتاحه على الشراكات الأجنبية.

غير أن الإنتاج الجزائري من النفط والغاز بدأ في التراجع منذ العام 2013، إلى أن نزل إلى ما دون الـ800 ألف برميل يوميا في السنوات الأخيرة، مما أثر على حجم عائدات البلاد التي يشكل النفط والغاز 96 في المئة من مجموع صادراتها.

محمد شريف بلميهوب: الجزائر دخلت مرحلة الخروج من نادي الدول المصدرة للنفط

وبعد تعطل الإنتاج في المحطة الغازية تيقنتورين نتيجة العملية الإرهابية التي استهدفتها العام 2013، لتخسر أكثر 20 في المئة من مجموع الكميات المصدرة من الغاز، سجلت تراجعا موازيا في إنتاج النفط، لاسيما في ظل الشيخوخة التي تضرب الآبار والمحطات التاريخية، كحاسي مسعود وحاسي الرمل، وصعوبة استكشاف لبدائل في نفس الدرجة من الإنتاج.

وساهمت التطورات السياسية المتلاحقة في البلاد في عدم استقرار للمنظومة التشريعية المنظمة لقطاع النفط، فبعد تراجع الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عن قانون النفط الذي أعده وزيره شكيب خليل، تحت ضغط شعبوي من الطبقة السياسية تحت مخاوف المساس بالسيادة وحق الشفعة للحكومة، سجلت الجزائر نفورا للاستثمارات الخارجية ولشركات النفط.

وفشلت العروض الدولية المفتوحة للاستكشاف في استقطاب الشركات المختصة، وكان آخر عرض قد اقترح أكثر من 30 نقطة استكشاف، لم تتم المزايدة الأجنبية إلا على ثلاث نقاط فقط.

وجاءت الأزمة الصحية لتفاقم متاعب الحكومة الجزائرية في تفعيل القطاع والاتجاه للاستكشاف في مناطق الشمال والهضاب وفي عرض البحر، فمراجعة الحكومة لقانون الطاقة العام 2019 رغم الظروف الاستثنائية التي تعيشها مذاك، اصطدمت بالأوضاع الصحية التي أنهكت مختلف القطاعات الاقتصادية في الجزائر وعلى رأسها النفط.

ورغم سعي الحكومات المتعاقبة للتحرر من تبعية النفط، والبحث عن بدائل اقتصادية، إلا أن النفط يبقى المفتاح الأساسي في أيدي السلطة لإدارة شؤون البلاد في المنظورين القريب والمتوسط، والضمان النسبي للتوازنات المالية المختلة خاصة خلال السنوات الأخيرة.

وكان صندوق النقد الدولي قد وضع سقفا لأسعار النفط في حدود 160 دولارا للبرميل من أجل استعادة الجزائر لتوازناتها، وهو مؤشر مستحيل في ظل المعطيات الحالية المرتبطة بتذبذب الأسعار في الأسواق الدولية وتراجع الإنتاج.

وفوق ذلك باتت كلفة إنتاج النفط الجزائري في صعود مطرد، بسبب شيخوخة آبار الإنتاج التي تتطلب تكنولوجيات حديثة، فضلا عن نفقات التأمين بعد الحادثة الأمنية التي شهدتها محطة تيقنتورين الغازية في 2013.

وسجلت عائدات نفقات التصدير خلال سنوات الذروة حدود 70 مليار دولار، إلا أنها تراجعت إلى 24 مليار دولار خلال العام الماضي، للأسباب المذكورة، وهو ما يعكس حجم التحديات التي تواجهها البلاد، في ظل تراجع المخزون العام المقدر بحسب إحصائيات رسمية بـ12 مليار برميل، مقابل تضخم فاتورة الاستهلاك الداخلي.

وذكر وزير الطاقة السابق عبدالمجيد عطار أن بلاده لن يعود بإمكانها تصدير الغاز خلال السنوات القليلة القادمة بسبب ارتفاع الاستهلاك الداخلي.

وقال آخر بيان للسياسة العامة للحكومة إن “صادرات الجزائر من النفط والغاز هبطت بنحو 30 في المئة في 2020، ويستمر هذا الانخفاض هذا العام، إذ انخفضت مبيعات البلاد في الخارج إلى 290 ألف برميل يوميا في الشهر الماضي، أي أقل بـ36 في المئة مما كانت عليه في ديسمبر وأقل مستوى منذ 2017”.

ولفت متعاملون في القطاع إلى أن “الجزائر فشلت في الاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال في منتصف يناير الماضي، لافتقارها إلى كميات فائضة من الغاز لبيعها في السوق الفوري”.

20

في المئة قيمة تراجع إنتاج النفط من محطة تيقنتورين نتيجة الضربة الإرهابية في 2013

ويرى أستاذ الاقتصاد عبدالقادر بريش أن “كل التقارير والتوقعات تجمع على أن الجزائر لم تعد بلدا نفطيا نظرا إلى تراجع حجم المخزون الاحتياطي، وتناقُص الآبار التقليدية في مقابل عدم وجود اكتشافات جديدة، إضافة إلى تراجع الإنتاج اليومي الذي بلغ 850 ألف برميل يوميا، مع تراجع عائدات صادرات المحروقات إلى 23 مليار دولار خلال السنة الماضية”.

وأضاف أن “الرهان حاليا معقود على الانتقال الطاقوي بالاعتماد على الطاقات غير التقليدية وبخاصة المتجددة متعددة المصادر، مثل الطاقة الشمسية، وأن الاستراتيجية الطاقوية التي حددتها الحكومة في آفاق 2030 تأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات، لاسيما وأن التحول أصبح خيارا استراتيجيا، بهدف بناء نموذج جديد من أجل استدامة الرصيد المتاح من النفط والغاز”.

ونقلت وكالة بلومبرغ عن فارين برايس مدير شركة انفيروس لأبحاث الطاقة في فبراير الماضي قوله إن “لدى الجزائر واحدة من أكبر ميزانيات رفاهية الفرد مقارنة بنظيراتها في أوبك. والحفاظ على الإنفاق الاجتماعي سيكون ضروريا إذا أرادت البلاد تجنب الاحتجاجات الشعبية”.

وأضاف “التغييرات الإدارية المستمرة في شركة النفط الجزائرية الوطنية (سوناطراك) لم تجعل إدارة القطاع النفطي في البلاد أمرا سهلا، هناك كثير من الضغوط على المؤسسة والحكومة”.

وأشارت بلومبيرغ إلى أنه على الرغم من تلميح الجزائر إلى المزيد من الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة، فإنها لا تزال واحدة من أكثر الاقتصادات المنعزلة في أفريقيا، كما أن السياسيين في البلاد مترددون بالسماح للشركات الدولية بالدخول إلى الجزائر والسيطرة على الموارد النفطية فيها، موضحة أن الحكومة قلقة أيضا مما تعتبره استغلال صندوق النقد الدولي أو مستثمري السندات العالميين للحصول على أصول أو أموال يمكن أن تستثمرها في حقول النفط والغاز.

ويرى خبراء أنه من المرجح حاليا أن تدخل أموال أجنبية إلى الجزائر، وهذا يثير تساؤلا تعتبره الحكومة مؤلما حول السيادة، إذ تعتبر أن اقتراض الأموال أو التنازل عن حقوق ملكية في عمليات استثمارية يمثّل تنازلا عن السيادة الوطنية.

10