"هز قشك وامشي".. أزمة الخطاب السياسي تزيد الجدل في الجزائر

دوائر القرار في الرئاسة الجزائرية ترفض المغامرة بوجه وزاري جديد فقد شعبيته.
الجمعة 2022/11/18
التغول الإداري مشكلة جزائرية بامتياز

الجزائر - أثارت عبارة “هز قشك وامشي”، (احمل أغراضك وارحل) التي تلفظ بها والي (محافظ) وهران لمالك كشك، موجة غضب واسعة في الشارع الجزائري، فهي على طابعها الاستفزازي والاستعلائي كرست تغول رموز السلطة واجترار نفس الخطاب الذي يكرّس أزمة الثقة بين الطرفين.

ورأى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن هذا الخطاب الاستعلائي نفسه أحد أسباب انفجار انتفاضة فبراير 2019، ورغم ذلك لا زالت السلطة لا تعير أهمية لنوعية الخطاب الذي يردم الهوة ولا يعمّق حالة الاحتقان.

وظهر الوالي سعيد سعيود، في وسائل إعلام محلية وهو يتفقد إحدى ضواحي المدينة الثانية في البلاد (وهران)، حيث توجه إلى صاحب كشك عشوائي لبيع البيض المسلوق، ليأمره بحمل الأغراض والرحيل من المكان (هز قشك وامشي)، لتحرير العقار من أحد الشاغلين العشوائيين له.

ولعل ما فجّر اللغط لدى الشارع الجزائري هو الطريقة والألفاظ الاستفزازية للوالي تجاه مواطن يظهر في حالة اجتماعية غير مريحة، الأمر الذي أثار موجة غضب شعبي ضد المسؤولين الذين يستغلون وظائفهم ومناصبهم في الاستعلاء على المواطنين والتعامل معهم بطريقة تثير الاستياء.

وكتب مغرد:

وجاء في إحدى التعليقات على تويتر:

وكتب مغرد ثالث:

في المقابل لقي الموقف تعليقات متندرة من مغردين. وأصبح البعض يطلق على ولاية وهرات تسمية “ولاية هز قشك وامشي”.

ونشرمغرد:

ويتردد في كواليس السلطة الجزائرية أن الأزمة التي أحدثها والي وهران سعيد سعيود، لدى الشارع الجزائري، أرجأت الإعلان عن تغيير حكومي كان الرئيس عبدالمجيد تبون على وشك الإعلان عنه خلال الأيام الأخيرة، وذلك كون الرجل كان مقترحا لشغل منصب في الحكومة الجديدة، ما أربك أوراق السلطة في آخر المطاف بتصريحه المثير للجدل.

ويبدو أن دوائر القرار في الرئاسة الجزائرية لا تريد المغامرة بوجه وزاري جديد فقد شعبيته وأثار أزمة لدى الرأي العام الجزائري، ولذلك أرجأت العملية لأيام أخرى من أجل ترتيب الأوراق، واحتواء الموقف ولو بسحبه من الواجهة رغم قربه من رجالات السلطة.

واضطر بعض المسؤولين الجزائريين، على غرار الوالي المذكور ووال آخر، إلى إجراء تسوية ودية مع “ضحاياهم”، بسبب الضجة التي أثيرت على مواقع التواصل، ما يمثل الوجه المأزوم في علاقة الحاكم بالمحكوم وخطابه تجاهه، حيث سبق لوالي ولاية الأغواط أن استقبل مدير المدرسة الذي وبخه أمام الملأ وبحضور وسائل إعلام في مكتبه لاحتواء موجة غضب سابقة، كما منح والي وهران لصاحب الكشك العشوائي محلا تجاريا مجهزا بكل الوسائل لممارسة نشاطه في أرقى حي بالمدينة.

ويبقى الخطاب السياسي الممارس من طرف بعض رموز السلطة والمؤسسات الرسمية في البلاد مصدرا لأزمة الثقة المستفحلة بينها وبين الشارع الجزائري، كما يحمّل السلطة المركزية مسؤولية تولية مثل هؤلاء على الشأن العام، رغم حاجتها إلى خطاب يحتوي الأزمات ويفكك تراكمات القطيعة بين الطرفين.

وبعيدا عن زلات اللسان التي تلفت انتباه المتابعين، فإن ظهور مسؤولين جزائريين خاصة على مستوى المحافظات في حالة استعراضية لتأدية رسائل الولاء للسلطات المركزية كثيرا ما زج بالبعض منهم في تصرفات وتصريحات تحولت إلى أزمات حقيقية تزيد العبء على كاهل من ولاّهم أمر الشأن العام هناك، وكثيرا ما يكون استقواء هذا المسؤول أو ذاك بدوائر النفوذ في السلطة مبعثا لاستعراض القوة أمام المسؤولين الأقل منه منصبا أو أمام المواطنين البسطاء.

مسؤولون، مثل والي وهران، اضطروا إلى إجراء تسوية ودية مع "ضحاياهم" بسبب الضجة على مواقع التواصل

واعتبر مغردون أن والي ولاية وهران واحد من المسؤولين المتغولين، ربح ثقة السلطة المركزية فتحول إلى إمبراطور في ثاني أكبر محافظات الجمهورية، خاصة وأنه كان الرجل الأول في تظاهرة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي تم تنظيمها الصيف الماضي، والذي أوكلت إليه مهام التنظيم وتجهيز وبناء المرافق وتحضير المدينة لاحتضان التظاهرة التي راهنت عليها السلطة كثيرا ورصدت لها أكثر من مليار دولار.

لكن ذلك لم يحجب أخطاء الوالي المتراكمة، وأبرزها بناء جدار عازل يفصل بين ضاحية عين الترك الساحلية عن الساحل من أجل الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ثم هدم الجدار دون تقديم حساب ولا حصيلة، فضلا عن أسلوبه الاستفزازي في التعاطي مع الشأن العام أو مع المسؤولين الأقل منه درجة.

ويعتبر تصرف الوالي سعيد سعيود امتدادا لظاهرة التغول الإداري والسلطوي على الشأن العام في البلاد، فالسلوك والتصريح المشين والاستفزازي بات يطرح بجد مسألة تكوين الخطاب السياسي لدى الرصيد البشري للسلطة، خاصة وأن نفس التجارب هي التي فجرت أزمات محلية وإقليمية لا زالت أثارها ماثلة إلى حد الآن.

ولا زال الشارع الجزائري يتذكر التصريح المهين الذي وجهه الوزير والسياسي السابق عمارة بن يونس العام 2018 لخصوم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، عندما أراد أن يقدم له خدمة في مشروع الولاية الرئاسية الخامسة، ويعرب له عن تقربه منه ولو بسبّ الآخرين لما ختم مهرجانا شعبيا لحزبه بالقول “الله يلعن أبو اللي ما يحبناش”، (لعن الله من لا يحبنا).

وحصل نفس الأمر لسيد علي خالدي، وزير الشباب والرياضة السابق في الحكومة الأولى للرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، عندما أراد الإشادة ببرنامج السلطة الجديدة في البلاد وسياستها، وصرح في 2020، “اللي ما عجبوش الحال يبدل البلاد”، (من لم يعجبه الحال يغير البلاد)، في رسالة منه لمعارضي السلطة ونخب الحراك الشعبي.

وشكل هذا النوع من الخطاب المهين واحدا من التراكمات التي فجرت انتفاضة الشارع الجزائري في فبراير 2019، وانتهى المطاف بعمارة بن يونس خلف القضبان كونه كان يمثل أحد رموز المرحلة، بينما تم الاستغناء عن خدمات سيد علي خالدي ليتوارى عن الأنظار، بينما كوفئ آخرون بمناصب مريحة بعد نهاية مهامهم في الحكومة.

ويرى متابعون أن الخطاب السياسي لمسؤولي السلطة بالجزائر في أزمة حقيقية تعكس طبيعة النظام القائم على الولاء وعرض الخدمات على حساب المهمة الحقيقية التي كلف بها هؤلاء، لكن عدم تقدير العواقب واستلهام العبر من التجارب الماضية يجعل سيناريو الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، غير بعيد، ومساعي احتواء السلطة لأزمة الشرعية الشعبية تصطدم دائما بسلوكات وتصريحات أمثال والي وهران.

16