هدية كريسماس.. وجبة رمضان

الفردانية في المنظومة الكنسية لها حصة متميزة. ولعل السبب فيه من الثقافة الكثير ومن الدين القليل. هي ثقافة الاهتمام بالفرد التي تلاحظها في المجتمع الأوروبي.
الأربعاء 2021/12/29
الاهتمام يبقى

لدي زميل يعمل معي منذ سنوات. كاثوليكي بإيمان عميق. يذهب كل أحد إلى الكنيسة ويقضي اليوم بين توصيل كبار السن من بيوتهم أو دُور العجزة إلى الكنيسة لقداس الصباح، أو في تجميع الأطفال ممن يتثاقلون عن حضور القداس الثاني على الساعة العاشرة صباحا. أصوله الأفريقية تساعده في جعل النشاط في الكنيسة نشاطا اجتماعيا أيضا.

في أيام أعياد الميلاد الماضية سألته: كيف ستقضي الكريسماس؟ فأجاب: يوم العيد لدي 60 توصيلة لهدايا ووجبات لكبار السن ممن سيحسون بالعزلة في يوم مثل هذا؛ نريد أن نقول لهم إن الكنيسة لم تنسَكم. أمضى معظم يوم الكريسماس في التوصيلات، ثم بعث لي صورة يظهر فيها وهو يرتدي زيا فلكلوريا مع أصدقاء آخر المساء. يكرر الأمر كل أسبوع، وكل عام. تفانٍ في التطوع والالتزام.

يثير هذا الاهتمام الشخصي بطريقة نظر الكنائس للمنتسبين إليها المراقب من أديان أخرى. ثمة تركيز على الفرد. لكل واحد من المريدين حصة من هذا الاهتمام، وحصة حقيقية ليست قائمة على التمثيل. زميلي هذا أبعد ما يكون عن وضع إطار فكري أو نظري لموقفه. هكذا شاهد الأمر يتم وصار يعتبره هو الأساس. الفردانية في المنظومة الكنسية لها حصة متميزة. ولعل السبب فيه من الثقافة الكثير ومن الدين القليل. هي ثقافة الاهتمام بالفرد التي تلاحظها في المجتمع الأوروبي. لست خبيرا مجتمعيا، لكن أول ما يسترعي انتباهك عند العيش في أوروبا هو هذه الفردانية التي تتجسد في أوجه دينية وسياسية وعملية.

هم يوصلون وجبات وهدايا إلى أناس أكل الزمان عليهم وشرب. لن يفيدوا الكنيسة بشيء، ولا حتى بتبرع أو حضور مناسبة. لكن الاهتمام يبقى.

ما أراه في مناسبات دينية إسلامية العكس تماما. ثقافة المجموع تسود. إفطار رمضان سفرة من مشمع على الأرض تمتد لعشرات الأمتار. الناس يأتون ليأكلوا، وينصرفوا. لا أعتقد أن منظم المناسبة يعرف من هم أو أسماءهم. الصدقة أو الأعمال الخيرية أو المناسبات التي تصاحب المواعيد الإسلامية المعروفة تفتقد للحس الفردي؛ ابتداء من عدم الحرص على وضع الوجبات على طاولات، إلى طريقة توزيع الأكل، إلى الطريقة الذي يترك فيها الصائم بعد إفطاره السفرة الممدودة والفوضى العارمة من بقايا ومخلفات.

في الكنيسة ربما يقدمون هدية أو وجبة واحدة في الكريسماس وأخرى في عيد القيامة. في موائد الرحمن يقدمون 30 وجبة على مدار الشهر الكريم. بحسبة بسيطة تستطيع أن تقدر أن الإنفاق على موائد الرحمن أكبر. لكن طريقة التعامل مختلفة تماما. إنفاق لا يؤسس لعلاقة، وما يهم المتصدق ما يسجل في صحيفة أعماله.

تتمنى لو أن المؤسسات الخيرية والدينية الإسلامية قادرة على ربط مرتاديها معها بطريقة أفضل، خصوصا أن بُعد الصدقة حاضر في العقل الإسلامي الورع. لماذا تجد الأحزاب الدينية والتيارات الوعظية السلفية كل الوقت الذي تخصصه لاستقطاب المريدين، في حين تربط المؤسسات الخيرية علاقتها بالناس على أساس مرق ورز ولحم وشربة لبن وتمر؟

20