هدى مرمر لـ"العرب": أبحث في الكتب عن التجربة الإنسانية وليس عن حدوتة

بعيدا عن النقد الأكاديمي والمختص، والذي له دور هام في تطوير تجربة أي كاتب، فإن نقد القراء بدوره دافع أساسي لكل كاتب؛ فالقراء على تعدد انتماءاتهم وشرائحهم ومعارفهم ومستوياتهم يمثلون طاقة هامة للغاية لا يمكن للكاتب التقدم في تجربته من دونها. “العرب” تحاور صاحبة نادي القراءة ببيروت هدى مرمر حول القراءة والكتابة.
مصير الكتب لا يحدده من ينشر أو يؤلف بل القارئ هو من يوفر مقومات استمرارية الكتاب وعدم انقراضه، علما بأن صوته غالبا ما يكون غائبا ولا يتم الالتفات إلى حصيلة تجاربه في التنقيب عن النصوص التي تتميز بجودة عالية. بالتأكيد قبل أن يجد القارئ عملا متكاملا ببصمته الفنية أو الفكرية يمضي كثيرا من الوقت بصحبة عناوين قد لا تشفي غليله المعرفي ولا تعادل قيمة الزمن الذي تخطفه من مستودع العمر.
هنا من الأهمية بمكان الإصغاء إلى صوت القارئ وإتاحة المجال للتعبير عن رؤيته بشأن ما يدور من نقاش حول مستويات الكتب والمؤلفات المنشورة، فإذا كان من حق المبدع أن يطالب بالقارئ النموذجي فلا ضير في أن يبحث الأخير أيضا عن مؤلف يكتب بنفس كاشف عن أصقاع معتمة.
وقد راكمت اللبنانية هدى مرمر خبرة من خلال قراءتها بلغات مختلفة، وهي إضافة إلى انكبابها على القراءة دشنت ناديا للقراءة في بيروت حيث تختار بمشاركة أصدقائها مؤلفات معينة وهي على الأغلب روايات عربية أو مترجمة لتصبح على طاولة النقاش بين أعضاء النادي.
قراءة الروايات
الأولوية لدى هدى مرمر للقراءة، ومعظم قراءاتها هي لأعمال روائية، نسألها عن سبب اختيارها هذا الفن الأدبي دون غيره، لتجيبنا “تجتمع في الرواية معظم المجالات: التاريخ، الفن، السياسة، الفلسفة، علم النفس، علم الاجتماع، وغيرها. وقد تجتمع عدة عناصر في رواية واحدة، وهذا يصب في صالح الرواية. إضافة إلى ذلك نجد في الرواية بعدا إنسانيا في الطرح، يمكنني كقارئة أن أتماهى معه بشكل أوسع من الكتب غير الروائية ‘الباردة’ في أسلوبها العلمي. وقد تكون خلفية دراستي في العلوم دافعا لي للغرق في عوالم الرواية غير العلمية؛ لا حظ أنني لا أحب روايات الخيال العلمي، بل أحتاج عالما جماليا أدبيا بامتياز. لا يغني ذلك عن اهتمامي بالكتب غير الروائية وخاصة في مجال علوم النفس والأنثروبولوجيا والتاريخ”.
أنشأت مرمر ناديا للقراءة في بيروت، ولم تتوقف نشاطاته حتى خلال فترة الحجر الصحي، حول طرق اختيار العناوين التي يقرأها المشاركون قبل مناقشتها. تقول مؤسسة النادي “أطلع يوميا على آخر وأبرز إصدارات دور النشر العربية والغربية التي أثق باختياراتها، كما أتابع حسابات القراء الجديين على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى تطبيق غودريدز. يتيح لي ذلك معرفة ما صدر حديثا وما سيصدر قريبا وعليه بإمكاني التوافق مع الأعضاء حول الخطة القرائية للأشهر المقبلة أو السنة المقبلة من خلال التصويت”.
وتتابع في حديثها لـ”العرب”: “في الكثير من الأحيان نضيف كتابا لم نكن نتوقع نشره أو فوزه بجائزة موثوقة. وهذا ما حدث مؤخرا مع رواية علاء الأسواني الجديدة ‘الأشجار تمشي في الإسكندرية’ ومع رواية غابرييل غارسيا ماركيز ‘موعدنا في شهر آب'”.
ومن الملاحظ أن الرواية القصيرة أو النوفيلا نادرا ما تجد مكانها في طبخة الروائيين، كما أنها غائبة عن لائحة الجوائز. تعلق مرمر على العزوف عن كتابة هذا الشكل الأدبي قائلة “لست مخولة للإجابة أكاديميا عن هذا السؤال الإشكالي في الأدب، لذلك سأكتفي بمشاركة رأيي الذاتي. في علاقتي مع الكتب، بدأنا في المدرسة بقراءة نصوص مقتطفة من الروايات، ثم تحولنا إلى القصص القصيرة، ومن بعدها إلى الروايات الضخمة مثل ‘آنا كارينينا’ لليو تولستوي”.
وتضيف “أكثر قراءاتنا كانت للكلاسيكيات العربية والعالمية. في الأدب الكلاسيكي نادرا ما يضاء على أدب النوفيلا. مثال على ذلك، نجد في ترشيحات كتب فيودور دوستويفسكي إما كتابا ضخما مثل ‘الإخوة كارامازوف’ وإما قصته القصيرة ‘حلم رجل مضحك’. لكن مؤخرا تسللت النوفيلا خاصة في الأدب الأوروبي والجنوب أميركي المترجم الذي نراه خجولا في لوائح جائزة البوكر الدولية. وبالطبع انعكس ذلك على حركة الأدب في الدول الأخرى ونرى النوفيلا تكتب وتنشر وترغب أكثر من قبل، وأتوقع أن تزيد حركتها رغم أن كتابتها ليست أسهل من كتابة رواية صفحاتها تزيد عن المئتي صفحة”.
نسألها عن الخطوط الفارقة بين الرواية الطويلة والنوفيلا وماذا تكتشف في الأخيرة على المستوى اللغوي والصياغة وتشكيلة الشخصيات وما يفصلها عن برنامج الرواية الطويلة؟ تجيبنا مرمر “عدد الصفحات أقل في النوفيلا، بديهيا، لكن ذلك لا يعني أن أي رواية قصيرة هي نوفيلا. نعرف النوفيلا في سردها المكثف وابتعادها عن الإسهاب في التفاصيل التي لا تخدم النص وإلا باتت قصة قصيرة مع حشو. إذا، النوفيلا رواية كاملة متكاملة يتطور فيها السرد وشخصياته تماما كما في الرواية الطويلة، لها محور رئيسي تنطلق منه وتدور في فلكه، تركز على هذا المحور ولا تتشتت في تعدد الثيمات وأصوات الرواة بطريقة تنافس الرواية الطويلة لأنها ليست تلخيصا للأخيرة، بل هي نوع أدبي مختلف وتام بحد ذاته”.
لدى هدى مرمر تجربة متراكمة في قراءة الرواية بثلاث لغات، حول سبل تحديد ملامح الأعمال الروائية التي تفلت مصداقيتها الفنية من شكوك القارئ تقول “أحاول قدر الإمكان متابعة الإصدارات الروائية العربية والعالمية، وهناك نوع من ‘التريندات’ الأدبية والتجارية يلهث وراءها الكتاب ودور النشر والجوائز والقراء أيضا. لكن لا يصعب تمييز العمل الأصلي من العمل الذي يحاول تقليده، إذ لا بد أن تفلت قيود الحبكة من يد الكاتب حين لا يكون صادقا. كما هناك ما يكتب ‘حسب الطلب’ لا خجل فيه من استخدام عناوين مشابهة وأغلفة مطابقة للعمل الذي يراد تقليده. إضافة إلى ما سبق يخسر الكاتب مصداقيته حين يكون العمل فيه الكثير من المكونات التي ليست بالضرورة جيدة عندما تجتمع في قالب واحد؛ مثلا هناك كتاب يغامرون ويضعون كل التريندات الموجودة في الكتب الأكثر مبيعا ويصبونها في الرواية التي تغدو مخففة، فاترة، فيها من كل جمل أذنه”.
الكتب تجارب
نادي القراءة يتابع الإصدارات الروائية العربية والعالمية من خلال عدة مصادر ويطرحها وفق برنامج للقراءة والنقاش
طالما يدور الحديث عن مواصفات النص الروائي المميز إذا أردنا قلب المعادلة وحاولنا معرفة طبيعة الروايات متدنية الجودة، نسأل مرمر ماذا يتبادر إلى ذهنها، فتقول “الرواية متدنية الجودة هي تلك التي تفشل في طرحها إما لجهة اللغة أو الجمالية أو معالجة ثيمتها الرئيسية أو ركاكة النص شكلا ومضمونا”.
وتتابع “ليس على كل رواية جيدة أن تعالج موضوعا من خارج المجرة لم يسبق التطرق إليه، لكن على مقاربتها أن تكون مختلفة، وإلا تكون اجترارا لما كتب سابقا ولا قيمة لها. لكل قارئ ذائقته، وبالنسبة إلي يهمني كثيرا عمق وتطور الشخصية الرئيسية أكثر من الأحداث، لأنني أبحث في الكتب عن تجربة إنسانية وليس عن حدوتة”.
وعن أبرز العناوين التي قرأتها أخيرا وتعليقها بالنسبة إلى كل عنوان على حدة تقول مرمر “كان لي الحظ بقراءة العديد من الكتب المميزة في الآونة الأخيرة في عدة مواضيع تشغلني حاليا. أولا، في موضوع أدب السكان الأصليين؛ استمتعت برواية الكاتبة الأميركية لويز ايردريتش ‘The Sentence’ حيث للعنوان معنى مزدوج ‘الجملة والحكم’، تحكي الرواية عن الحياة اليومية لشخصية توكي، من سكان مينيسوتا الأصليين في أميركا، وتعمل في مكتبة محاطة بشخصيات وكتب فريدة، تنقلنا إلى تحديات هذا المجتمع وسط أميركا ‘البيضاء'”.
وتضيف “حاليا أقرأ كتابا أقرب إلى الدراسة في نفس الخانة بعنوان ‘Native Nations: A millenium in North America’ للكاتبة الأميركية كاثلين دوڤال، يتناول كما يوحي العنوان مقاطعات السكان الأصلية في شمال أميركا في الألفية الثانية. ثانيا، استمتعت مؤخرا بروايات ‘نسب’ للكاتبة الأميركية أوكتافيا باتلر عن العبودية في القرن التاسع عشر في جنوب الولايات المتحدة، ورواية ‘سواكن الأولى’ للكاتب المصري وليد مكي التي أخذتني إلى بلاد السودان بسحرها وقبليتها وشعبها الطيب المتعلق بطبيعة أرضه القاسية، ورواية ‘نازلة دار الأكابر’ للكاتبة التونسية أميرة غنيم التي استلهمت من الحركة الإصلاحية التونسية مطلع القرن العشرين رواية جميلة ومؤلمة”.
وتختم هدى مرمر “أخيرا، وبالعودة إلى أدب النوفيلا، قرأت ثلاث نوفيلات أدبية عربية ممتازة يمتزج فيها الخيال بالروح الإنسانية مشرحا الألم بطريقة جديدة وهي: ‘منامات’ للكاتبة العمانية جوخة الحارثي، ‘مساس’ للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، و’لعنة صبي كرات الطين’ للكاتب الفلسطيني مازن معروف”.