هدى عيد لـ"العرب": الكتابة بالنسبة إلى الكاتب الحقيقي فعل استمرار

الأزمة اللبنانية لم تؤثر على الحالة الثقافية العميقة في البلاد.
الثلاثاء 2024/07/02
أنا ببساطة كاتبة مفتونة بالتجريب

في عالم الأدب والكتابة، تبرز أسماء لامعة تركت بصماتها على صفحات الكتب وقلوب القراء. ومن بين هذه الأسماء، تتألق الكاتبة والروائية اللبنانية هدى عيد، التي جمعت بين العمل الأكاديمي والإبداع الأدبي بطريقة فريدة. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الكاتبة حول تجربتها الأدبية ورؤاها في الحياة والثقافة.

تحمل هدى عيد في جعبتها العديد من الروايات والقصص التي تعكس عمق تفكيرها ورؤاها المميزة، وتستمد من تجربتها الأكاديمية ثراء فكريا يضفي بعدا جديدا على أعمالها الأدبية. اليوم، نلتقي بها لنتعرف على مسيرتها، ونتبادل الحديث حول شغفها بالكتابة، ونسعى من خلال هذا الحوار لاستكشاف جوانب من حياتها الشخصية والمهنية، واستلهام الدروس من تجربتها الفريدة في عالم الأدب.

نسأل عيد بداية عن أول من آمن بأنها تملك موهبة تحتاج إلى رعاية، وهل مازال هذا الشخص يتابعها ويوجه إليها النصائح؟ لتجيبنا "أعتقد أن زوجي هو أول من فعل، وهو رجل قارئ مثقف، وكان أول المشجعين والداعمين لي ولما أكتب، وقد واكبني بحماسة في عملية النشر، حيث طرقنا معا أبواب بعض دور النشر في سبيل تحويل مخطوطتي الأولى إلى كتاب منشور، ومازال كذلك، وسيبقى".

حول علاقتها بمواقع التواصل الاجتماعي، وموقفها من استخدامها من أجل النشر الإبداعي، تقول الكاتبة “لكل زمن أدواته وطرائقه التي تتلاءم ومستجدات العصر، والمنجزات التكنولوجية المعاصرة والهائلة ولدت وسائل التواصل الاجتماعي التي بتنا جميعا على تماس يومي معها، وبما أنني كاتبة تعنى بالتوجه إلى المجتمع، فلا بد لي من محاكاته عبر الطرائق التي يعمد إلى توظيفها، من هنا كان استخدامي لبعض هذه الوسائل بشكل موجه مدروس".

الإنتاج الثقافي

رغم الظروف الصعبة تبقى في لبنان نخبة مفكرة قادرة على حسن الرؤية وعلى الإنتاج الثقافي الإبداعي المتميز
◙ رغم الظروف الصعبة تبقى في لبنان نخبة مفكرة قادرة على حسن الرؤية وعلى الإنتاج الثقافي الإبداعي المتميز

إلا أن لها تحفظا على ما نسميه "النشر الإبداعي"، لأن ليس كل ما ينشر تحت هذا العنوان يشكل إبداعا حقيقيا يستحق فعل القراءة والنشر، فنحن نقرأ أحيانا نصوصا تندرج في خانة الأقاصيص والقصائد تستوقف الذهن وتستدعي التأمل، لكن بالمقابل، هناك نصوص لا تتجاوز فعل الثرثرة المكتوبة، وأخرى تدعى قصائد وليس فيها من الشعر ملامح حقيقية تهز الوجدان أو تسترعي الانتباه، لذا فهذه المسألة تحتاج نقدا موضوعيا يغربل الكثير من هذه الآثار التي نجد الكثير من المطبلين لها، والمحتفين بها دونما أرضية صلبة.

لكل مفكر أو مبدع أيديولوجية معينة تسيطر عليه، تعلق عيد على هذا قائلة "إذا كنت تقصد بالأيديولوجيا العلم السياسي/ الاجتماعي، فلا يستوقفني هذا الأمر، لذا يبدو استخدام هذا المصطلح غير دقيق بالنسبة إلي، فليست الأيديولوجيا هي ما يحكم كتابتي، وإنما هناك توجهات فكرية وقيمية تكمن في وعيي، وفي لا وعيي وتنسرب إلى كتابتي، وهي تتمثل في العناية بالإنسان، أعني الإنسان الحقيقي الذي تسحقه أحيانا الحياة المعاصرة بكل ما أحاطته به من أحداث، ومفاهيم، وتقلبات متسارعة جعلته يصير غريبا عن ذاته، في كثير من الأحيان".

تتطرق "العرب" في حديثها مع عيد إلى مسألة الحركة الثقافية في لبنان حاليا على الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، تقول الكاتبة “بلادي تحيا حاليا أزمة حقيقية تتعدد عواملها، وتتوزع ما بين خارجية وداخلية، لكن هذه الأزمة لم تؤثر على الحالة الثقافية العميقة فيها؛ نعم، قد تبدو الحركة الثقافية الظاهرية فاترة، كحال معارض الكتب في السنوات الأخيرة، وقد تظهر بعض الكتابات محكومة بأيديولوجية بعض كتابها، لكن تبقى في لبنان نخبة متفكرة قادرة على حسن الرؤية، وعلى الإنتاج الثقافي الإبداعي المتميز".

◙ لبنان عرف نهضة على صعيد الكتابة النسائية فيه وبرزت أسماء كثيرات هن مدعاة احترام وتقدير

في حوار صحفي سابق معها قالت عيد: لقد عرف لبنان نهضة على صعيد الكتابة النسائية فيه، وبرزت أسماء كثيرات هن مدعاة احترام وتقدير، لكني سأظلم نفسي إن قلت إني تأثرت بهذه الأسماء، أو بسواها من الكاتبات الإناث، لأن الكتابة، فعل إنساني يتجاوز الهوية الذكورية والنسوية، نسألها إن كانت ما زالت على نفس الرأي؟

تقول "ما أدليت به في ذاك الحوار مصدره قناعة راسخة فيّ، تؤمن بدور الكاتبة اللبنانية المعاصرة، وبنضالها، شأنها في ذلك شأن سائر الكاتبات العربيات المصريات، الخليجيات، كاتبات المغرب العربي.. وربما كاتبات العالم، وإسهامهن في فعل التنوير الثقافي المجتمعي، وهذا رأيي الثابت حيال دور المرأة التي تعلمت وانخرطت في ميدان العمل، فقدمت مشهدية مختلفة عن صورة المرأة النمطية التي سادت لعصور خلت، لكن هذا لا يعني أني منحازة إلى الكتابة النسائية أو الكتابة الذكورية، وإنما انحيازي الأول والأخير سيبقى دائما انحيازا وانتصارا للنص المميز الذي حقق هويته الفنية بغض النظر عن جنس منتجه".

نسأل عيد كيف تقوم بتطوير شخصيات رواياتها؟ وهل تعتمد على شخصيات حقيقية في حياتها اليومية؟ فبعض الكتاب يستلهم الواقع لرسم شخصياته وبعضهم الآخر يستمدها من خزينه الشخصي، وذاته وخلاصته مؤلفا نماذج مركبة هي خليط من قصص وحكايا الآخرين. تقول عيد "الكتابة الروائية الحقيقية فعل فني مركب، يحتاج مقدرة متقدمة على الصهر وعلى إعادة البناء أو التركيب، ولا يمكنني أن أصدق في لحظة أن روائيا ما لا يمد جسورا بين عوالمه المتخيلة، وبين مرجعه الواقعي، ولعل من أبرز وسائط هذا التخييل الشخصيات الروائية التي يوظفها الروائي لتقول عنه، ولذلك لا بد لهذه أن تتشرب من ماء واقعه، فتشابه شخصيات عرفها، أو تتجلى بملامح تتوافق وملامح بشر عايشهم، إلا أنها يجب أن تفترق عنهم بملامح أخرى، وإلا سقط الروائي في المطابقة وقتل الفنية المفترضة".

أساليب الكتابة

◙ الكتابة الروائية الحقيقية فعل فني مركب يحتاج مقدرة متقدمة على الصهر وعلى إعادة البناء أو التركيب
◙ الكتابة الروائية الحقيقية فعل فني مركب يحتاج مقدرة متقدمة على الصهر وعلى إعادة البناء أو التركيب

وبالحديث عن أسلوبها الأدبي تقول لـ"العرب"، "أنا ببساطة كاتبة مفتونة بالتجريب، هكذا أصف نفسي، وهكذا يقرؤني الآخرون، لكوني أبحث دائما عن طرائق مختلفة للقول، كوسيلة من وسائل إيصال المعنى، وربما يذكر ذلك بمقولة الجاحظ الشهيرة ‘المعاني مطروحة في الطرقات.. وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ’، فنحن نحيا في زمن الكتابة الروائية في هذه الأيام، وعلى كل روائي أن يوجد نكهته ومشروعه المتبلور من خلال الطقس الكتابي الخاص به، والمتبنى من قبله".

بالحديث عن روايتها "حبيبتي مريم" الصادرة عام 2022 وعن الأفكار والرسائل التي أرادت إيصالها من خلالها، ودور الزمان والمكان في كتاباتها، تقول عيد “سأستعين للإجابة عن هذا السؤال ببعض ما كتبته الناقدة الجزائرية القديرة آمنة بلعلى عن الرواية: تطرح رواية ‘حبيبتي مريم’ سؤال الحقيقة، هل هي مرتبطة بإرادة الأشخاص الذين يوجهونها وفق رغباتهم، أم هي كينونة مستقلة متعالية، متحررة من الشروط الاجتماعية والسياسية التي تسعى إلى تنميطها وتقييد مسارها، وتصوغ شرطها الضروري لتعلن عن وجودها؟".

وتضيف "تجسد الرواية، من خلال هذا السؤال، كونا روائيا تقول فيه إن الأشياء والأوطان والقيم والهوية والتاريخ والذات والآخر هي أعقد مما يمكن أن يتصوره الروائيون، ولذلك تعاين فيها مواطن التعتيم على الحقيقة من خلال تفكيك ذلك النظام المعقد الذي يخترق كل العلاقات والترابطات في المجتمع، المتمثل في دواليب السلطة، فتسرد لنا أحداثا تتعلق بعائلة لبنانية، يتولى أفرادها مهمة الحكي، وتعقد بينها وبين المتلقي علاقة حميمية لتتحدث إليه من دون واسطة، وتعطي انطباعا بصدقية الأحداث، وتجعل من السرد ذاته أداة تحقيق يرتبط ارتباطا وثيقا بالتحقيق في سبب وفاة مريم".

وتتابع عيد "هي طريقة تعيدنا إلى رواية ‘موسم الهجرة إلى الشمال’، حيث يبدأ السرد بقول الشخصية ‘عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة’. إنها رواية تحقق الإثارة بشكل لافت، لأنها تضع كل شيء موضع مساءلة، وهي بالصيغة التي كتبت بها تبدو خطاب إدانة ومحاكمة. وليست مريم في الرواية سوى الوطن المقدس الذي تم تدنيسه، لكن بصفتي روائية أراهن على أن الحقيقة التي تفرقت بها السبل، لا يمكن أن تموت، وسيقدر لها من يبحث عنها، مهما بلغت شراهة الزهو بالسيطرة. وقد جسدت مريم كعلامة رمزية مقدسة، رؤية نقدية سعت إلى إقناعنا بدور المثقف النزيه الذي وإن تمت تصفيته، فإن الحقيقة هي الوحيدة التي بإمكانها أن تتحرر من شروط الهيمنة".

◙ الكتابة بالنسبة إلى الكاتب الحقيقي فعل استمرار فهي تشبه الأنفاس التي تلتقطها رئتاه حتى يتمكن من الاستمرار في العيش

عن الجديد الذي ينتظره القارئ العربي من هدى عيد في الفترة القادمة تقول الكاتبة “الكتابة بالنسبة إلى الكاتب الحقيقي فعل استمرار، فهي تشبه الأنفاس التي تلتقطها رئتاه حتى يتمكن من الاستمرار في العيش، وطالما أشعر أن كتابتي تقول بعض ما يجب أن يقال، ليكسر ريبة الصمت المتواطئ سأبقى أكتب، وسأبقى في حالة بحث دائم عن وسائلي المختلفة للقول، عساني أبقى صوت كثيرين مثلي في لبنان وفي وطننا العربي، ممن يؤمنون برسولية الكلمة الحرة المسؤولة".

يذكر أن هدى عيد ولدت في العام 1965 بمحافظة جبل لبنان. تلقت دراستها الابتدائية والمتوسطة في المدرسة الرسمية لبلدتها، ومن ثم تابعت دراستها الثانوية في ثانوية “مرجان”، في صيدا. حازت على درجة الدكتوراه في “النقد الأدبي الحديث” في العام 2021، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة الإسلامية في لبنان. وكانت قد حازت إجازة تعليمية في اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب والعلوم الإنسانية - الجامعة اللبنانية (1988)، وماستر أدبي من الجامعة نفسها في العام 1990.

لهدى عيد العديد من المؤلفات السردية والكتابات النقدية والإبداعية، منها "في بلاد الدخان" و"الحياة في الزمن الضائع" و"ركام" و"نوارة" و"حب في زمن الغفلة" و"سر الكلب الذي اختفى" و"الحصان الأبيض وقصص أخرى" وغيرها.

13