هدم بقايا صوامع القمح في بيروت ينهي معلما اقتصاديا وتاريخيا

بيروت – وجهت الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت ضربة مزدوجة لصوامع تخزين القمح، حيث انهارت هياكلها في وقت تدرس فيه السلطات بدء عمليات هدمها بالكامل، الأمر الذي أثار استياء شعبيا في وقت تستعد فيه الكويت لتنفيذ عمليات الترميم.
وتسبب انفجار مرفأ بيروت في امتزاج أطنان من القمح والذرة المخزّنة في الإهراءات مع الأتربة والركام، بعدما دمّر الانفجار الضخم جزءا منها، وشكل ذلك صدمة للمواطنين نظرا لرمزية هذه الصوامع التاريخية ودورها في تنشيط الاقتصاد.
وتؤكد دراسة أجريت بتكليف من الحكومة إثر الكارثة، أن الصوامع التي يبلغ عمرها 50 عاما يمكن أن تنهار في أي لحظة ويجب هدمها، مما أثار جدلا عاطفيا بين سكان المدينة حول كيفية الحفاظ على ذكرى المأساة.
وفي ظل هذا الركام، أعلنت حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في وقت سابق، أنها قررت هدم صوامع القمح المتصدعة في مرفأ بيروت، تفاديا لانهيارها.
ودمر انفجار هز مرفأ بيروت في الـ4 أغسطس الماضي، جزءا كبيراً من الصوامع التي تتسع لنحو 120 ألف طن، وتستخدم للاحتفاظ بمخزون إستراتيجي من القمح يكفي البلاد لـ3 أشهر.
وقال وزير الاقتصاد راوول نعمة، في مؤتمر صحافي حينها “بعد حصولنا على إذن من الجيش لدرس واقع مبنى الإهراءات، تبين لنا أنه متضرر ويشكل خطرا على السلامة العامة”.
وأضاف أن “احتمال انهيار مبنى الإهراءات وارد في كل لحظة، خصوصا أن الأساسات متضررة وبات هدمه ضرورة”. وقال إن “الجيش سيتولى هدم المبنى بمواكبة من الخبراء وبتقنيات حديثة”.
وخلف انفجار مرفأ بيروت 192 قتيلا، وأكثر من 6 آلاف جريح، والعشرات من المفقودين، بجانب دمار مادي هائل وخسائر تتجاوز 15 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية غير نهائية.
وذكر نعمة أن 45 طنا من القمح كانت مخزنة في الصوامع عند وقوع الانفجار، مبينًا أن “الخبراء أكدوا أن كل الحبوب الموجودة داخل ما تبقى من الصوامع غير صالحة للاستهلاك البشري والحيواني”.
وقال نعمة “نحن بحاجة إلى صوامع في بيروت تتسع لـ175 ألف طن من الحبوب، وفي كل من طرابلس والبقاع بسعة 120 ألف طن لكل منها”.
وأثار قرار الهدم جدلا واسعا، حيث ترفض أوساط شعبية ذلك معتبرة أن هدم الصوامع سيمسح عقودا من فساد السياسيين ممن أهملوا القطاع مفضلة أن تظل كما هي عليه لتذكر بالفساد.
ويرى اللبنانييون أن ثقافة الإفلات من العقاب سادت منذ فترة طويلة في البلد مع ندرة تقديم المسؤولين عن الهجمات العنيفة والتفجيرات والاغتيالات إلى العدالة، فيما تحوم الشكوك حول التطورات.
ويرى كثيرون أن الحكومة تريد طمس الصوامع والمضي قدما وكأن شيئًا لم يحدث. فيما يدعو البعض إلى أن تبقى الصوامع المدمرة تذكيرا بما فعله السياسيون طيلة عقود من الفساد.
وتسبب انفجار الميناء في الـ4 أغسطس، في تدمير الهياكل الإسمنتية، نتيجة اشتعال 2750 طنا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة بطريقة غير آمنة في مستودع لنحو ست سنوات، في ما أصبح من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ.
ومن المنتظر أن تنطلق دولة الكويت في إعادة بناء الصوامع، حيث سبق أن قال السفير الكويتي لدى لبنان، عبدالعال القناعي، خلال تصريحات صحافية إن بلاده “ستعيد بناء صوامع القمح في المرفأ”.
وأضاف “ارتأينا أن أَفضل طريقة وأنسب مجال للبدء بالمساعدات المادية، هي إعادة بناء الصوامع التي توفر المخزون الاستراتيجي من القمح للشعب اللبناني”.
وأوضح أن الصوامع كانت قد بنيت أساسا في العام 1969 بقرض من الصندوق الكويتي للتنمية، وتتضمن 42 صومعة إسطوانية كل منها بقطر 8.5 متر وارتفاع 36 مترا.
وتدفقت المساعدات الإنسانية على لبنان، لكن المانحين الأجانب أوضحوا أنهم لن يقدموا دعما اقتصاديا دون إصلاحات لمعالجة الفساد وسوء الإدارة المتجذرين.
وتبدي دول الخليج العربية، التي كانت ذات يوم داعما ماليا للبنان، تبرّما خلال السنوات الأخيرة حيال الدور المتنامي لحزب الله المدعوم من إيران في إدارة شؤون الدولة.
واستوعبت الصوامع الضخمة التي يبلغ ارتفاعها 48 مترا جل تأثير الانفجار، مما أدى إلى حماية الجزء الغربي من المدينة من الكارثة التي دمرت الآلاف من المباني.
وطال التحقيق في كيفية تخزين مثل هذه الكمية الكبيرة من المواد الخطرة لسنوات تحت أنظار سلطة الميناء. وتشعر الجماعات الحقوقية والعائلات بالقلق من أنه تكتيك لحماية كبار المسؤولين، إذ لم يتم اعتقال أي عنصر أو اتهامه بارتكاب أية مخالفات.
وبعد أكثر من أربعة أشهر، يتساقط القمح المتعفن من صوامع لا تزال قائمة، والتي كانت تخزن ما يصل إلى 85 في المئة من حبوب لبنان. ووجدت القوارض والحمام موطنا بين الحطام.