هدف بعيد

من يتأمل ما كان ينشره سيد قطب قبل أن يتحول بسرعة إلى خط التكفير، ويقارن بينه وبين ما أظهره "داعش"، يرى في سلوك الثاني تطبيقاً حرفياً لما كتب قطب.
الأحد 2019/11/17
امتداد لايديولوجيا سيد قطب

زهاء سبعين سنة مرت، على نشأة الأيديولوجيا التكفيرية في العالم العربي. هي بدأت مع تحول سيد قطب إلى الكتابة في الإسلاميات، مستأنساً برصيده من الدراسات الإسلامية التي تلقاها في كلية دار العلوم.

بدأ الرجل بإنكار صحة الديانة حتى لدى المجتمعات المؤمنة بالعقيدة الإسلامية، على الرغم من توحيدها وعباداتها، وذلك لمجرد كون دساتير البلاد تقر بعض القوانين الوضعية المتعلقة بتفصيلات الحياة ومستحدثاتها. قبلها جرب سيد قطب أن يكون روائياً متميزاً، فلم يتحقق له ذلك، ولم يجامله أستاذه العقاد بكلمة إطراء لأي من الروايتين اللتين نشرهما. ثم جرب أن يصبح شاعراً مجيداً، يُشار إليه بالبنان، فلم يلتفت أحد إلى شعره، وجرب أن يكون ناقداً أدبياً، لكنه لم يحقق أي قدر من التميز.

وفي خواتيم مرحلة طويلة من التقلب، جرّب حظه مع الضباط الذين أطاحوا النظام الملكي، فحرضهم على أخذ الناس بالشدة، واحتقار الدستور، وقمع الحريات، وبرر إعدام اثنين من ممثلي العمال، بعد تظاهرة لهم أعقبت الانقلاب بعشرة أيام. وظل يشجع الضباط على ما سماه “التطهير الشامل” والقضاء على كل ما تراكم في العهد السابق، من الفنون والخبرات السياسية والأطر الدستورية والإعلام، وعُرف في الشهور الأولى لحركة الجيش، بكونه كاتب العسكر، ينافقهم بنصوص خطابية حادة، ويحثهم على الضرب بيد من حديد، مثلما كتب مخاطباً محمد نجيب: فلنضرب.. لنضرب بقوة، ولنضرب بسرعة.. أما الشعب فعليه أن يحفر القبور ويُهيل التراب”!

من يتأمل ما كان ينشره سيد قطب قبل أن يتحول بسرعة إلى خط التكفير، ويقارن بينه وبين ما أظهره “داعش”؛ يرى في سلوك الثاني تطبيقاً حرفياً لما كتب قطب. وللإنصاف، استشعرت القيادات القديمة في جماعة “الإخوان” الخطر على “الدعوة” وعلى “الجماعة” مما يطرح هذا الوافد الجديد إلى ظلالها. تملكتهم الحيرة وأحاطوه بالشكوك لأسباب كثيرة، من بينها أن الرجل كان محرر مجلة “التاج المصري” التي يصدرها المحفل الماسوني. وفي مرحلة احتضار الجماعة في أواخر الخمسينات، اجتذب قطب بعض الناقمين الخارجين من أصعب السجون، فأصبحوا من مواليه، وهؤلاء هم الذين سيطروا على “الجماعة” بعد عودتهم إلى النشاط بدءاً من العام 1972.

موضع الغرابة هنا، أن فكرة التكفير التي ابتدعها رجل فشل في أن يكون ناقداً أدبياً أو روائيا، توغلت وتفشت في أوساط السذج والمأزومين، حتى أصبحت الجيوش الحديثة، كُلما نجحت في تطهير من يعتنقونها في مساحة من الأرض؛ تضطر إلى الاعتراف بأن اجتثاث الشر من جذوره، لا يزال هدفاً بعيداً!

24