هاشمي عامر يسرد تاريخ الجزائر ومعالمها عبر الخطوط والألوان

الفنان التشكيلي يجمع بين الكلاسيكية في التقنية والحداثة والمعاصرة في أعماله التي تخلو من أي اعتداء أو تشويه لفن المنمنمات.
السبت 2021/11/27
تحكّم في تقنية الـ"كروكي" حسيا وجماليا

الجزائر- يتواصل إلى غاية التاسع من ديسمبر القادم بغاليري “الزوار” بالعاصمة الجزائر معرض “الجزائر من خلال الخط” للفنان التشكيلي هاشمي عامر.

ويضمّ المعرض العديد من الأعمال التي يجمع بينها الاشتغال على إعادة تصوير الجزائر ومعالمها من خلال نظرة عامر الذي يتميّز بأسلوب خاص عماده الخطوط والألوان والمنمنمات.

ويجمع الفنان بين الكلاسيكية في التقنية والحداثة والمعاصرة في فهم العمل، علاوة على ذلك تعكس أعماله اللحظة الراهنة في السياق العام.

وتبدو لوحات عامر للوهلة الأولى أشبه بفن المنمنمات لولا تلك اللمسة الشخصية المعاصرة القريبة إلى حركة البوب آرت الفنية التي تميّزها عن المنمنمات الكلاسيكية، حتى وإن ظل وفيا للمبادئ الأساسية لفن المنمنمات ذلك النوع من الرسم المعروف بأبعاده المصغّرة، والتي غالبا ما تنجز بالرسم المائي والغواش أو الزيتي، إلاّ أن عامر أدخل تجديدا واضحا في طريقته لإنجاز تلك المنمنمات التي تتميّز كلها بالطابع المعاصر.

وخلافا للمواضيع المعروفة لدى الفنانين المستشرقين وعشاق الفن العربي الإسلامي، فإن عامر يستعمل هذا الفن القديم لإبراز مواضيع الساعة، لاسيما تلك الحاصلة في العالم العربي.

ورغم أن منمنماته تبدو مختلفة عن تلك الخاصة برواد هذا الفن من الجزائريين وعلى رأسهم محمد راسم، فإنها تتضمّن في جزء منها بعض الأشكال الكلاسيكية كفن الخط والأرابيسك والأمثال الشعبية والآيات القرآنية.. إلخ.

وبالتعمّق في تلك اللوحات يبرز ذاك البعد المعاصر للأعمال التي تحظى باستحسان المتلقي، لأنها تخلو من أي اعتداء أو تشويه لفن المنمنمات حتى وإن أعطت بعض اللوحات الانطباع بأنها غير مكتملة وأخرى تظهر أنها مجزأة أو مقسّمة إلى اثنين.

وقد أدخل الرسام على منمنماته تقنيات جديدة على غرار استعمال طوابع بريدية قديمة في شكل إطارات لوحة نصف مرسومة، أو من خلال بقايا الأحرف العربية وأشكال قريبة من الأرابيسك يتمّ تركيزها في وسط أو على جوانب اللوحات.

وهو في ذلك يكسر الشكل التقليدي للوحات سواء في عناصر اللوحة نفسها كالزخرفة بشكل عام والوحدات الزخرفية ثم المنمنمة ثم التركيب ككل.. ويبدو ذلك جليا من خلال تأثّره بالمدارس الفنية العالمية وبعالم الغرافيك، مع المحافظة على الأصالة في الوقت ذاته.

ولعامر تجربة بصرية خاصة قدّمها في يناير الماضي برواق “باية” بقصر الثقافة بالجزائر العاصمة لخّص فيها تجربتين ثريتين قادتاه إلى الصين، الأولى بين 1985 و1986 حيث قضى ثلاث سنوات في أكاديمية الفنون الطبيعية ببكين، والثانية في العام 2012 حيث شارك في ورشات الفنانين العرب.

وخلال هذا المعرض الذي جاء بعنوان “الصين بعيون هاشمي عامر” جسّد ذكريات أسفاره إلى الصين من خلال لوحات فنية رصد فيها خصوصيات وحضارة وإنجازات البلد وكرم وأحاسيس شعبه.

وعبر ستين لوحة أنجزها الفنان بتقنية الرسومات التخطيطية وأيضا بطريقة الألوان المائية استطاع أن ينقل تلك التجربة إلى الجزائريين من خلال لوحاته التي سلّطت الضوء على المعالم السياحية والمعابد والبنايات الجميلة التي ترمز إلى عراقة الفن المعماري الصيني وجمالياته المنفردة، وأيضا الحدائق الخلابة والمناظر الطبيعية الساحرة لبلد المليار وأربع مئة مليون نسمة.

الجزائر ومعالمها وناسها من خلال الخط فقط

وركّز الفنان في أعماله على التراث الصيني القديم والمعالم التاريخية المدرجة ضمن التراث العالمي، على غرار “معبد السماء” و”صور الصين العظيم” و”نهر التنين الأسود” و”مقبرة الإمبراطور تشينغ سيهوانغث” وغيرها من اللوحات التي جسّدت بدقة خصوصيات الحياة اليومية للشعب الصيني في لحظات مليئة بالإنسانية والعطاء.

وقد نجح عامر في معرضه في أن يلخّص التجربة التي عاشها في الصين ويستحضر جانبا من ذكرياته فيها عبر أعمال فنية جمعت بين التحكّم في تقنيات الـ”كروكي” وإضفاء الحسّ الجمالي والبعد الإنساني على لوحاته.

والصين معروفة أيضا بمنمنماتها الخلابة وبتقنياتها في عالم المنمنمات التي تأثّر بها عامر ووظفها في أعماله في جمع فريد بين الأرابيسك العربي والفنون الصينية التقليدية.

وفن المنمنمات هو أحد الفنون التقليدية في البلدان الإسلامية، وبعض البلدان الآسيوية والأوروبية، والمنمنمة هي صورة فنية صغيرة الحجم، رسمت في كتاب من أجل توضيح المضمون الأدبي أو العلمي أو الاجتماعي أو غير ذلك من الموضوعات التي حفلت بها الكتب والمخطوطات في العصور الوسطى، وتعدّ المنمنمات صورا تسجيلية للحياة والبيئة والعادات والمعتقدات والطقوس والأحداث التاريخية والعمارة والزي والفنون، فضلا عن قيمتها الفنية التي تطوّرت عبر التاريخ.

وإلى جانب اشتغاله على فن المنمنمات يمتلك عامر مواهب أخرى في الرسم المعاصر والتصوير الفوتوغرافي، وهو ينحدر من منطقة متيجة التاريخيّة التي تشتهر بأراضيها الخصبة، الأمر الذي أورثه خيالا واسعا.

لوحة لوحة
لوحة لوحة

وولد هاشمي عامر في العام 1959 في حجوط، وتحصل عام 1981 على شهادة في الدراسات الفنية العامة من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة في الجزائر العاصمة، وانضم إلى ورشة الرسم مع دينيس مارتينيز وسامطا بن يحيى، ثم ورشة العمل المصغرة مع محمد رنيم ومصطفى بن دباغ، وفي عام 1985 تحصل على الدبلوم الوطني لدراسات الفنون الجميلة تخصّص “المنمنمات”، تبعه دبلوم آخر في عام 1988 درجة البكالوريوس في الدراسات العليا من الأكاديمية المركزية للفنون التطبيقية ببكين.

ومكّنت مسيرة عامر الفنية التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاما من عرض أعماله في كبرى قاعات العرض الجزائرية، من قاعة مجلس مدينة القبة عام 1981، إلى قاعة الحمادة في مستغانم عام 1992، مرورا بقاعة ألفا في وهران عام 1994 ومعهد الهندسة الزراعية عام 1996 في مستغانم وصولا إلى معرضه الأخير بغاليري الزوار بالعاصمة الجزائر.

كما شارك الفنان الجزائري في العديد من المعارض الفردية والجماعية في الولايات المتحدة وفنزويلا وإيران والصين وإسبانيا وفرنسا وغيرها.

14