هاتف بالطول وصورة بالعرض

على العينين البشريتين أن تتأقلما مع واقع جديد. بحكم وجود إحداهما يمينَ الوجه ونظيرتها يسارَه، وقدرة الدماغ على استكمال الصورة التي ترسلها كل عين، فإن ما نراه عادة هو مشهد عرضي. هذا ما يجعل شاشة الكمبيوتر عرضية مثلما سبقتها شاشة التلفزيون وقبلهما شاشة السينما. أعيننا ترى الدنيا بالعرض وليس بالطول.
ثم جاء الهاتف الذكي. بحكم شكل قبضة اليد، فإن التصميم المريح والأكثر منطقية للهاتف هو أن يكون طوليًّا؛ مستطيل الشكل. وبذلك نمسك الهاتف دون أن نخشى سقوطه من أيدينا بسهولة. جرّب أن تمسك الهاتف بشكل عرضي، وسترى الفرق الكبير في القدرة على التحكم. ملايين الهواتف المحمولة سقطت وتكسرت بعد محاولة أخذ صورة عرضية.
مع الهاتف الذكي جاءت الكاميرا. في البداية كان الهاتف جهاز اتصال ومعه كاميرا بدائية تعرض على شاشة بمواصفات متواضعة. الهاتف الآن كاميرا وجهاز عرض للصور والفيديوهات، قبل أن يكون هاتفا بالمعنى المتعارف عليه. ومن هنا تبرز المفارقة التالية: الهاتف يرى الدنيا بالطول عبر عدسة كاميرته وشكل شاشته، ونحن نرى الصور الحية أو تلك التي تصلنا عبر التطبيقات وهي عُرْضيّة. لكي ترى فيديو من يوتيوب بشكل مريح عليك أن تلف الهاتف 90 درجة، وإلا فإنك ستشاهد صورة بأبعاد أصغر.
لست خبيرا في الشبكات الاجتماعية. لكن أول ما تلاحظه في تطبيق تيك توك هو أن الفيديوهات مصورة بالطول وليس بالعرض. التركيب الطولي هو الأساس، وتقريبا لا أثر للصورة الأفقية. إذا كانت الكاميرات في الهواتف المحمولة تصور الفيديوهات بالطول، فـما الذي يجعل منصات ناقلة مثل تيك توك وإنستغرام وفيسبوك تبث التسجيلات بغير هذه الأبعاد؟ وإذا كان معظم ما يتم تداوله من صور وفيديوهات هو لقطات من كاميرات الهواتف، فـلماذا الإصرار على نسق يوتيوب ذي الصيغة العرضية؟
هذا تغير جذري في الطريقة التي ننظر بها إلى الأشياء. الشاشات الطولية كانت محصورة في المطارات حيث يتم عرض توالي الرحلات المقلعة والواصلة بتعاقبها. لو أن منصة تيك توك أرادت أن تبث فيديوهات على شاشات أكبر من شاشات الهواتف لصار القادم شاشات طولية وليست عرضية. لا أحد يريد أن يرى شاشة عرضية تبث صورة طولية وعلى جانبيها شريطان أسودان واسعان.
علاقة الصورة الطولية أو العرضية بالمنصة مشكلة بصرية قديمة. تقريبا كل اللوحات المرسومة عرضية، إلا تلك المتعلقة بالبورتريهات الشخصية. صفحات جريدة “العرب” طولية مثلها مثل صفحات الصحف الأخرى، لكن السيادة للصور العرضية، من تصميم الصفحة الأولى وصولا إلى رسم الكاريكاتير. حين كنا نقرر نشر صورة طولية في الصفحة الأولى ينتابنا الإحساس بأننا ننتج صفحة مختلفة في ذلك اليوم. لو كان تصميم الوجه البشري أعينا فوق بعضها البعض، لربما كان الأمر مختلفا. مشكلة تصميم النظارات لأصحاب البصر القصير قضية أخرى. تخيل وجهك وعدستي النظارات فوق بعضهما البعض.
إذا تحدثنا عن التغيرات الجذرية التي أحدثها الهاتف الذكي في حياتنا، فالأجدر أن نضيف إليها هذا التغير المهم. حلف تيك توك مع شكل شاشة الهاتف الطويلة قوي جدا وسيجعل الأمور مختلفة. نحتاج إلى التأقلم السريع، على أمل ألّا يغير مصممو الهواتف الذكية طرقهم في النظر إلى شكل الهاتف، وننتهي بشاشة مدورة. كيف يجب أن يكون شكل وجوهنا وفيها الأعين تدور؟