نفتقد حكيم مرزوقي

عالم الصحافة العربية قد خسر قلما ذكيا متمكنا من المعرفة واللغة في آن.
الخميس 2024/03/28
أنا ممن يفتقدون حكيم

لم أستعجل الكتابة عن رحيل الزميل والصديق حكيم مرزوقي. قررت أن أعطي نفسي فترة أفتقده فيها حقا قبل أن أكتب.

لعل أهم ما في حكيم أنه كان يعرف قيمة نفسه، ولكنه يعتقد أنه لم يتمكن من تسويقها كما ينبغي. وأنا أشاركه تقييمه لنفسه، ولكن لا أتفق مع رأيه في أنه لم ينجح في تسويقها. فهو كاتب معروف وله مكانته. يمكن أن تتحفظ على شخصية حكيم الاجتماعية، لكن بالتأكيد لا تستطيع أن تشكك بأهمية قلمه.

نحس في الصحيفة بافتقادنا هذا القلم منذ منتصف شهر فبراير الماضي. كان حكيم، بقدراته القلمية المتعددة، متمكنا في الكتابة عن موضوعات مختلفة ومتنوعة. وفي آخر لقاء لنا، وأعتقد أنه كان في الليلة التي سبقت وفاته، قال لي ولأصدقاء كانوا معنا، إن السنوات الأخيرة من عمله بصحيفة “العرب” غيرت طريقة كتابته ووجهتها. الفوضى المعرفية التي كانت لديه، وجدت طريقها إلى نوع من “الفوضى المرتبة” أو “الموجهة” إن جاز التعبير.

هذا الرجل الموسوعي في معارفه، استفاد من ابتكار داخلي في مؤسسة “العرب” اسمه ورشة الرأي. هو اجتماع لأكثر من مرة في الأسبوع، يلتقي فيه مدراء التحرير والمحررون الأساسيون ليقدموا مقترحات تساعد كتاب الرأي على عدم تكرار أنفسهم أو أفكارهم. كان حكيم ثريا بما لديه من أفكار. لكنه في نفس الوقت كان يحتاج إلى من يقترح عليه، خصوصا في الشأن السياسي، وأيضا – للمفارقة – في الشأن الثقافي، وهو ميدانه الذي من الصعب أن تباريه فيه.

تبدل حكيم من كاتب نزق تحتاج إلى أن تجبره على الالتزام بمواعيد، إلى كاتب محترف ما إن تعطيه الفكرة حتى يتلقفها ويعيدها إليك خلال ساعات نصا رفيعا، سواء في الشأن السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي. اكتشف هذا الكاتب الذكي أهمية التنظيم والتوجيه. ولعل من يعود إلى كتاباته في “العرب” خلال السنوات الأخيرة يلاحظ مدى ثراء مساهماته. لا أحد يزايد على حكيم في فهمه العميق لكثير من القضايا السياسية والثقافية. لكن ما كان يحتاجه في البداية هو أن يقدح هذا الوعي المعرفي كي يصبح مقالا. وللإنصاف، فإن السنتين الأخيرتين كانت مقترحات ورشة الرأي تركز على الجانب السياسي، في حين فهم حكيم المطلوب في الكتابة عن الشأن الثقافي والمداعبات الاجتماعية التي كان يسردها في عموده الأسبوعي في الصفحة الأخيرة لـ“العرب”.

صحفيا، فقدنا حكيم مرزوقي في قمة عطائه. لا أستطيع أن أحكم على نتاجه الأدبي في عالم المسرح. لكن بحكم الاطلاع اليومي على الكثير مما يكتب وينشر في “العرب” وغير “العرب”، أستطيع القول إن عالم الصحافة العربية قد خسر قلما ذكيا متمكنا من المعرفة واللغة في آن.

كتب الزملاء والأصدقاء في تأبين حكيم مرزوقي، الذي لا شك أن كل من يعرفه أو يقرأ له سيفتقده. أنا ممن يفتقدون حكيم.

18