نظرية العالم المقلوب

طريقة ليست شهيرة في الثقافة العربية بين تقنيات التعليم المعروفة. غير أنها تعد ببساطة “مستقبل التعليم” في العالم كله.
الجمعة 2019/12/27
رؤية أكثر وضوحا

يوشك العام الحالي على طيّ صفحته بعد أيام قليلة من الآن، لكن قبل ذلك دعونا نرى العام وفقاً لنظرية مختلفة، نستعيرها من أهم حقل من حقول المعرفة الإنسانية؛ التعليم.

كنت كلما نشرت إحدى الصحف العربية أو المجلات الغربية التي تقع بين يديّ صورة لبي نظير بوتو أو مارادونا في الماضي، أو فدريكا موغريني أو إيمانويل ماكرون اليوم، أدير المطبوعة على الفور وأشاهدها بالمقلوب. كانت الشخصيات تبدو مختلفة تماماً عن شخصيتها التي يعرفها الناس عليها.

هي فكرة النظر إلى صورة مقلوبة. أكثر منها البحلقة في وجوه الخلق. فمن الذي يعرف ما هو الاتجاه الصحيح للنظر من ذاك المقلوب أساسا؟

هناك فلسفة في التعليم تدعى “فليبد كلاس روم” أي نظرية التعليم المقلوب. وهي طريقة ليست شهيرة في الثقافة العربية بين تقنيات التعليم المعروفة. غير أنها تعد ببساطة “مستقبل التعليم” في العالم كله.

تقول هذه النظرية إن الدراسة يجب أن تكون في البيت أو المقهي أو الملعب أو أينما يشاء المرء، بينما يخصص الدرس في الصف لمناقشة ما درسه الطالب وحده عبر التكنولوجيا المتقدمة. ويا لها من طريقة ذكية.

لماذا مقلوب؟ لأن الصورة الراسخة في أذهاننا أننا يجب أن يجري تلقيننا أولاً على يد أحد ما، ثم نذهب وندرس منفردين. الآن اختلف الأمر. نعمل بحرية وحدنا، ثم نذهب إلى المعلم لمحاورته.

ما الذي سيحدث إذا ما تناولنا المعرفة بالمقلوب؟ إننا نكتشفها كرحّالة في مكان جديد. ثم نذهب ونروي ما شاهدناه. ما الذي سيحدث لو طبقنا اقتصاداً مقلوباً؟ أو أدباً مقلوباً؟

حين أصدر البريطاني كريستوفر بريست روايته “العالم المقلوب”، وهي رواية في الخيال العلمي، كانت تتحدث عن نهاية الحضارة البشرية الحالية وتأسيس أخرى، بعد أن تسببت أزمة الطاقة العالمية بتدمير الحضارة، ما دفع عالما فيزيائيا في علم الجسيمات للبحث عن طريقة جديدة لتوليد الطاقة، وسيتحول العالم بفضل جهوده إلى شكل يشبه منحنى غاوس المخروطي الكاذب، فيعاد إنتاج الطاقة من جديد، ومعها تصورات البشر كلهم. وفي عالم بريست ذاك، السنوات تحسب بالأميال التي يقطعها قطار يمشي على المنحنى بلا نهاية.

العالم بصورته الحالية برأس سنة ومن دون رأس سنة، عالم لا يستحق النظر إليه على أنه صورة صحيحة. وربما يمكننا أن نراه بشكل أفضل فيما لو كان مقلوباً، خياله واقع وواقعه خيال، تطوّره تأخر وتخلّفه تقدّم.

24