نظارات.. روبوتات

زراعة الأعضاء تطورت بشكل كبير. ثمة إضافات نوعية في الأدوية المرافقة لها، تجعل الجسم أكثر قبولا للعضو المستقدم من متبرع. لكن الجديد في هذه الجراحات هو هذا العضو الجديد: الروبوت.
الأربعاء 2022/05/18
الروبوت يطيل العمر العملي بدل تقصيره

حدثني صديق، بكل شغف، عن عضو جديد في فريق عمله. صديقي جراح في أحد مستشفيات لندن التعليمية. المستشفى مرجعية عالمية في أنواع محددة من الجراحات، ومنها جراحات زراعة الأعضاء. وأنت تتجاذب معه أطراف الحديث في المقهى المقابل للمستشفى، ترى أنه ينظر إلى السماء. ما إن يسمع صوت الهليكوبتر أو يراها وهي تحط على سطح المبنى، حتى يرن هاتفه: وصل الكبد. انتهى اللقاء على فنجان القهوة.

زراعة الأعضاء تطورت بشكل كبير. ثمة إضافات نوعية في الأدوية المرافقة لها، تجعل الجسم أكثر قبولا للعضو المستقدم من متبرع. لكن الجديد في هذه الجراحات هو هذا العضو الجديد: الروبوت.

حققت دول شرق آسيا قفزات كبرى في هذا المجال. الكوريون اليوم لديهم روبوتات تساعد في الجراحة بشكل مذهل. هنا لا نتحدث عن جرّاح آليّ بديل، بل عن أداة فائقة التقنية تساعد في تدارك الكثير من المشاكل التفصيلية أثناء إجراء العمليات. هذه عمليات دقيقة جدا وتحتاج إلى صبر وتركيز استثنائيين لكي تتم.

سألت الصديق: إنك تعمل كل هذا الآن؛ ما الذي يجعلك فرحا هكذا بالقادم الجديد؟ كان رده بسيطا ومفحما "هذا الروبوت أطال عمري العملي، بل وكل فريقي معي". سألت: تصورت أن هذه الروبوتات تنافسكم؟ أجاب "هذه نكتة متداولة لا أساس لها من الصحة، على الأقل في المدى المنظور".

فهمت قصده؛ فكلما مر الوقت تراكمت خبرة الجراح في تقنيات زراعة الأعضاء. يصل الجراح في الأربعينات من عمره إلى ذروة عطائه بدنيا وخبرة واطلاعا. في الخمسينات من عمره، يكون مرجعا ومدرسة متحركة. لكن مع تقدم العمر أكثر تبدأ الأيدي، على سبيل المثال، بالارتعاش والتعب. هذه عمليات تستمر لساعات طويلة وتحتاج إلى تركيز كبير. الجراح الشاب أو في منتصف العمر، لا يفكر في هذا الأمر أصلا. التقدم في العمر يُكسب الجراح الكثير من الخبرة، لكنه ينزع عنه ثبات اليد مثلا. هنا يأتي دور العضو الجديد. الجراح الخبير يقوم بالمهمة سواء ارتعشت يده أم لم ترتعش. الروبوت يفهم كل هذا وينفذ بكل حرفية وبلا أي ارتعاش. عقل وخبرة وجرأة جراح في الستينات من عمره بثبات يد شاب في العشرينات: المعادلة المثالية.

هذه الأدوات الإضافية تقلب عالم الجراحة رأسا على عقب، لأنها تهدي كل جراح متمكن سنوات عمل طويلة كلها عطاء مبني على المزيد من الخبرات.

التاريخ يذكّرنا بحوادث مماثلة. عندما كان صانع الساعات السويسري يصل إلى قمة الخبرة والسرعة والعطاء، كانت عيناه تضعفان ويصبح من الصعب عليه التركيز والعمل. النجدة جاءت من ابتكار بسيط يرافقنا جميعا اليوم. قام الإيطاليون بتصنيع النظارات، ولبسها الصنائعي السويسري ومدت عمره العملي بعشرين سنة أو أكثر.

عين ترى بوضوح أكثر ويد لا ترتعش والنتائج هي عدم ضياع خبرات متراكمة قبل أن يحين موعد التقاعد الاضطراري.

20