نصيحة لنقابات العمال

اليسار، الذي يقود الحركات العمالية عموما، مولع بالحرب على الحكومات والبرجوازية والاحتكار. فلتقل لنا اتحادات الشغل ما هي خططها لمواجهة برجوازية الذكاء الاصطناعي؟
الأربعاء 2023/04/19
هذا عدوّكم المستقبلي

نصيحة للنقابات العمالية واتحادات الشغل: عدوكم ليس الحكومات التي ترفض زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. عدوكم هو التقنيات الصاعدة في مجال العمل، وخصوصا الذكاء الاصطناعي. الكثير من وظائف العاملين، من منتسبي النقابات والاتحادات، مهددة.

ربما لم يصل مد الذكاء الاصطناعي منطقتنا بعد. لا نزال منشغلين بلقمة الخبز وتوفير القمح والزيت. لكن لا مجال لتخيل عالم يتحرك على إيقاع الثورة الجديدة من دون أن تمسنا آثار هذه الثورة. عدم استيعاب خطورة هذه الثورة التكنولوجية لا يقل خطورة عن عدم استيعاب زعماء وقادة دول عربية لأزمة عام 2008 المالية وانعكاسها علينا وصولا إلى ما يسمى “الربيع العربي”. اختفى السائح الغربي بسبب التقشف في أوروبا، فانعكس هذا بسرعة على كل أوجه الحياة في بلدان شمال أفريقيا التي تمثل السياحة موردا مهما لها. الآن على هذه الدول أن تستعد لتأثيرات مد الذكاء الاصطناعي علينا مبكرا.

تأثرت السياحة بوباء كوفيد. لكننا كنا نعرف أن للوباء نهاية قريبة. الصبر، مثله مثل انتظار اللقاحات، كان سلاحنا. ذهب كوفيد وعادت الطائرات التي تنقل السياح إلى مطاراتنا.

لكن ثورة الذكاء الاصطناعي لن تكون أزمة اقتصادية عابرة. النقابات والاتحادات العمالية في الغرب تقرع أجراس الإنذار بشدة الآن. خلال أشهر قليلة، انتقل العالم من ذكاء اصطناعي يميز وجوه المسافرين في المطارات لمساعدة الأمن أو يقوم بمسح صور الأشعة لمساعدة الأطباء في تشخيص الأمراض، إلى برامج عامة يمكن أن تقوم بكل شيء مكتبي.

الموظف الغربي الذي كان يرد على مكالمات زبائن شركة خدمات أو سلع غربية كان قلقا من نقل وظيفته إلى بلد من العالم الثالث برواتب أرخص توفيرا للنفقات وزيادة للأرباح. تتصل بشركة بريطانية كبرى، فيرد عليك ناطق بالإنجليزية، ولكن بلكنة هندية واضحة. مراكز الخدمات الصوتية منتشرة في الدول الناطقة بالفرنسية، في شمال أفريقيا مثلا، للرد على مكالمات في فرنسا. لكن ليست كل الشركات قادرة على افتتاح مراكز مكالمات في دول بعيدة. هذا يتطلب ترتيبات كثيرة، وقد تنتهي شركة أوروبية صغيرة أو متوسطة بكلفة تشغيل أكبر إن افتتحت مركز خدمات في بلد فيه الأيدي العاملة أرخص.

المشكلة اليوم أن مركز خدمات عبر الهاتف، أو عبر نافذة حوار على موقع الشركة، أصبح سهلا ما إن يتم تدريب برنامج الذكاء الاصطناعي على معطيات الشركة. لا الموظف الغربي سيتمكن من الاحتفاظ بوظيفته، ولا الموظف البديل في الهند أو تونس سيحصل عليها. تم الإبقاء على المهمة، ولكن شطبت الوظيفة. الذكاء الاصطناعي يقوم بالمهمة بما يقرب من البلاش.

الموظف الغربي يفقد وظيفته، أي أنه لن يسافر كسائح. هذا يقلص العائدات التي تنتظرها دولنا، مثلما يقلصها إغلاق مراكز الخدمات الصوتية عن بعد. الذكاء الاصطناعي يحارب وارداتنا المالية في أوروبا مثلما يحارب تلك التي كنا نجنيها على أرضنا من مراكز الخدمات. والأخطر من كل هذا، أنه يتدخل ويتحرك بشكل سريع في عالم الوظائف، أسرع بكثير من سرعة الانتقال من عالم بلا إنترنت إلى عالم محكوم بالإنترنت. بين ليلة وضحاها، تسونامي الذكاء الاصطناعي وصل إلى ضفاف الوظائف في الغرب، ويتحرك مده إلى ضفتنا من البحر المتوسط.

اليسار، الذي يقود الحركات العمالية عموما، مولع بالحرب على الحكومات والبرجوازية والاحتكار. فلتقل لنا اتحادات الشغل ما هي خططها لمواجهة برجوازية الذكاء الاصطناعي؟

18