نصيحة ذهبية للتعامل مع المراهق.. لا إفراط ولا تفريط

تخرج الحكمة من أفواه الجدات سلسة ومباشرة فيها شفاء لكل علة، هكذا ترى الأمر أغلب الأمهات اللاتي مازلن يتخبطن في شبكة عنكبوتية من المعلومات المليئة بالألغاز والرموز التي تحتاج إلى وقت ومزاج رائق لفك طلاسمها، في حين يملأ صراخ رضيعها زوايا المنزل طلبا لشيء غير مرئي بعد أن تناول طعامه واستبدل ثيابه وأخذ كميات لا بأس بها من القبلات.
أكثر قواعد الجدات التي تحبها الأمهات تقول "إذا كان طفلك سعيدا، دعيه وشأنه"، وهذا يعني أن الصغير إذا كان راضيا لا يشكو من جوع أو بلل أو مغص، فهذا يعني أن الأمور تسير على ما يرام، لكن هذه الحكمة لا تنطبق على الأطفال الأكبر سنا والمراهقين، بحسب الدكتور فريد بيبمن، استشاري الصحة العقلية وأستاذ علم النفس الإرشادي في جامعة ميامي الأميركية، وهو يعتقد بأن المراهق إذا كان سعيدا وأن الأمور تبدو على أحسن حال، فإنه من الخطأ غض الطرف عن بقية السلوكات السلبية التي تحدث بين الحين والآخر، بحجة عدم الرغبة في إثارة المشاكل أو إفساد أجواء السلام والهدوء التي تعيشها العائلة.
ويقع بعض الآباء والأمهات رهينة لمشاعرهم تجاه أبنائهم، فيعمدون إلى تسطيح الأمور والابتعاد قدر الإمكان عن إثارة المواضيع المهمة و"الخروقات" التي يقوم بها الأبناء، بحجة المحافظة على هدوء البيئة الأسرية، في حين أن معظم الأسر لا تقوم بإثارة الحديث عن المشكلات التي تواجه المراهقين إلا عندما تستفحل وتشكل تهديدا حقيقيا قد يستدعي أحيانا غضبا ومشادات كلامية وردود فعل عنيفة ومتعجلة من قبل الوالدين، وهذا الأمر كان بالإمكان تجنبه لو أنه وقع اللجوء إلى استخدام أسلوب الوقاية في العلاج.
معظم الأسر لا تقوم بإثارة الحديث عن المشكلات التي تواجه المراهقين إلا عند استفحالها
ويرى بيبمن أن الحديث العقلاني مع المراهقين قد يؤتي أكله ويسفر عن نتائج مرضية أكثر عندما يكون المراهق في حالة سلام والأمور تسير وفق نطاقها الطبيعي، فإزعاج الأبناء بين الحين والآخر بإثارة بعض المواضيع التي تشكل قلقا حقيقيا يتعلق بسلوك خاطئ ارتكبوه أو موقف سلبي نجم عنهم في الماضي القريب، أفضل بكثير من انتظار استفحال المشكلة أو تكرار الخطأ في المستقبل وتحوله إلى واقع يصعب التعامل معه.
ومن ناحية أخرى، فإن الاهتمام المبالغ فيه من قبل الأهل في ما يتعلق بأداء المراهق سواء تعلق ذلك بالسلوك المنضبط أو بالتقدم الدراسي من شأنه أن يؤثر سلبا على صحته العقلية والنفسية. فيما لا تمثل الامتيازات التي يحصل عليها بعض الأبناء المراهقين منذ طفولتهم، مثل وجود أسرة متفهمة وتوافر متطلبات المعيشة الكريمة والحصول على فرص تعليم مثالية، أي أهمية في حمايتهم من الإصابة بالأمراض النفسية ومعاناتهم من أمراض المراهقة الخطيرة مثل الإدمان على المخدرات والقلق والاكتئاب الذي يؤدي في إحدى مراحله المتقدمة إلى الانتحار.
وتؤكد الدكتورة شيمي كانغ، مديرة مركز الصحة النفسية للشباب والأطفال في فانكوفر، أن الأبحاث الأخيرة التي أجريت على تلاميذ المدارس الثانوية في أميركا، أظهرت وجود مستويات خطيرة من أعراض الاكتئاب والقلق والشعور بالوحدة والأفكار الانتحارية، إضافة إلى الأعراض الجسدية مثل الصداع وآلام المعدة، وهي مظاهر جسدية ترافق في العادة الإصابة بالأمراض النفسية. وقد وصلت معدلات الإصابة في هذا المستوى إلى الضعف مقارنة بالإحصاءات الوطنية الشاملة لكافة الأعمار، فيما سجلت المدارس الخاصة بأبناء الطبقات الراقية والمتوسطة أرقاما عالية مقارنة بالمدارس الأخرى.
الإفراط في الرعاية الأبوية يتسبب في عدم قدرة المراهق على التكيف وحل المشكلات بصورة مستقلة
وبينت دراسة حديثة لجامعة كولومبيا، أن التلاميذ المراهقين الذين ينحدرون من أسر تتمتع بدخل مادي جيد ومستوى تعليمي واجتماعي راق، هم أكثر عرضة لتعاطي المشروبات الكحولية والمخدرات ومرد ذلك من وجهة نظر الباحثين الضغوط النفسية التي يتعرض لها المراهق داخل الوسط الأسري لدى هذا النوع من العائلات.
ولعل أبرز هذه الضغوط التي كشف عنها استطلاع “CASA” الأميركي للرأي العام، تلك التي تسببها رغبة المراهقين في تحقيق رغبات الأهل في التحصيل الدراسي المثالي خاصة من أبناء الطبقة المتوسطة. حيث يتسبب الإخفاق في تحقيق الهدف المنشود في ضياع المراهق ولجوئه إلى تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية.
فيما ترتفع هذه النسبة بين صفوف أبناء النخبة داخل المجتمع بسبب توفر الموارد المالية والضغوط النفسية التي يمارسها الأهل بغية تحقيق أبنائهم أقصى درجات الأداء الدراسي والنجاح، عبر تضييق الخناق عليهم بإضافة المزيد من التعليمات والدروس الخصوصية أو ما يسمّى بـ”الإفراط في رعاية الأبناء". حيث أن الإفراط في الرعاية الأبوية يتسبب أيضا في عدم قدرة المراهق على التكيّف وحل المشكلات بصورة مستقلة، كما تدفعه هذه الرعاية الخانقة إلى محاولة الانفلات من جو المنزل إلى أماكن أكثر رحابة وقد لا تكون هذه الأماكن سوى تجمعات سيئة لمدمني الكحول والمخدرات.