نزيف الأطباء.. التهديد الكامن لقطاع الصحة العمومي في المغرب

30 في المئة من الأطباء الجدد في المغرب يفكرون في مغادرة البلاد.
الخميس 2025/02/27
أزمة تدبير الموارد البشرية لا تزال تشكل التحدي الأبرز

يعيش قطاع الصحة في المغرب تحولات كبرى ضمن ورش إصلاح المنظومة الصحية الوطنية، لكن أزمة تدبير الموارد البشرية لا تزال تشكل التحدي الأبرز، ما يثير تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة الإصلاحات الحالية على تحقيق العدالة الصحية وضمان خدمات ذات جودة للمواطنين. فبين طموحات الحكومة لإرساء نظام صحي أكثر نجاعة، وواقع المستشفيات والمراكز الصحية التي تعاني من خصاص في الأطر الطبية، يبقى الإصلاح عرضة لعدة معيقات تتطلب استجابة عاجلة وواقعية.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن المغرب يتوفر على حوالي 14 ألف طبيب في القطاع العام حسب آخر إحصائية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية سنة 2023، في حين يحتاج وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية إلى أكثر من 60 ألف طبيب لتغطية احتياجات السكان. أما بالنسبة إلى الأطر الصحية والتقنية فإن العجز يتجاوز 65 ألف ممرض وتقني صحي، وهو ما يزيد الضغوط على العاملين في القطاع، ويؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمات الصحية.

من دون استثمار حقيقي في العنصر البشري ستظل الفجوة بين انتظارات الإصلاح والواقع الميداني قائمة

وتواجه المنظومة الصحية أيضاً اختلالات  في التوزيع الجغرافي للأطر الصحية، حيث تتركز نسبة 60 في المئة من الأطباء في محور الدار البيضاء – الرباط، بينما تعاني مناطق مثل درعة – تافيلالت والجهة الشرقية من عجز يصل إلى 70 في المئة في بعض التخصصات الطبية. كما أن بعض الأقاليم لا تتوفر إلا على طبيب لكل 10000 نسمة.

وإضافة إلى الخصاص ا يعاني القطاع من ظاهرة هجرة الأطباء والممرضين، حيث تشير المعطيات إلى أن أكثر من 700 طبيب مغربي غادروا البلاد خلال سنة 2022 للعمل في الخارج، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل استمرار غياب التحفيزات المالية والإدارية الجاذبة.

وتفضل الكثير من الكفاءات الصحية العمل في الخارج بسبب ارتفاع الرواتب وتحسين ظروف العمل، حيث يتراوح أجر الطبيب العام في فرنسا بين 4000 و6000 يورو شهريا، بينما لا يتجاوز 12000 درهم في المستشفيات العمومية المغربية.

كما أن ظروف العمل داخل المستشفيات العمومية تظل أحد العوامل الطاردة للأطر الصحية، حيث يعاني المهنيون من ساعات عمل طويلة، وغياب التحفيزات، وتزايد الاعتداءات الجسدية واللفظية عليهم من طرف بعض مرافقي المرضى، ما يجعلهم يفكرون في مغادرة القطاع العام أو الهجرة نحو الخارج.

وتشير تقارير نقابية إلى أن حوالي 30 في المئة من الأطباء الجدد يفكرون في مغادرة البلاد مباشرة بعد انتهاء تكوينهم، بسبب ضعف الرواتب والضغط المهني المرتفع.

ولمواجهة الضغوط أعلنت الحكومة عن إصلاح المنظومة الصحية سنة 2022،  غير أن المشروع يواجه انتقادات واسعة من طرف النقابات المهنية، التي ترى أن الإصلاح يظل غير كافٍ بسبب عدم وضوح آلياته التحفيزية، وعدم إدماج تحفيزات مالية مشجعة، إضافة إلى غياب ضمانات واضحة لحماية الأطر الصحية من الضغط المهني والاعتداءات، الشيء الذي أدى الى مفعول عكسي لهذا الإصلاح حيث غادر العديد من مهنيي الصحة القطاع العمومي سنة 2024، وعرف نفس العام اضطرابا في تقديم الخدمات الصحية لأكثر من ثلاثة أشهر بسبب إضرابات مفتوحة للنقابات الصحية.

اختلالات كبيرة في التوزيع الجغرافي للأطر الصحية

كما أن هذا النظام لم يضع حلولاً ملموسة لأزمة التوزيع الجغرافي العادل للأطر الصحية، حيث لا تزال بعض المناطق القروية والنائية تعاني من غياب شبه كلي للأطباء المتخصصين.

ويرى الفاعلون في القطاع أن نجاح هذا الإصلاح يظل مرتهنا بإدخال تحفيزات مالية إضافية، وتحسين ظروف العمل، وتوفير ضمانات مهنية قوية لحماية الأطباء والممرضين من العنف والضغط المهني المفرط.

وتشير تقارير وزارة الصحة إلى أن متوسط مدة الانتظار لإجراء عملية جراحية غير مستعجلة قد يصل إلى 6 أشهر في بعض المستشفيات الجامعية، بينما يعاني قسم المستعجلات من ضغط  بسبب قلة الأطباء والممرضين، ما ينعكس سلباً على سرعة التكفل بالحالات الحرجة.

كما أن المستشفيات العمومية تعاني من ضعف الموازنة المخصصة لها، حيث لا تتجاوز موازنة قطاع الصحة في المغرب 6 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وهو رقم أقل بكثير من المعدل الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، وهو 10 في المئة.

وهذا النقص في التمويل يؤثر  في قدرة المستشفيات على تحسين ظروف العمل للأطر الصحية، وتجهيز المرافق الطبية بالمعدات اللازمة.ويظل نجاح إصلاح المنظومة الصحية مرتهنا بإيجاد حلول مستدامة لأزمة الموارد البشرية، . فمن دون استثمار حقيقي في العنصر البشري ستظل الفجوة بين انتظارات الإصلاح والواقع الميداني قائمة.

7