نجاح مفاوضات السلام الشامل في السودان رهن مسار دارفور

المشكلة الأكبر في وجه مسار دارفور تكمن في عدم التوافق على ممثلي أصحاب المصلحة الذين يشملهم السلام.
الأربعاء 2020/03/04
سلام طال انتظاره

الخرطوم - فرضت التعقيدات السياسية والأمنية في مسار دارفور نفسها على مفاوضات السلام الجارية حالياً في جوبا، وأرجأت وساطة جنوب السودان المباحثات المباشرة إلى يوم الأربعاء، في محاولة لتقليص التباين بين مكونات الهامش من جهة وبين الجبهة الثورية والحكومة الانتقالية من جهة أخرى.

وكثفت أطراف إقليمية ودولية عدة تحركاتها لتفكيك المشكلات التي يعاني منها الإقليم وتسريع وتيرة المباحثات، ونظمت لجنة الوساطة في جوبا، الاثنين، ورشة عمل خاصة بملف الترتيبات الأمنية الخاصة بإقليم دارفور بمشاركة خبراء عسكريين من دول عدة، وقبلها نظمت مبادرة محبي السلام ورشة مماثلة بعنوان “مسارات السلام الواقع والمستقبل” في الخرطوم حضرها رئيس مفوضية السلام سليمان الدبيلو.

والتقى النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مساء الأحد، بعدد من القيادات الأهلية في دارفور، لها تحفظات على طريقة اختيار ممثلي الإقليم في مفاوضات جوبا، وتسلم مذكرة تطالب بمزيد من المشاورات مع قيادات القبائل الموجودين بالداخل والخارج قبل بدء المفاوضات بشكل رسمي.

ورغم الاختراق المسجل في مسار منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق حيث من المرجح أن يتم توقيع اتفاق نهائي بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال نهاية الأسبوع، هناك توجه لتمديد مفاوضات السلام مرة أخرى، التي من المفروض أن تنتهي في 7 مارس الحالي، حيث بدا واضحا استحالة التوصل إلى توافق بشأن النقاط الخلافية في مسار دارفور، وسط توقعات بإمكانية الإعلان عن مهلة تصل إلى ثلاثة أسابيع إضافية قابلة للتجديد. وبحسب ما أعلنه محمد التعايشي الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة المفاوض، فإن مباحثات جوبا أنجزت 80 في المئة من إجمالي ملفات السلام، غير أن الواقع يشير إلى أن مسار التفاوض ما زال في منتصف الطريق لأن أطراف التفاوض انتهت من الملفات السهلة والمتفق عليها بشكل كبير، في حين أن التعقيدات الميدانية المرتبطة بمشكلات النزوح واللجوء والترتيبات الأمنية وهي تشكل عصب المفاوضات ما زالت عالقة.

وتكمُن المشكلة الأكبر في وجه مسار دارفور في عدم التوافق على ممثلي أصحاب المصلحة الذين يشملهم السلام، ومن المقرر أن يجري تطبيق بنوده عليهم، في ظل خلافات متفاقمة بين قيادات الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية (العدل والمساواة)، وبين عدد من القبائل النافذة هناك، وقيادات معسكرات اللاجئين والنازحين.

ما زالت الإدارة العامة لهذه المعسكرات تتمسك بموقفها الرافض للمشاركة في مفاوضات جوبا، وأصدرت بياناً الأحد، أكدت فيه أنها لا تعترف بمخرجات مؤتمر الفاشر الذي أفرز اختيار ممثلين عن النازحين واللاجئين والإدارات المدنية، بلغ عددهم 200 قيادي وصلوا إلى جوبا، واتهمت الجبهة الثورية باختيار شخصيات لا تمثل الفاعلين على الأرض.

تدخلات قطرية تربك المفاوضات في جوبا
تدخلات قطرية تربك المفاوضات في جوبا

وتعد مسألة التوافق على ممثلي مسار دارفور واحدة من مجموعة قضايا خلافية فشلت جلسات التباحث في الوصول إلى توافق بشأنها، وعلى رأسها ملف الترتيبات الأمنية الذي يلقى رفضاً من قبل عدد كبير ممّن بيدهم السلاح في الإقليم، بجانب تأثر الإقليم بالتدخلات الخارجية، وبالتحديد من قبل قطر التي رعت اتفاقاً هشاً للسلام هناك في 2011، وتوظف تدخلاتها لخدمة النظام السابق.

وتتطرق مفاوضات مسار دارفور إلى ثماني قضايا مختلفة تتمثل في السلطة، الأراضي والحواكير، الثروة، النازحين واللاجئين، التعويضات وجبر الضرر، العدالة الانتقالية والمصالحة، الترتيبات الأمنية، إصلاح أجهزة الأمن، وهي ملفات جرى التوافق حول نصفها تقريباً، بحسب ما أعلنته لجنة الوساطة في وقت سابق.

وأكد الناطق باسم حركة العدل والمساواة، معتصم أحمد صالح لـ”العرب”، أن المباحثات المقبلة ستركز تعيين مدعي عام للمحكمة الخاصة بجرائم دارفور بشكل محايد ومستقل بواسطة الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة، وهو أمر يعترض عليه وفد الحكومة المفاوض الذي يطالب بأن يكون التعيين من قبل السلطة الانتقالية.

وأشار إلى وجود خلافات على مستوى الحكم في الإقليم، بعد أن تم التوافق على مبدأ العودة إلى نظام الأقاليم السابق، بما يعني أن يكون دارفور إقليما موحداً معه خمس محافظات، وندعم ضرورة تطبيق الأمر منذ التوقيع على اتفاق السلام، وتتشبث الحكومة بموقفها الساعي للانتظار إلى ما بعد عقد مؤتمر “الحكم في السودان”، ما يعني أن ما سيتم التوافق حوله في جوبا لن يجد سبيلاً للتطبيق، انتظاراً لمخرجات المؤتمر.

وذهب متابعون للتأكيد على أن الضغوط التي يتعرض لها أطراف السلام وعدم إطالة أجل المحادثات، والتي تؤثر سلباً على سير المرحلة الانتقالية تزيد من صعوبة عملية التفاوض، لأن تمرير بعض النقاط من دون الوصول إلى جذور مشكلات الهامش يؤدي إلى ظهور معوقات أكبر خلال تطبيق ما توصلت إليه الأطراف من بنود.

دفعت وساطة جنوب السودان إلى استباق أي تعثر قد يواجه عملية المفاوضات، وأعلن المتحدث الرسمي باسم الوساطة ضيو مطوك، وصول 4 خبراء أجانب لمقر المفاوضات بينهم أميركي وإثيوبي وخبراء آخرون من بعثة السلام في السودان التي تنظمها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) إلى جوبا.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري بالخرطوم، أبوالقاسم إبراهيم آدم، إن مفاوضات جوبا ستكون بحاجة إلى شهرين إضافيين للوصول إلى توافقات نهائية بشأن الملفات العالقة، ومتوقع أن يجد وفد الحكومة صعوبات أكبر مع قادة الحركات غير المنضمين للجبهة الثورية.

2