نجاح تجربة الطالب رهين التكفل بالتحولات الشخصية والاجتماعية

الجزائر - يستفيق الكثير من الطلبة الجدد من نشوة التتويج بشهادة الباكالوريا، على صدمة ولوج عالم الجامعة بتعقيداته ومفاجآته التي حطمت آمال وطموحات العديد منهم، لاسيما الذين لا يستندون إلى تجارب الأقرباء والأصدقاء، أو الذين يفتقدون للتوجيه الجيد والتحضير النفسي والذهني لمواجهة المرحلة الجديدة.
كاد أحمد جبري (ناجح في شهادة الباكالوريا) أن يضيع موسمه الدراسي الجامعي الحالي، بعدما تهور في حلم الدراسة في الخارج، وانساق وراء عالم وردي صنعته ومضة إشهارية على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي تغري متابعيها بتوفير فرص الدراسة في دولة أوكرانيا.
وفي تصريح لـ”العرب”، ذكر أنه “سجل في آخر اللحظات بالجامعة التي وُجّه إليها، وفقد فرصة الحق في الإقامة، وذلك بعدما استفاق من حلم مزيف كاد أن يعصف بمستقبله الدراسي، حيث اتضح له أن الوكيل المزعوم محتال يستغل اندفاع الناجحين الجدد وطموحاتهم”.
واستطاع مقربون منه أن يقنعوه بالتريث قبل الإقدام على هذه المغامرة، وذلك بتثبيت مقعده في الجامعة الأصلية ببلدته، ثم التفكير في شيء آخر، فضلا عن التدقيق في العروض التي باتت تتهاطل على طلبة الجامعات، من وكلاء لجامعات مغمورة في بعض دول العالم.
وتابع أحمد جبري، في سرد تجربته لـ”العرب”، أنه “لما كان هو وحيد العائلة فإن والديه لم يعترضا على الفكرة، وأبديا استعدادهما لمساعدته برصيد العائلة، قبل أن يذعنا للأمر الواقع ولمستقبل غامض يلف ابنهما في ظل أزمة التعليم الجامعي وشبح البطالة الذي يهدد المتخرجين في الجزائر سنويا”.
وأمام غياب آليات التوجيه الدقيق واختلال التكفل البيداغوجي بالمرحلة الانتقالية في حياة عشرات الآلاف من الناجحين الجدد، يبقى مصير هؤلاء مربوطا بفرص التوفيق المرتبطة ببرنامج كمبيوتر التوجيه والوساطات وإمكانيات العائلة، في حين يكون آخرون ضحايا صدمة ترهن مستقبلهم الدراسي، وسرعان ما تغتال فرحة التتويج بشهادة الباكالوريا مبكرا.
واضطر الطالب الجديد عبدالغني لطرش إلى التنازل عن معدله الممتاز الذي يؤهله للتسجيل في أحسن جامعات الجزائر، وسجل في جامعة تقرب من مقر سكناه لأن العائلة لا تملك الإمكانيات المادية اللازمة لمصاريف السكن، والتي تسمح له بمزاولة دراسته في جامعة قسنطينة التي تبعد عن سكنه 400 كلم.
و يقول لطرش “أحالني برنامج كمبيوتر التوجيه إلى صنف (خارج الاختيار)، رغم أن المعدل ممتاز”، وهو ما يكشف خللا واضحا في آليات توجيه وزارة التعليم العالي.
واضطر الطالب للقيام بإجراء الطعن الذي أحاله إلى جامعة تبعد عن مقر سكنه بـ400 كلم، واضطر مرة أخرى للتنازل عن تخصصه الجديد، وعاد إلى الجامعة القريبة منه وثبت تسجيله في تخصص لم يكن في أجندته إطلاقا.
هناك عوامل دراسية وقيمية في المجتمع تفرض نفسها في بداية مشوار الطالب، بسبب القطيعة الآلية بين التعليم المجاني والتعليم الجامعي
ويكون الأمر أكثر تعقيدا لدى الفتيات، لاسيما المنحدرات من المناطق المحافظة والداخلية، فالصور والمفاهيم المسوقة في بعض الأوساط عن الحياة الجامعية والطالبية بالذات، تشكل أول تحد لهن، لأن الطالبة تضطر أحيانا إلى إقناع أسرتها بضرورة مواصلة دراستها، وبكسر صور سلبية رسمت عن الجامعة، قبل أن تفكر في بداية مشوارها.
ويكون سبب توجس العائلة من التجربة الجامعية الخوف من أن ينحرف البحث عن مستقبل الطالبة ومسارها العلمي والمهني، إلى مسائل الشرف والأخلاق وسمعة العائلة، وكأن المرحلة الجديدة هي سقوط آلي في الرذيلة أو الانحراف، وإذ ذهب البعض ضحية تشدد أوليائهن، فإن وصايا الشرف والسمعة باتت تسبق نصائح المساعدة على الاندماج في المجتمع الجديد.
وصرحت طالبة رفضت ذكر اسمها لـ”العرب” بأنها “رغم اليتم والظروف الاجتماعية الصعبة لعائلتها، إلا أنها بقيت متمسكة بشخصيتها المحافظة، وأكملت دراستها في إحدى جامعات العاصمة، المعروفة بهيمنة تيار فكري حداثي، واستطاعت كسب احترام زملائها لأنها كانت تحترم أفكارهم وقناعاتهم”.
ويرى أحد الأولياء أن البيئة الاجتماعية للطالب الجامعي تكون عاملا أساسيا في اندماجه، فبقدر البعد وطبيعة الأسرة تكون المرونة أو الصعوبة، خاصة بالنسبة للفتيات.
وبناء على تجربته الشخصية، فإن التحاق ابنه كان سلسا ودون معوقات، أما بالنسبة للبنت فكان الأمر أكثر صعوبة، بسبب بعد الجامعة التي وجهت إليها عن مقر السكن، حيث تحول سفرها بين البيت والجامعة إلى مصدر إزعاج وسبب في زيادة نفقاتها، فيضطر إلى توفير مبلغ إضافي لتأجير سيارة خاصة لها لتفادي مشكلات التنقل.
وكان تحقيق تلفزي مفبرك أعدته إحدى القنوات الخاصة في الجزائر، قد أحدث صدمة قوية لدى الكثير من الأولياء، بعدما قدم بعض النماذج الشاذة، كصورة عامة عن الحياة الجامعية، وعرض الأحياء الجامعية كوكر للانحلال والرذيلة، ليغذي بذلك الصعوبات الاجتماعية التي تحول دون اندماج الطالبة الجديدة في الجامعة.
ويؤكد المختص في شؤون التربية وأستاذ البيداغوجيا في المدرسة العليا للأساتذة رابح الأصقع أن “مسألة التنسيق بين مختلف أطوار التعليم والجامعة كانت محل اهتمام العديد من علماء الاجتماع والتربية والتعليم، قياسا بما تمثله مرحلة التعليم العالي من تتويج لمسار كامل من الدراسة وتهيئة الجيل الجديد للاضطلاع بالمسؤوليات المستقبلية”.
ويرى المتحدث في تصريح لـ”العرب” أن “الانتقال من التعليم الثانوي إلى الجامعي يمثل مرحلة مفصلية في المسار الدراسي، نظرا للتحولات التي تطرأ في حياة الطالب، وتدخل نتائج المرحلة التعليمية، كفاعل قوي في محيطه الاجتماعي، حيث يبدأ التحضير لها منذ إعلان النجاح في البكالوريا”.
ويلفت إلى أن “الانتقال من الثانوية إلى الجامعة يرافقه انتقال نفسي واجتماعي للطالب، حيث يصبح أكثر استقلالية ويشرع في تكريس شخصيته الحقيقية، وهو التحول المعرض لمعوقات المحيط والنقائص المحيطة بالقطاع، بداية من الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية إلى التوجيه، مرورا بالاندماج التعليمي، فضلا عن ضغوط بعض الأسر التي تمارسها على أبنائها كونها ترى فيهم مشروعا مستقبليا للعائلة، والذي يصطدم في بعض الأحيان مع رغبة الطالب ويتحول الى أزمة في مطلع المشوار”.
ويذهب المختص في شؤون التربية إلى أن هناك عوامل دراسية وقيمية في المجتمع تفرض نفسها على بداية مشوار الطالب الجامعي، بسبب القطيعة الآلية في هذه المرحلة بين التعليم المجاني والتعليم الجامعي، حيث تفتقد إلى جسور تواصل بين المرحلتين أو مرحلة تمهيدية لما بعد الباكالوريا، فضلا عن اختلال المنظومة القيمية للمجتمع، حيث تقترن الشهادة الجامعية بنهاية مسار دراسي وليس نهاية مرحلة تعليمية لا غير، أي أن الشهادة صارت إثبات مستوى وليس إثبات كفاءة.