نتائج الامتحانات الدراسية تفجر سجالا محتدما في الجزائر

الغش أخذ طابعا منظما وممنهجا في منافسة غير نزيهة في قطاع التعليم.
الأربعاء 2022/07/20
نتائج لا تعكس المستوى الحقيقي للطلبة

جاءت نتائج الامتحانات الدراسية في الجزائر لتثير الجدل مجددا حول المستوى الحقيقي للتلاميذ وتدفع السلطات الأمنية والتربوية لاتخاذ إجراءات قانونية وتتبع كوادر ومسؤولين يشتبه في تسهيلهم عمليات الغش والتزوير في الامتحانات الوطنية، فيما ندد الكثير من الإعلاميين بذلك معتبرين أن مثل هذه النتائج تحبط جهود الدولة في النهوض بمستوى الخريجين الجدد وإصلاح المنظومة التعليمية.

الجزائر- فجر تصدر منطقة القبائل لنتائج الامتحانات الدراسية خاصة شهادة البكالوريا، سجالا اجتماعيا ينطوي على شكوك حول تواطئ جهوي على مستوى الإدارات العليا لقطاع التربية، بينما أثيرت صدقية الشهادة بشكل حاد، بعد رسوب ما يعرف بنوابغ الرياضيات، ودفع إدارة المدرسة بالعشرات منهم إلى جامعات عادية لمواصلة مسارهم الدراسي.

وفتحت الدوائر الأمنية الجزائرية تحقيقات في ممارسات الغش وتزوير طالت النتائج الدراسية والشهادات العلمية المحصل عليها، من طرف كوادر ومسؤولين محليين يشغلون مناصب حكومية مهمة، الأمر الذي سيعري واقعا ظل مسكوتا عنه، رغم أن الكثير يقر به منذ سنوات، وهو ما فسح المجال أمام تغلغل أجيال في مفاصل المؤسسات والدوائر الرسمية، رغم أنه لا حظ لها في النبوغ العلمي إلا قوة الوساطات والعلاقات المشبوهة.

وتزامن فتح التحقيقات المذكورة، التي يرجّح أن تسقط الكثير من الرؤوس، مع السجال المتصاعد حول هيمنة منطقة القبائل على سلم النجاح في الشهادات الدراسية، وحتى رسوب عدد معتبر مما يعرف بـ”نوابغ الرياضيات” في المرور إلى السنة الدراسية الموالية بسبب نقاطهم الإقصائية.

◙ الدوائر الأمنية الجزائرية فتحت تحقيقات في ممارسات الغش وتزوير النتائج من طرف كوادر ومسؤولين محليين

وتضاربت الروايات حول الأسباب الحقيقية لهذه المعطيات التي تشكل المشهد السوسيوتعليمي، ففيما ينبري أنصار هيمنة البربر دفاعا عن النتائج وإرجاعها إلى “النمط التلقيني والصرامة في الأداء البيداغوجي والتعاون الاجتماعي في ربوع المنطقة”، يرى آخرون أن “تواطؤا خفيا ومنظما يبدأ من أبسط هيئة في التعليم إلى هيئات التعليم العليا يعمل على مساعدة وتفضيل أبناء المنطقة في إطار خطة جهوية وإثنية وعرقية، ترى أن الاستحواذ على قيادة المستقبل هي التي تضمن للبربر مكانتهم في البلاد”.

ويعتبر مصطلح “السبورة السحرية” هو المفردة التي يطلقها المشككون في نزاهة نتائج الامتحانات الدراسية، وزعمهم بأنها أخذت طابعا “جهويا وعرقيا” بعدما كانت سلوكيات معزولة، وأن رسوب النوابغ المفاجئ هو نتيجة طبيعية للغش المتغلغل في الامتحانات النهائية، بالإضافة إلى أن الراسبين هم من قطفوا ثمار الغش وتعرت حقيقة العلامات التي تحصلوا عليها في شهادة الباكالوريا، بعدما وقفت إدارة المدرسة في وجه النبوغ المشبوه.

وذكر الإعلامي رشيد ولد بوسيافة في مقال تمت مشاركته بقوة في الجزائر بأن “النتائج الكارثية التي سجلتها الدفعة الأولى من طلبة المدرسة العليا للرياضيات تضعنا أمام العديد من التساؤلات عن أسباب الرسوب الجماعي لهذه الدفعة المكوّنة من نوابغ المدرسة الجزائرية الذين نالوا شهادة البكالوريا بمعدّلات تفوق 17 و18 من 20، لكن عندما التحقوا بالمدرسة العليا للرياضيات، وهي مؤسسة جامعية جديدة تعتمد معايير دولية في التقييم، لم ينجحوا في الانتقال إلى المستوى الأعلى ولو بمعدلات دنيا، ونالوا العلامة الإقصائية في العديد من المقاييس”.

وأضاف “الطاقم البيداغوجي للمدرسة العليا للرياضيات خرج بقرار مثير مفاده أن 94 طالبا من بين 172 مسجلا في الدفعة الأولى لا يمكنهم مواصلة الدراسة في هذه المدرسة التي تعدّ قطب امتياز تراهن عليها وزارة التعليم العالي للنهوض بمستوى التعليم، لذلك تم توجيههم إلى تخصصات جامعية أخرى. وهو قرار جريء لا يمكن التشكيك في جديته أو الرضوخ إلى ما تقوله المنظمات الطلابية التي تطالب بإعادة النظر في القرار واعتماد المرونة في التعامل مع الطلبة الراسبين بدل الصّرامة التي أظهرها القائمون على المدرسة العليا للرياضيات”.

ولفت إلى أنه “بدل التفكير في وضعية الطلبة الذين تم إقصاؤهم من المدرسة العليا للرياضيات الذين سيواصلون التكوين الجامعي في تخصصات أخرى، لا بد من التفكير في الأسباب التي حولت طلبة يفترض أنهم نوابغ ومتفوقون في المرحلة الثانوية، إلى راسبين فشلوا في الانتقال إلى السنة الثانية ولو بالحد الأدنى وهو معدل 10 من 20”.

◙ الراسبون هم من قطفوا ثمار الغش وتعرت حقيقة العلامات التي تحصلوا عليها في شهادة الباكالوريا، بعدما وقفت إدارة المدرسة في وجه النبوغ المشبوه

وتابع متسائلا “هل يتعلق الأمر بظاهرة تضخيم النقاط في مختلف مراحل التعليم إلى درجة أن تلميذة نالت المعدل الكامل 20 من 20 في شهادة التعليم المتوسط؟ أم يتعلق الأمر بالغش في الامتحانات الرسمية، وبالتالي حصول مترشحين على معدلات مرتفعة رغم مستواهم المتواضع، وهي ظاهرة موجودة بدليل حالات الغش التي يتم ضبطها في العديد من مراكز الامتحان؟ أم يعود الأمر إلى أسباب أخرى تتعلق باللغة المعتمدة في التدريس بالمدرسة العليا للرياضيات؟”.

أما الإعلامي المخضرم سعد بوعقبة فقد حاول ملامسة الأسباب التي أفضت إلى هذه المفارقة العجيبة، بالقول في مقال له إن “هؤلاء من المتفوقين في الباكالوريا رياضيات، كانوا في الماضي يرسلون في منح دراسية إلى الخارج، وأغلبهم لا يعودون! لذلك تقرر مراعاة تفوقهم في الجزائر عبر توفير تعليم نوعي ذي مستوى، وأن الأساتذة الذين يُدرسون في هذه المدرسة، من خيرة الأساتذة في الوطن، والإمكانات والوسائل العلمية مُوفرة بما فيه الكفاية، فلماذا رسب نصف طلاب هذه المدرسة النّموذجية!؟”.

وأضاف “يمكن تفسير هذا الرسوب اللافت بأنّ هؤلاء الطلبة لم يكونوا من المتفوقين فعليا في الباكالوريا! وأنّ رياح الغشّ في الامتحانات هي التي أتت بهم إلى هذه المؤسسة النّموذجية! أو أن هناك أيادي تلعب في قوائم الملتحقين بالمدرسة على أساس القرابة والزّبائنية وحتى (الشّيتة)”.

وخلص إلى أن “ما حدث في هذه المدرسة يُؤكد التفسير الذي يقول إن التسابق بين المحافظات على نسب النجاح هو ما أدى إلى تطوير الغشّ الرسمي في امتحان الباكالوريا، حيث أصبحت المحافظات تتنافس في ما بينها على من يحصل على أعلى نسبة تفوق في الباكالوريا، ولعب الغش دوره في تحقيق هذه النتائج بمشاركة السلطات المحلية في المحافظات! لهذا أصبحنا نحصل على مُتفوقين مُزيفين في الباكالوريا، وهو ما أدى إلى ما حصل في هذه المدرسة العليا للرّياضيات!”.

 

16