نبيل عمار وزير خارجية بمواصفات قيس سعيد: هدوء في مواجهة الضغوط

شبكة علاقات دبلوماسية واسعة في الغرب وشخصية هادئة.
الأحد 2023/05/21
تعيين عمار يهدف إلى ضخ دماء جديدة في وزارة الخارجية

تونس- أكد تعيين نبيل عمّار في منصب وزير الخارجية حاجة الدبلوماسية التونسية إلى شخصية سياسية لديها شبكة علاقات واسعة من شأنها أن تحسّن تواصل تونس مع محيطيها الإقليمي والعالمي، وتجاوز مرحلة الجمود القائمة في العلاقات بملفات ساخنة على غرار أزمة الهجرة غير النظامية، وامتصاص الضغوط الخارجية المسلطة من إيطاليا والاتحاد الأوروبي في علاقة بالمسألة.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد أعفى وزير الشؤون الخارجية السابق عثمان الجرندي من منصبه وعين نبيل عمار خلفا له، ليصبح بذلك الجرندي رابع وزير تتم إقالته منذ مطلع العام في تغيير تدريجي لحكومة نجلاء بودن.

◙ الجرندي دفع ثمن الدبلوماسية الهلامية التي توحي بأنها في صف الجميع من دون أن يكون لها تأثير أو عائدات لصالح تونس وجاء عمار لتصويبها

ويقول مراقبون إن تعيين عمار يهدف إلى ضخ دماء جديدة في وزارة الخارجية وإعادة تنشيط العلاقات مع الشركاء الأوروبيين بعد موجة انتقادات تعرض لها الرئيس سعيد على إثر عزله منظومة الحكم السابقة استنادا إلى تدابير استثنائية اتخذها في 25 يوليو 2021 وأتبعها بإجراءات أخرى انتهت بحل البرلمان والإعلان عن خارطة طريق سياسية تشمل انتخابات تشريعية، واستفتاء على تغيير النظام السياسي من برلماني رئاسي هجين إلى رئاسي بصلاحيات تنفيذية واسعة.

وما جرى منذ الخامس والعشرين من يوليو 2021 لم تنجح الدبلوماسية التونسية في الترويج له والحصول على تفهم أوروبي لقرارات سعيد، وعلى العكس فإن مواقف المعارضة تجد لها صدى لدى الاتحاد الأوروبي ما جعله مترددا في خطوات مساعدة تونس خاصة على المستويين الاقتصادي والمالي في الوقت الذي تحتاج فيه إلى الدعم العاجل من شريكها الإستراتيجي.

وتعيين عمار كان الهدف منه الرد على ذلك التشكيك بتعيين شخصية لديها خبرات وعلاقات دبلوماسية ومنحازة لتوجهات الرئيس سعيد، وخاصة الهدوء في مواجهة الضغوط المختلفة والمتزايدة، وهي من الشخصيات التي يريدها الرئيس سعيد.

وتعيين دبلوماسي في خبرة عمار هدفه تحريك الدبلوماسية التونسية في منطقة حيوية وللإمساك بملفات مهمة مثل العلاقة مع ليبيا التي شهدت انعطافة جديدة، وكذلك ملف العلاقة مع أوروبا وموضوع الهجرة الذي يبدو أن أداء الجرندي فيه لم يكن بحجم انتظارات قيس سعيد.

دفع الجرندي ثمن الدبلوماسية الهلامية التي توحي بأنها في صف الجميع، وخاصة مع الجزائر وليبيا، من دون أن يكون لها تأثير أو عائدات لصالح تونس، وهي السياسة التي جلبت مشاكل لتونس خاصة في ملف الصحراء. وبدا أن الجرندي انساق وراء الموقف الجزائري، ولم يلفت نظر الرئيس سعيد إلى المحاذير الحافة بهذا الملف الحساس قبل استقباله إبراهيم غالي زعيم جبهة بوليساريو التي كانت تونس طيلة تاريخها تتعامل معها بحذر شديد بسبب تعقيداتها، وتأثير أيّ تغيير في الموقف على مصالحها.

◙ جهود نبيل عمار ساهمت في كسب إيطاليا إلى صف تونس
جهود نبيل عمار ساهمت في كسب إيطاليا إلى صف تونس

ويمكن القول إن صورة الجرندي قد اهتزت لدى الرئيس سعيد بسبب هذا الملف، وإن فكرة تغييره قد بدأت بعد ردود الفعل الغاضبة للمغرب على مشاركة غالي في القمة اليابانية – الأفريقية التي احتضنتها تونس في أغسطس الماضي.

ومن شأن تعيين وزير جديد للخارجية أن يساعد على كسر حالة البرود بين المغرب وتونس بإطلاق تصريحات جديدة تؤكد الثبات على الموقف التقليدي للدبلوماسية التونسية القائم على الحذر في التعاطي مع الملفات الحساسة إقليميا ودوليا.

وسبق لوزير الخارجية الجديد أن شغل عدة وظائف بوزارة الخارجية التونسية وبالسلك الدبلوماسي التونسي بالخارج وكان آخرها سفيرا لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي في بروكسل منذ سنة 2020، كما سبق له أن شغل مهام مدير عام إدارة أوروبا بوزارة الخارجية برتبة وزير.

ويتمتع نبيل عمّار بعلاقات جيدة مع الأوروبيين، ما يؤكد المساعي لإحداث نقلة نوعية في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في وقت تواجه فيه تونس صعوبات اقتصادية ومالية خانقة.

◙ تعيين دبلوماسي في خبرة نبيل عمار هدفه تحريك الدبلوماسية التونسية في منطقة حيوية وللإمساك بملفات مهمة مثل العلاقة مع ليبيا والجزائر والمغرب وملف الهجرة

ويتزامن تعيين عمار مع أزمة اقتصادية خانقة في الوقت الذي تسعى فيه تونس للحصول على مساعدات خارجية وإقناع صندوق النقد الدولي بصرف قرض تعوّل عليه كثيرا لتعبئة موارد مالية من أجل مجابهة تداعيات الأزمة الاقتصادية. ونجح الوزير الجديد إلى حد الآن في كسب تعاطف دول ودعمها، مثل إيطاليا وفرنسا، لتسهيل هذا القرض.

ورحبت نقابة السلك الدبلوماسي التونسي بقرار تعيين نبيل عمار وزيرا للخارجية، معربة عن شكرها للرئيس سعيد وارتياحها وتثمينها لهذا التعيين الذي طال انتظاره، والذي سيقطع حتما مع مرحلة تعرض فيها كوادر وزارة الشؤون الخارجية إلى شتى أنواع المظالم والتهميش وهو ما أثر سلبا على الأداء الدبلوماسي في الداخل والخارج.

وكشفت النقابة عن تعرض العاملين في السلك الدبلوماسي لضغوط كبيرة من قبل الجرندي ومستشاريه، فضلا عن حرمانهم من حقوقهم.

ووصف دبلوماسي سابق قرار تعيين نبيل عمار في منصب وزارة الخارجية بـ”الإيجابي جدّا”، خصوصا بعد مرحلة الجمود القائمة في العلاقات الدبلوماسية، فضلا عن الانحرافات التي أفرزتها فترة حكم الترويكا بعد 2012، لكن شركاء الحكم حينها فهموا أنهم على خطأ في قطع العلاقات مع سوريا”.

وقال الدبلوماسي، الذي خير عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ”العرب” إن عمار “دبلوماسي له تجربة، وكان سفيرا لتونس في لندن وبروكسيل، وهذا الاختيار من شأنه أن يضفي صبغة إيجابية على العمل الدبلوماسي في علاقة بالملفات الساخنة”.

وأفاد الناشط السياسي نبيل الرابحي أن “كل وزراء الخارجية السابقين لهم علاقات واسعة، لكن الوزير الحالي يختلف عن البقية من حيث سياسة الدولة الخارجية، وتونس دولة صغيرة، لكنها تلعب دورا مهما في الدبلوماسية الخارجية الإقليمية، وكل الدول الأفريقية دائما ما تنظر إلى موقف تونس في علاقة بالملفات القارية”.

وقال الرابحي في تصريح لـ”العرب”، “كانت هناك ثوابت للخارجية التونسية لنصرة الشعوب في تحقيق مصيرها، لكن بعد ثورة يناير 2011 اصطفت تونس في سياسة المحاور (المحور التركي – القطري) المعادي لسوريا، والذي قسّم العرب والشعب التونسي داخليا، إلا أن الرئيس سعيّد استطاع أن يعيد إلى الدولة هيبتها بعودة العلاقات التونسية – الجزائرية إلى طبيعتها”.

◙ الهجرة غير النظامية أكبر تحد يواجه نبيل عمار
الهجرة غير النظامية أكبر تحد يواجه نبيل عمار

وأضاف الرابحي “اليوم أردنا عدم الانحياز إلى المحور الغربي الذي يريد تنفيذ إملاءاته، ومشاركة تيّار الإسلام السياسي في السلطة، وهذا ما رفضه صراحة الرئيس سعيّد”، لافتا أن “هذا التعيين دعّم العلاقات الدبلوماسية، وتونس كانت سبّاقة إلى إعادة التواصل مع سوريا، فضلا عن رفضها بأن تكون حارس حدود لأوروبا في علاقة بملف الهجرة غير النظامية، وفرض معاملة الندّ للندّ مع إيطاليا التي رضخت لاستقبال 4 آلاف تونسي للعمل هناك، وهذا ما يستدعي ضرورة التسريع في مراجعة ملف الهجرة”.

وثمّن “سرعة التحركات الدبلوماسية لنبيل عمّار، في ظل متغيّرات إقليمية كبيرة على غرار الحرب الأوكرانية – الروسية، وصعود مجموعة بريكس الاقتصادية كقوة فاعلة، وأن عالما جديدا بصدد التشكّل”.

وأكّد نبيل الرابحي “وزير الخارجية الجديد ممتاز اتصاليا، ولم يرتكب أخطاء تذكر على غرار الوزراء السابقين، وفهم كيف يتعامل مع الملفات، واليوم تونس تستعيد سيادتها وقراراتها الوطنية”.

◙ يتزامن تعيين عمار مع أزمة اقتصادية خانقة في الوقت الذي تسعى فيه تونس للحصول على مساعدات خارجية وإقناع صندوق النقد الدولي بصرف قرض تعوّل عليه كثيرا لتعبئة موارد مالية

وأدى نبيل عمار زيارة عمل إلى إيطاليا في أبريل الماضي، وذلك بدعوة من نظيره الإيطالي أنطونيو تاياني. ووفق بلاغ لوزارة الخارجية، مثلت الزيارة مناسبة للتباحث حول الإمكانيات المتاحة لدفع التعاون الثنائي بين البلدين في كافة المجالات والارتقاء به إلى مستوى الشراكة الإستراتيجيّة.

وبحث الطرفان، السبل الكفيلة لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية وفق مقاربة شاملة تخدم المصلحة الاقتصادية لكلا البلدين وتساهم في النهوض بالهجرة النظامية ودفع نسق الاستثمار وتنمية المناطق الداخلية وخلق مواطن الشغل لفائدة الشباب.

وتعددت في الفترة الأخيرة اللقاءات والاتصالات بين مسؤولين أجانب خاصة من إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة للتباحث من أجل دعم تونس للحصول على قرض صندوق النقد الدولي إضافة إلى تمويلات أخرى.

وتقود إيطاليا جهودا كبيرة للتوصل إلى اتفاق سريع خشية تدفق المزيد من المهاجرين إلى شواطئها في حال شهدت الأوضاع الاقتصادية في تونس تراجعًا أكبر.

ومنذ أيام، طالبت الحكومة الإيطالية بوقف منطق إعطاء الدروس لـ”الشعب التونسي الصديق”، مشددة على أن التمويل الممنوح لتونس لا يمكن أن يكون مشروطا بإصلاحات الرئيس قيس سعيد، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة مالية واقتصادية صعبة.

وبدا الموقف الإيطالي موجها بالأساس إلى الشركاء الغربيين، الذين لديهم تحفظات على سياسة الرئيس سعيد، ويطالبون بإصلاحات لا تنحصر فقط في البعد الاقتصادي بل وحتى السياسي، وهو ما رفضته تونس مرارا واعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية.

وقال وزير الخارجية الإيطالي في تصريحات لموقع صحيفة “إل ميساجيرو” الإيطالية إن بلاده ستواصل بذل كل ما في وسعها لدعم تونس اقتصاديا ودعوة الشركاء الأوروبيين إلى النظر في أزمة هذا البلد العظيم من خلال “منظور أفريقي”.

الرئيس قيس سعيد يريد دبلوماسية تونسية منفتحة على قاعدة الندية

 

7