مونديال قطر 2022 الملف الملعون

السبت 2015/06/13
لعبة أوان مستطرقة تطيح بمسؤولي الفيفا واحدا إثر الآخر

بنفس ثقافة اللعنات التي تحفل كتب السحر بروايات أسطورية عنها، يمكن النظر إلى ملف مونديال قطر 2022 باعتباره واحدا من تلك اللعنات، فمنذ اللحظة التي أعلن فيها السويسري جوزيف بلاتر فوز الدولة الخليجية الصغيرة بتنظيم المونديال مساء 2 ديسمبر عام 2010 والمصائب تتوالى على كل من اقترب من هذا الملف لدرجة أن البعض بدأ يشعر كأن هناك لعنة تسكنه.

أولى اللعنات أصابت القطري محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي ونائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم وقتها، الذي لعب دورا مهما لتجييش أصوات زملائه من أعضاء المكتب التنفيذي للفيفا لضمان نجاح بلاده في الفوز بالاستضافة متقدمة على دول أكبر منها بحسابات التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا.

ورغم أن الرجل نجح في مساعيه، إلا أن الثمن الذي توجب عليه دفعه كان أكبر من أن يتخيله أحد، فقد تمت التضحية به ليتحول بين عشية وضحاها من أحد كبار اللاعبين في الفيفا، ومنافس قوى لبلاتر في انتخابات رئاسة المنظمة الدولية التي جرت قبل يوم واحد من التصويت على استضافة المونديال عام 2010، إلى طريد للعدالة الكروية، عقب اجتماع سري عقد في أحد فنادق عاصمة أوروبية عريقة، قبل 48 ساعة فقط من موعد الانتخابات، وبُلّغ خلاله بضرورة الانسحاب من انتخابات رئاسة الفيفا، ليتجنب بلاتر العبث في ملف قطر للفوز باستضافة المونديال حسب اتفاق أجري معه عبر وسطاء.

فازت قطر بما سعت إليه، وعاد بن همام من زيوريخ إلى الدوحة ليجد نفسه مجبرا على التخلي عن رئاسة الاتحاد الآسيوي وعضوية المكتب التنفيذي للفيفا، قبل أن يواجه بعد شهور قليلة من ذلك التاريخ اتهامات قانونية، وجهتها له لجنة الأخلاق التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم وقادت في النهاية إلى تجميد نشاطه وحرمانه من تولي أيّ منصب رياضي رسمي.

ملف العمولات

رغم تبرئة بن همام بعد ذلك من التهم بواسطة محكمة التحكيم الرياضي، إلا أنه آثر الاستمرار في عزلته الكروية اختياريا، خاصة مع تزايد الحملات الغربية ضد مونديال قطر التي تضمّن أغلبها الإشارة إليه، وإلى الدور الذي لعبه لضمان فوز بلاده بتنظيم البطولة الكروية الأهم في العالم.

فقد نشرت العديد من الصحف الغربية أسرار لقاء بن همام مع بوتين رئيس وزراء روسيا في ذلك الوقت، لضمان تنسيق تصويت مواطنها في تنفيذي الفيفا فيتالي موتكو لصالح ملف قطر 2022 مقابل تصويت بن همام لملف روسيا 2018.

كل هذه الخدمات انتهت بإجبار بن همام على الجلوس في منزله ومشاهدة تفاصيل معارك الفيفا عبر شاشات التلفاز، مع إصرار الحكومة القطرية على تحميله وحده مسؤولية كل المخالفات، والتأكيد على أن ما قام به من مخالفات كان بمبادرة شخصية منه وليس باتفاق مع المسؤولين السياسيين في الدولة الخليجية.

ملف روسيا 2018 يتضمن تجاوزات أكبر بكثير من تلك التي يمكن أن توجه للملف القطري، فلأول مرة تمنح دولة حق استضافة كأس العالم بناء على مشروعات افتراضية لم ينجز منها شيء على أرض الواقع حتى ساعة التصويت

لعنة الملف القطري امتدت بعد ذلك وفقا لنظرية الأواني المستطرقة إلى اثنين من كبار الحيتان الكروية في الفيفا، هما التريندادي جاك وارنر رئيس اتحاد أميركا الشمالية لكرة القدم (الكونكاكاف) ونائب رئيس الفيفا السابق، الذي قيل ضمن أطرف ما قيل في وصفه، أنه لم يوافق على زواج ابنه قبل أن يحصل على عمولة من أسرة العروس، والأميركي تشاك بليز أمين عام اتحاد الكونكاكاف وعضو المكتب التنفيذي السابق للفيفا الملقب في بلاده بـ”مستر 10 بالمئة” في إشارة الى نسبته في أيّ معاملات مالية كروية.

فقد عوقب الاثنان بالإيقاف لمدة 3 شهور في مايو 2013 بعد أن اتهمتهما الفيفا بمخالفات مالية قبل أن يقررا الاستقالة والاختفاء عن الأنظار شكليا، وهو ما لم يلتزم به الأميركي الذي تحول إلى عميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI)، وكان له دور أساسي في القبض على 6 من كبار المسؤولين في الفيفا في الأحداث الأخيرة.

يعتقد كثير من المتابعين لأحوال الفيفا أن قرار بلاتر بإيقاف رجُليه المقرّبين سابقا ثم دفعهما للاستقالة، لم يكن سوى لعبة من السويسري محترف الألاعيب لإبعادهما عن الصورة، بالتالي تجنب تعرضهما لتحقيقات قضائية مفصلة تكشف حتما تورطه في تلك المخالفات، باعتبار أن وارنر وبليزر لم يكونا يعملان وحدهما دون علم ومباركة كفيلهما في الاتحاد الدولي.

رغم أنه ليس من المستبعد أن يكون وارنر تحديدا تلقى هدايا مادية وعينية مقابل أن يضمن لقطر أصوات ممثلي اتحاد الكونكاكاف الثلاثة في تنفيذية الفيفا، لكن لماذا استيقظت ضمائر العالم فجأة لضبط التلاعب القطري، بينما بقيت نفس الضمائر نائمة في سبات عميق، وهي تستمتع بوارنر وهو يفرض الأتاوات على كل دولة تريد أو حتى تفكر في التقدم لاستضافة المونديال منذ منتصف التسعينات وحتى إيقافه عام 2011؟

أخلاق حسب الطلب

الإجابة ببساطة أن ما يحدث مع كبار المسؤولين في الفيفا حاليا ليس صحوة ضمائر، أو معركة النزاهة والشفافية ضد الفساد، إنما اختلاف اللصوص بسبب جرأة بلاتر ومساعديه على تفضيل ملف دولة صغيرة هي قطر على ملف الدولة العظمى الوحيدة في عالم السياسة والمصالح.

من المفارقات التي تستحق التوقف أمامها طويلا أن المعايير الأخلاقية التي تتشدق بها الدول الغربية لا تحضر إلا في مواجهة الدول الصغيرة، خصوصا عندما تكون عربية، وهو ما تجلى في الحملة الغربية الشرسة لفضح ما يزعم أنه تجاوزات في ملف استضافة قطر للمونديال، نعم هناك تجاوزات حدثت، ومساع نجحت لاستخدام السياسة والاقتصاد في دفع الملف القطري إلى الأمام في مواجهة الملفات المنافسة له لاستضافة نفس البطولة مثل الملف الأميركي والأسترالي والياباني، لكن السؤال الهام، هل اقتصرت التجاوزات على الملف القطري فقط دون غيره؟

لعنة الملف القطري تمتد إلى اثنين من كبار الحيتان الكروية في الفيفا، هما التريندادي جاك وارنر رئيس اتحاد أميركا الشمالية لكرة القدم ونائب رئيس الفيفا السابق، الذي قيل في وصفه، إنه لا يوافق على زواج ابنه قبل أن يحصل على عمولة من أسرة العروس، والأميركي تشاك بليز أمين عام اتحاد الكونكاكاف

الاجابة بالتأكيد ستكون بالنفي، لأن التجاوزات في مسألة إسناد تنظيم بطولات الفيفا تحدث منذ سنوات طويلة، واسألوا بلاتر نفسه كيف فازت ألمانيا بتنظيم مونديال 2006 متفوقة على جنوب أفريقيا، ولماذا امتنع النيوزيلندي تشارلز ديمبسي عضو المكتب التنفيذي للفيفا وقتها عن التصويت مخالفا أمرا صريحا من حكومة بلاده بالتصويت لصالح جنوب أفريقيا، ليمنح الفرصة لتقدم ألمانيا على منافستها 12-11 ويعفي بلاتر من ترجيح كفة الدولة الأفريقية التي كان قد وعد بتنظيم المونديال بها ردا على دعم القارة له في انتخابات رئاسة الفيفا عام 1998 في مواجهة السويدي لينارت يوهانسون.

المدهش أن الملف الملاصق لملف قطر وهو روسيا 2018 يتضمن تجاوزات أكبر بكثير من تلك التي يمكن أن توجه للملف القطري، فلأول مرة في تاريخ المونديال تمنح دولة ما حق استضافة كأس العالم بناء على مشروعات افتراضية لم ينجز منها أي شيء على أرض الواقع حتى ساعة التصويت على منحها الاستضافة، فقد قدمت روسيا خطة طموحة لبناء 12 ملعبا تقام عليها مباريات المونديال لم يكن جاهزا منها وقت التصويت على الملف سوى ملعب واحد، مقابل 11 ملعبا سيجري بناؤها، والمفارقة أن أيّا من الملاعب الأحد عشر لم يكتمل بناؤه حتى وقت كتابة هذه السطور، بينما يفترض أن تكون جاهزة لاستضافة مباريات كأس القارات بعد عامين بالتمام والكمال، ثم مباريات المونديال نفسه بعد ذلك بعام إضافي.

لعل هذه الازدواجية في التعامل والتي تظهر بوضوح أكبر في تصريحات غريك دايك رئيس الاتحاد الإنكليزي وجون وايتينجديل وزير الرياضة والثقافة والإعلام البريطاني اللذين ركزا هجومهما على الملف القطري رغم أن ملف بلدهما خسر أمام روسيا وليس أمام قطر، فضلا عن أن سحب التنظيم من قطر، إذا حدث لن تستفيد بريطانيا أو قارة أوروبا كلها شيئا من وراء ذلك، لأن البطولة ستقام في آسيا وفقا لمبدأ المداورة الذي اتبعه الفيفا منذ سنوات.

طبخة بطعم لاذع

الأمر شبه المؤكد أن هناك “طبخة” يجري إعدادها في عدد من المطابخ الغربية لسحب تنظيم مونديال 2022 من قطر، لكن المشكلة التي تعطل الإعلان عنها هي الطبق الذي ستقدم من خلاله ليكون لاذعا لدرجة لا تمكّن الذواقة من الالتفات لبعض مكوناته الفاسدة.

المعايير الأخلاقية التي تتشدق بها الدول الغربية لا تحضر إلا في مواجهة الدول الصغيرة، خصوصا عندما تكون عربية

أولى العقبات تتمثل في البحث عن آلية مناسبة لسحب التنظيم في ظل أنه لم يسبق للفيفا أن قام بإجراء مماثل مع أيّ دولة استضافت المونديال عبر تاريخه، وحتى المرة الوحيدة التي تغيرت فيها الدولة المنظمة لكأس العالم للرجال عام 1986 كان سبب التغيير اعتذار كولومبيا عن استضافة البطولة لأسباب اقتصادية فتم إسناد التنظيم إلى المكسيك.

العقبة الثانية تتمثل في وجود عقود ملزمة بين الفيفا والحكومة القطرية تتضمن غرامات باهظة في حالة سحب التنظيم منها، ما يعني أنه في حالة الإصرار على تجريد قطر من حق استضافة البطولة يجب على الفيفا التفكير في كيفية تدبير المبالغ المطلوبة لتعويض الدولة الخليجية عن خسائرها بسبب القرار.

العقبة الثالثة في سيناريو التضحية بقطر كيفية سحب مونديال 2022 فقط، دون التطرق إلى مونديال 2018 رغم أن كل التحقيقات والاتهامات طالت الملفين معا، ما يعني أن أيّ محاولة لإعادة التصويت من جديد، يجب أن تتضمن البطولتين وليس مونديال قطر وحده، الأمر الذي سيغضب روسيا ورئيسها القوي بوتين مما ينقل الأزمة إلى مناطق جديدة يتداخل فيها الرياضي بالسياسي وربما العسكري أيضا، وهو ما لا تريده الدول الغربية التي “تنكش” في ملف المونديال القطري.

أمر آخر يثير الضحك من الأوروبيين أكثر مما يثير القلق على مصير المونديال الملعون، يتمثل في الأزمة المفتعلة حول موعد إقامته واعتراض دول أوروبية عديدة على إقامته في الصيف في بلد تصل درجة الحرارة فيه إلى 45 درجة مئوية في الظل.

مبعث السخرية أن الأمر لم يكن سريّا وقتما صوّت أعضاء المكتب التنفيذي للفيفا لصالح قطر، من بينهم ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي نفسه، كما أن الفيفا وافق على إقامة مباريات عديدة في مونديالي المكسيك 1986، وأميركا 1994 في أوقات الظهيرة في درجات حرارة لا تحتمل، وملعب مغلق في مونديال أميركا هو ملعب سيلفر دوم في ولاية ميتشغان، بضغوط من شبكات التليفزيون الأوروبية الناقلة للبطولتين.

أما الاتهامات الموجهة للقطريين بسوء معاملة العمال الذين يشاركون في بناء منشآت المونديال فهي قصة ثانية وحق يراد به باطل، فإذا كان الفيفا رحيم القلب لهذه الدرجة فلماذا لم يحرك ساكنا وهو يتابع حكومة البرازيل تنفق 11 مليار دولار على تنظيم مونديال 2014 بينما مئات الآلاف من سكانها يحتجون على إهدار الأموال المخصصة للإنفاق على الصحة والتعليم في غير محلها.

15