موعد قريب مع تيك توك

تصلني يوميا روابط يبعثها أصدقاء لمقاطع فيديو من تيك توك. المشاركة ركن أساسيّ في الشبكات الاجتماعية. كانت النكات المرتبطة بصورة أو نص أكثر تداولا. ثم صارت روابط الفيديوهات السياسية والهزلية هي الأكثر. هذه الروابط بدأت تنتشر على يوتيوب ثم كبوستات على فيسبوك، لكن روابط تيك توك شيء آخر.
الإغراء هو أن تُثبّت التطبيق وتتفرج. إلى حدّ الآن أقاوم هذا الإغراء. لقد خبِرْت ما يمكن أن يسبّبه التطبيق من إدمان. ما إن يصلك الرابط وتفتحه حتى يأخذك إلى آخر وآخر. تريد أن ترى ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي من اختيار وتوجيه؟ راقب مستخدما لتيك توك.
في جلسات مع أصدقاء، لاحظت قدرة التطبيق على اجتذاب المستخدم. زارني صديق قبل فترة. جلسنا نتحدث في شؤون الدنيا والعمل والصحافة. تحركت إلى المطبخ لآتي بصحن أو كأس. عندما عدت كان يتفرج على فيديو تيك توك وصله للتو. الهاتف على صوت الاستماع، ومع الشاشة الكبيرة كان أشبه بمحطة تلفزيون محمولة؛ محطة تلفزيون تبث برامج هزلية حقيقية ومركبة ومفتعلة، جيدة ومتوسطة الجودة وسخيفة.
جلست لأستكمل الحديث. كان صديقي بصدد الدخول في حالة شرود. إصبعه يقلب ويقلب ويقلب من على شاشة تطبيق تيك توك. لاحظت أنه بمزاج مختلف تماما. حقيقة لم أتمكن من تشخيص ما إذا كان مستمتعا أم يستبدل مشهدا مضحكا بآخر، أم مشهدا مملا بمشهد ممل تالٍ.
استمر الأمر أكثر من ساعة وأنا أراقب وأتجاوب. لم يتوقف عن تقليب الفيديوهات. كان في وادٍ آخر تماما. في بعض الأحيان يحس بأن المشهد قدْ يهمّني فيحرك ذراعه لا إراديا ومن دون تعليق ليقرب إليّ شاشة الهاتف. ثم يعود ويبعد الهاتف. كان منفصلا عني تماما بشكل لا إرادي.
تكرر الأمر مع أكثر من صديق. تيقنت من قدرة تيك توك على خلق نوع من الإدمان العقلي لا يمكن مجاراته. في السابق، كان القارئ يمسك كتابا ويقرأه. ثم ساعدت الصحافة على القراءة المستعجلة، ولعل مفردة صحافة تشي بالتصفح المطلوب وليس التعمق. نمر سريعا على الخبر وننتقل إلى الآخر. ومع عصر الإنترنت، صار الضغط على الروابط باستعجال وقبل الانتهاء من قراءة الأخبار أو التقارير هو نسق التعامل مع مواقع الإنترنت. عقولنا تتأقلم مع السرعة والتغير. تنتقل من مرحلة إلى أخرى إلى درجة يصعب معها تخيل العودة إلى المرحلة التي تسبقها.
أعتقد أن تيك توك هو القفزة العقلية الجديدة. كانت الأعين تلتقط الأسطر في المواضيع على الإنترنت، وتتحرك بعيدا بعد دقائق. ثم صارت تتصفح بسرعة فائقة الصور ولا تتوقف عندها كثيرا. اليوم العين والأذن والعقل تعمل معا للقيام بعملية تصفح بصرية وسمعية وذهنية فائقة. هناك فهرس عقلي عميق ولّده تيك توك في ذهن المستخدم يجعله ينتقي ويقلب بسرعة ودون ملل. أعتقد أن المستخدمين لا يتوقفون إلا حين يتعبون أو ينتبهون إلى أن من يجلس بجانبهم يبتسم أو يتذمر مما يحدث.
مرتيْن على الأقل كنت بصدد تثبيت التطبيق على هاتفي ثم أتردد. أنا واثق من أني سأضعف في النهاية وأستسلم. مدمنو تيك توك سيزيدون واحدا قريبا.