موسم "سيلفي"

العديد من الفئات والفاعلين في العمل الخيري، تخزّن عملها لأجندات غير بريئة تستهدف منها تحقيق مكاسب متنوعة، ولذلك تجد في المواسم الدينية فرصا سانحة لبلوغ أغراضها، مستدلة في ذلك بأكوام من “السيلفيات” التي تأخذها مع من قهروا مرتين: الأولى لما صنعت منهم السياسيات الاجتماعية والاقتصادية مخلوقات على الهامش، والثانية لمّا صاروا وقودا لحملات مرضى النفوس، فيستغلون أوضاعهم لأخذ صور معهم، قبل أن يسلّموهم غرضا يعينهم على تجاوز مصاعب هذا الموسم أو ذاك.
باستثناء جبهة الإنقاذ المحظورة في الجزائر، التي كانت صريحة في تسعينات القرن الماضي، فنظمت ما عرف آنذاك بـ “أسواق الرحمة”، التي ينشّطها تجّار يكتفون بهامش ربح بسيط جدا، من أجل ضمان قدرة شرائية للجميع، وذلك من أجل استمالة الشارع تحسبا للاستحقاقات الانتخابية، فإن فعاليات كثيرة اشتركت وتشترك معها في المقصد، لكنها لا تملك الجرأة لقول الحقيقة للناس.
لا يختلف اثنان في الجزائر على أنه رغم الظروف الصعبة التي تعتري مسار الدولة والمجتمع معا، إلا أن جذوة التضامن والتكافل الاجتماعيين تبقى مشتعلة رغم العوائق الاقتصادية وموجة التضخم وتراجع القدرة الشرائية، فلا يخلو حي أو مدينة أو قرية من مبادرة خيرية تنظم الإفطار المجاني للمعوزين والمحتاجين، وحتى العمال والطلبة خارج إقاماتهم وعابري السبيل يجدون الفضاءات التي تحتضنهم، فتذوب الفوارق والمشاعر بين العامل والطالب والمسافر والمعوز في المائدة الواحدة.
لكن إفراغ العمل الخيري من كرامة المستفيد، ومحاولة تعبئته لأغراض مختلفة، تبدأ من التقاط “سيلفي”، بدأ يثير النفور والاشمئزاز سواء لدى المعنيين به أو الفاعلين أو القائمين على شأنه، وهو ما يهدد قيمة روحية وأخلاقية في المجتمع، باتت تقاوم دفاعا عن نفسها، بدل أن تتفرغ للعمل على توسيع إحسانها وتجذيره.
ورغم أن للمسألة أبعادا اقتصادية واجتماعية، لم تجد طريقها للتكفل النسبي أو التدريجي، لأن مسؤولية الدولة هو امتصاص درجة العوز وتقليصها، والعبرة في الأرقام وليس الخطابات السياسية، فإن المصالح الاجتماعية لا تتخلف في أي موسم ديني أو اجتماعي في التكفل الممكن بتلك الفئات، لكن بقاء نفس العدد أو ارتفاعه يحيله المختصون إلى خلل في توزيع الثروة.
وفوق ذلك يغطي المحسنون والمتبرعون فجوات مختفية، من خلال أعمال تحاول توفير نفس الأجواء والمشاعر للمحتاجين والمعوزين في المواسم والأعياد، لولا النوايا غير البريئة، التي باتت تستغل العمل الخيري لبلوغ أغراض تتراوح بين الطموح الانتخابي والسياسي وبين المكانة الاجتماعية والأضواء، فدخل “سيلفي” كمحضر إثبات حالة، تصنف في ألبوم السيرة.
منذ جائحة كورونا، ظهرت نوايا السلطة الجزائرية في احتكار العمل الخيري والتضامني، عبر بوابة الهلال الأحمر، تفاديا لأيّ توظيف أو تأويل يغرد خارج سربها، إلا أن الطبيعة الإدارية والبيروقراطية لمثل تلك الهيئة، لا تختلف في مقصدها عن النوايا الأخرى، وكان الأجدر وضع آليات تطهر العمل الخيري من الدخلاء والانتهازيين وتحفظ كرامة الناس، بدل إعطاء الانطباع بإقصاء المنافسين.
مجتمع خَيّر، وقيمة الخير متجذرة فيه، لكن لا ضير في مراجعتها بشكل ينظم العمل الخيري، ويخرجه من الفوضى والاستغلال المغرض، والهدف الأسمى الذي يعتبر المقياس الوحيد، أن يصبح محتاج هذا الموسم هو متبرع الموسم القادم، وحينها فقط يكون التطوع والتبرع قد حققا مبتغاهما.