موجة ضغوط تونسية لإصلاح أوضاع العاملات في قطاع الزراعة

تزايد المطالب لمراجعة منظومة كرست التهميش الاقتصادي للنساء، ومنظمات تعتبر منظومة "احميني" عديمة الجدوى والفاعلية مقارنة بأزمة مزمنة وعميقة.
الثلاثاء 2020/05/12
معاناة مستمرة صيفا وشتاء

طفت معضلة وضعية النساء العاملات في الزراعة التونسية مرة أخرى على سطح الأزمات بعد أن دقت الأوساط الاقتصادية جرس الإنذار بسبب تزايد الأخطار التي يتعرضن لها وخاصة تلك المتعلقة بحوادث المرور خلال نقلهن إلى المزارع بسبب غياب القوانين التي تضمن حقوقهن بفعل تقاعس الحكومات المتعاقبة عن معالجة المشكلة.

تونس - صعدت منظمات تونسية من مستوى ضغوطها على الحكومة لوقف نزيف موت العاملات في القطاع الزراعي جراء حوادث طرقات شنيعة بفعل غياب الرقابة القانونية لعمليات التعبئة العشوائية في الشاحنات واستفحال أنشطة النقل الجماعي خارج الأطر القانونية، فضلا عن اهتراء البنية التحتية مما تسبب في كوارث سنوية يحصى فيها هلاك العشرات من العاملات.

وطالب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية وجمعية أوكسفام تونس غداة حادث أليم لشاحنة زراعية بمحافظة سيدي بوزيد وسط غرب البلاد خلف ثمانية جرحى الحكومة بإقرار خطة شاملة لوقف كل مظاهر العمل الهش للنساء في القطاع الزراعي وغيره من القطاعات.

وقال رمضان بن عمر المسؤول عن الإعلام والاتصال بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح خاص لـ”العرب” إن “النساء العاملات في الزراعة هن الفئة الأكثر عرضة لدفع كلفة اجتماعية باهظة اليوم رغم مرابطتهن في الخطوط الأمامية في مواجهة وباء كورونا من خلال الحرص على توفير كل المنتجات الزراعية حتى لا تنقطع من الأسواق”.

وتمثل نسبة النساء العاملات في القطاع الزراعي نحو 70 في المئة من اليد العاملة الجملية وتعددت طيلة سنوات حوادث سير شنيعة حصدت أرواح العشرات منهن خلفت منذ العام 2015 حتى العام الجاري 40 حالة وفاة و520 جريحا وفق إحصائيات رسمية.

وكان من بين الحوادث المروعة ذلك الذي جدّ العام الماضي في ما عرف إعلاميا بـ”فاجعة السبالة”، وهي منطقة بولاية سيدي بوزيد، والذي أودى بحياة 15 عاملة وأحدث موجة غضب واستنكار كبيرة داخل الأوساط الاجتماعية واحتجاجات كثيفة.

رمضان بن عمر: معاناة المزارعات دليل على فشل الاقتصاد الرسمي في استيعابهن
رمضان بن عمر: معاناة المزارعات دليل على فشل الاقتصاد الرسمي في استيعابهن

وتحركت منظمات تونسية عديدة ونظمت تحركات احتجاجية في العاصمة وعدد من الولايات الداخلية مساندة للعاملات وللضغط على الحكومة لوقف نزيف الموت وتخليص النساء من شبح الفقر وضمان حقوقهن في التغطية الاجتماعية والعيش الكريم.

وأطلق رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد آنذاك منظومة وطنية تحت عنوان “احميني” لتسهيل دخول النساء العاملات في الزراعة في منظومة الضمان الاجتماعي من خلال بوابة ذكية، غير أنها قوبلت بموجة من الانتقاد واعتبرتها منظمات إجراءات عديمة الجدوى والفاعلية مقارنة بأزمة مزمنة وعميقة.

وفي هذا السياق أكد المسؤول بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن “العاملات في القطاع الزراعي يعملن خارج النطاق الرسمي للقانون ولا يتم تسجيلهن وتنظيمهن وفق تشريعات العمل التونسية ولا في منظومة الحماية ويعانين من تدني الأجور وعدم مساواتهن في الأجر مع الرجال ما يجعل منظومة احميني غير قادرة على معالجة كل هذه الإشكاليات مجتمعة”.

واعتبر أن “معاناة النساء المزارعات من عدم الاستقرار المهني هي التي تفسر لجوءهن إلى هذا القطاع رغم كل الانتهاكات، وهي إجابة صريحة على فشل الاقتصاد الرسمي في استيعابهن وفشل التشريعات في حمايتهن”.

وشدد على أن “القطاع في حاجة إلى آلية عملية وفعلية ملموسة نابعة من حاجيات هذه الفئات الاجتماعية الكادحة للكرامة والحقوق المكفولة دستوريا، فهذه المنظومة تلامس جانبا واحدا وهو التغطية الاجتماعية وبإجراءات نعتقد أن فيها الكثير من البيروقراطية وغير متاحة لجميع النساء اللواتي لديهن طموحات أكبر من طرف الدولة”.

ونوهت المنظمات إلى وجود عوامل جانبية تزيد في هشاشة هؤلاء النساء كنقص الخدمات العامة الجيدة في المناطق الريفية مثل الطرقات ووسائل النقل والمراكز الصحية الأساسية إلى جانب توفير الماء ووجود الشرطة المحلية لمراقبة المخالفين.

وتتميز سيدي بوزيد بارتفاع البطالة عموما بحوالي 17.7 في المئة لتتجاوز المعدل التراكمي العام البالغ 15.1 في المئة خلال العام الماضي وترتفع هذه النسبة في صفوف النساء إلى 28.5 في المئة، حسب أحدث الإحصائيات، وهو ما يفسر إقبال العديد منهن على القطاعات غير المهيكلة.

ويطرح ملف المرأة العاملة في القطاع الزراعي في بعده الحقوقي تساؤلات عديدة، حيث إنه رغم ترسانة القوانين والتشريعات وآخرها القانون الصادر في 2017 ويتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة إلا أن المرأة المزارعة لا تزال في مواجهة سيل الصدمات من الموت والفقر والاستغلال المهني من طرف تجار الأزمات والباحثين عن يد عاملة رخيصة مستغلين غياب الرقابة الحكومية الفعلية.

ويطغى على القطاع الزراعي في تونس النشاط غير المنظم ومحدودية التأطير النقابي والتدخل الضعيف والمحدود للمجتمع المدني والحقوقي وهو ما يضاعف انعدام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في القطاع.

المزارعات ضحية الوضع الاقتصادي والاجتماعي
المزارعات ضحية الوضع الاقتصادي والاجتماعي 

وتمثل الزراعة نحو 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في تونس وهي نسبة مهمة يرى خبراء أن نهوضا فعليا بالقطاع ووضعية العمالة فيه وخصوصا النساء سيساهم في تنمية الزراعة ودعم إيراداتها على الاقتصاد.

وأشار بن عمر إلى أن “المزارعات ضحية الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي شهد أزمات كبيرة ومتواصلة خاصة ما بعد ثورة يناير 2011 نتيجة تعمّق الفوارق الاجتماعية وارتفاع نسب الفقر والبطالة والهشاشة في المناطق الريفية مما انعكس بأكثر حدة على المرأة العاملة في الوسط الريفي“.

واعتبر المسؤول أن هناك غيابا لإرادة سياسية لحماية النساء العاملات في القطاع الزراعي رغم الدعاية الإعلامية ورغم أن وضعية المرأة، وحمايتها من كل أشكال الانتهاك والاستغلال، كانت عناوين لوعود انتخابية ومحل تنافس سياسي دون أثر فعلي ملموس لدى هذه الفئات.

ويؤكد المنتدى التونسي وغيره من المنظمات المحلية فشل الحكومات في إصلاح القطاع الزراعي والنهوض بوضعية العاملات فيه، حيث يقول رمضان بن عمر في هذا السياق إن إصلاح القطاع الزراعي مرتبط بمراجعة لسياسات اقتصادية واجتماعية وخيارات استراتيجية خاصة تهم القطاع.

ودعا المنتدى إلى مراجعة عميقة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية وبلورة تصوّر أفضل لدور الزراعة في دعم الاقتصاد المحلي وإلى تمكين اقتصادي للمرأة في الوسط الريفي وإرادة سياسية في تفعيل القوانين وردع المخالفين والمنتهكين لحقوق العاملات.

11