مواجهة أميركية إيرانية على أراضي العراق

بغداد – تعهد أبومهدي المهندس الرجل الثاني في الحشد الشعبي بتوجيه رد قاس ضد القوات الأميركية في العراق بعد هجوم الأحد ضد مواقع لكتائب منضوية تحت لواء الميليشيا الشيعية الموالية لإيران، ما يجعل العراق في حالة ترقب بانتظار اندلاع المواجهة بين واشنطن وطهران على أراضيه.
فيما اعتبر المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني أن السلطات الرسمية العراقية هي وحدها المعنية بالتعامل مع القصف الأميركي واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنعها. في إشارة إلى عدم السماح للميليشيات بأعمال عسكرية، مطالبا في بيان “عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتدخل الآخرين في شؤونه الداخلية”.
وذكرت مصادر أمنية عراقية وأخرى من ميليشيا الحشد الشعبي أن ما لا يقل عن 25 مقاتلا لقوا حتفهم وأصيب ما لا يقل عن 55 آخرين في ثلاث ضربات جوية أميركية في العراق مساء الأحد.
وقال جمال جعفر إبراهيمي، المعروف بالاسم الحركي أبومهدي المهندس، إن “دماء الشهداء لن تذهب سدى وردنا سيكون قاسيا جدا على القوات الأميركية في العراق”. ونددت إيران بالضربات بشدة واعتبرتها “إرهابا”.
ونفى المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، أي دور لبلاده في الهجوم على القوات الأميركية، متهما واشنطن بأنها تعمل على خداع الرأي العام الدولي باعتبارها الهجوم على قوات الحشد الشعبي في العراق “عملية دفاعية”.
من جانبه، ندد رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي، الاثنين، بالضربات الجوية الأميركية، وقال إن الهجوم غير مقبول وستكون له عواقب وخيمة.
وتشير المعلومات الاستخبارية إلى أن الغارة التي نفذها الجيش الأميركي ضد مقرات فصائل عراقية مسلحة تابعة للحشد الشعبي، مساء الأحد، في أقصى غرب الأنبار، استهدفت نخبة مقاتلي كتائب حزب الله العراقي، وأتت على كدس من الصواريخ الذكية، ذات المدى المتوسط، لكن موقع الهجوم يشرح سعي الولايات المتحدة إلى اختيار أهداف بعيدة عن المركز، حيث التأثيرات السياسية لهذا النوع من العمليات يمكن أن تكون كبيرة، وأن أبرز تلك الأهداف توجيه رسائل قوية لإيران وحلفائها عن قدرتها على الردود القوية.
وتوصف كتائب حزب الله بأنها نخبة قوات الحشد الشعبي، ويقودها مباشرة رئيس هيئة أركان الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، وتتلقى التدريب والسلاح والتمويل من الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر.
ووفقا لمعلومات استخبارية، فإن الكتائب هي المسؤولة عن معظم الهجمات التي طالت منشآت ومعسكرات تستضيف قوات أميركية في العراق خلال العام الجاري، بما في ذلك استهداف قاعدة عسكرية في مدينة كركوك الجمعة الماضي، تسبب في مقتل متعاقد أميركي.
وعندما أسقطت إيران طائرة أميركية مسيرة فوق الخليج العربي، في يونيو الماضي، عدلت الولايات المتحدة من شروط اشتباكها في المنطقة، لتصبح مقتل مواطنين أو جنود أميركيين بنيران إيران أو حلفائها، بعدما كانت “تعرض منشآت أو مصالح أميركية لاعتداءات إيرانية”.
لذلك، عندما سقط المتعاقد الأميركي في قاعدة كركوك العسكرية خلال الغارة التي لم يتبنها أي فصيل، لكن أصابع الاتهام وجهت نحو كتائب حزب الله، أيقن كثيرون أن الولايات المتحدة سترد، لاسيما أنها حذرت قبل أسبوعين فقط من التصعيد الإيراني ضد مصالحها في العراق.
ففي السادس عشر من الشهر الجاري، اتصل وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر برئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي، لـ”يعرب عن قلقه إزاء تعرض بعض المنشآت للقصف، طالبا في نفس الوقت اتخاذ إجراءات لإيقاف ذلك”.
وجاء اتصال أسبر بعد نحو أسبوع من تعرض منشأة عسكرية قرب مطار بغداد تستضيف جنودا أميركيين وإيطاليين وإسبانيين وأستراليين إلى هجوم صاروخي مركز، تسبب في سقوط عدد من الجرحى.
ووفقا لمعلومات حصلت عليها “العرب” من مصادر مطلعة، فإن الخارجية الأميركية، أرسلت مسؤولا بارزا في سفارة واشنطن ببغداد إلى مكتب وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري، صباح الأحد، للسؤال عن خطة الحكومة العراقية للرد على الهجوم الذي استهدف القاعدة العسكرية في كركوك، لكنه اكتشف أن بغداد لم تضع أي خطط لهذا الأمر.
وتؤكد المصادر أن الولايات المتحدة اختارت تنفيذ خطة واحدة بشكل عاجل، من نحو 35 خطة موضوعة للتعامل مع تطور وضع الميليشيات الموالية لإيران في العراق، استجابة للهجوم على القاعدة العسكرية في كركوك، مشيرة إلى أن لائحة الرد العاجل تتضمن أهدافا أخرى قد يجري التعامل معها في أي لحظة.

ويقول مراقبون إن مستوى التصعيد في هذه الأزمة محكوم بمعادلة الاستجابة الإيرانية، إذ تقول كتائب حزب الله إن ردها سيشمل المصالح الأميركية في العراق ودول أخرى، ما يهدد بتوسيع نطاق المواجهة، وزيادة الموارد المخصصة لها.
ويقول خبراء إن الولايات المتحدة الأميركية ربما تواجه بعض المصاعب في حماية القواعد العسكرية التي تشغلها في كل من نينوى وصلاح الدين، لكنها تمتلك الأفضلية في الدفاع عن قواعدها في الأنبار، في حال اتسع نطاق المواجهة.
وتعرضت القواعد التي تشغلها القوات الأميركية في هاتين المدينتين فضلا عن بغداد إلى العديد من الهجمات خلال الشهور الثلاثة الماضية، من دون أن تتمكن الولايات المتحدة من الإمساك بالفاعلين ولو لمرة واحدة. لكنها أمسكت بالمخطط للهجوم الوحيد على قاعدة عين الأسد في أقصى غرب الأنبار في الثالث من الشهر الجاري، ما يسلط الضوء على أفضليتها الاستراتيجية في هذه المنطقة.
وتقول مصادر مطلعة إن قاعدة عين الأسد تضم حاليا جيشا أميركيا صغيرا يحتكم على معدات وآليات قتالية تمكنه من الصمود مدة طويلة، بغض النظر عن نوعية العدو.
ومنذ زوال خطر التنظيمات الإرهابية، تركز مراكز الأبحاث الأميركية على اكتشاف أوجه الشبه بين التنظيمات السنية المتطرفة والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، لاسيما ما يتعلق بقواعد الاشتباك ونوعية السلاح وخطط القتال.
وتكبدت الولايات المتحدة بين 2004 و2007 خسائر كبيرة في العراق على أيدي مقاتلين متطرفين من تنظيم القاعدة وجماعات محلية سنية عديدة، فضلا عن ميليشيات شيعية مثل جيش المهدي وعصائب أهل الحق.
لكن مراقبين يقولون إن الولايات المتحدة لن تضطر إلى العودة إلى حرب العصابات والشوارع التي اختبرتها في أزقة مدينة الفلوجة العام 2004، بسبب كم المعلومات الذي تحتكم عليه عن المجموعات العراقية ومستويات تمويلها وتسليحها. ومع وجود عنصر الطائرات المسيرة، يمكن أن تتحول العمليات العسكرية الأميركية القادمة في العراق إلى مجرد مطاردات جوية لأهداف ثمينة، يصعب عليها التخفي أمام عمليات بحث ومراقبة تصل النهار بالليل.
اقرأ أيضا: