مهرجان سينما الريف يجوب المناطق المنسية في تونس

تونس - تحت شعار اللامركزية الثقافية، تستعد مدينة المكناسي من محافظة سيدي بوزيد (وسط تونس) لاحتضان فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان سينما الريف، من السادس من سبتمبر الجاري وحتى العاشر منه بالفضاءات العامة بأرياف مدينة المكناسي وهي: المش، الكرمة، المبروكة والنصر.
وأعلنت إدارة المهرجان، في بيان لها، أن هذا الحدث الثقافي يأتي تكريسا لثقافة بديلة وتعميما للفن السابع بالجهات المنسية، بمبادرة من جمعية “فن في المكناسي”، بالشراكة مع مركز الفنون الدرامية والركحية بسيدي بوزيد، وجمعية البديل الثقافي وبدعم من “تفنن – تونس الإبداعية”.
وانطلقت الدورة الأولى لمهرجان سينما الريف سنة 2018 تلتها دورة ثانية 2019، ونظرا للظروف الصحية والسياسية التي شهدتها تونس، تأجلت الدورة الثالثة للمهرجان إلى 2021.
وبذلك تكون هذه الدورة استثنائية ببرمجة محلية لأفلام وثائقية تتناول قضايا اجتماعية واقتصادية هامة، كالفلاحة، الموارد المائية، السيادة الغذائية، الهجرة غير القانونية والحراك الشعبي.
وتهدف هذه الدورة إلى تقريب وجهات النظر بين مخرجي الأفلام المقترحة، وبعض النشطاء المهتمين بالمواضيع المطروحة، من خلال العروض وحلقات النقاش التي تليها في الساحات العامة بالأرياف مع عموم المواطنين.
وتتخلّل هذه الدورة برمجة موازية لأفلام تحريك موجهة لأطفال الجهة على غرار الدورات السابقة، تحت عنوان “سينما ريف الأطفال”.
وتتمثل قائمة الأفلام الوثائقية المبرمجة في الدورة الثالثة لمهرجان سينما الريف في أفلام “عالسّكة” للمخرجة أريج سحيري، و”على هذه الأرض” للمخرج عبدالله يحيى، و”كسكسي حبوب الكرامة” للمخرج حبيب العايب و”أصوات من القصرين” للمخرجة ألفة لملوم، و”الحال زين يا للا” للمخرجة رباب مباركي، و”ديبورتاتو” للمخرج حمادي لسود، و”الأرض المرة” للمخرج محمد بوكوم و”جيل مانيش مسامح” من إنتاج نواة والوثائقي الطويل “عطاشى تونس” للمخرج رضا التليلي.

مهرجان سينما الريف يأتي تكريسا للامركزية الثقافية وتعميما للفن السابع بالجهات التونسية المنسية
ويسلّط فيلم “عطاشى تونس” الضوء على واحدة من مآسي تونس ألا وهي معضلة الماء الذي بات عملة نادرة في العديد من القرى والجهات التونسية التي لا يبعد البعض منها أكثر من عشرين كيلومترا على العاصمة.
ويؤكّد الفيلم الوثائقي من خلال مجموعة من الشهادات الحيّة المعاناة التي يرزح تحتها الآلاف من المواطنين التونسيين بسبب التهميش المائي الذي تقترفه الدولة.
وعن الدوافع وراء إنجازه للفيلم، يقول التليلي “أنجزت هذا الوثائقي في محاولة لتحريك المياه الراكدة.. كيف يصارع الآلاف من التونسيين من جنوب البلاد إلى شمالها للحصول على القليل من الماء. قرى في الجنوب لا يصلها الماء، واحات الجريد لم تعد صالحة للزراعة، أحياء هلكت بسبب سوء التصرّف في الماء، عيون طبيعية في الشمال مهدورة، قرى محاذية للسدود سكانها عطشى”.
وتقتفي كاميرا التليلي في “عطاشى تونس” أثر جغرافيا الأرض المنهكة، من الجنوب نحو الشمال راسمة خطا افتراضيا للفقر المائي، من توجان إلى نفطة مرورا بالرديف وصولا إلى الوسلاتية وجندوبة وطبربة وسجنان.
أكثر من عشر جهات حطت فيها الكاميرا رحالها لنقل صوت من يعانون العطش والجفاف بعد فقدان الماء الصالح للشراب بسبب انعدام السياسات الكفيلة بتخزين وتوفير مياه الري.
ومع ارتكاز الفيلم على الشهادات في تطوّر بنيته السردية، فإنه تعمّق في تمش غير مرئي أبرز معنى غياب الدولة وعزوفها عن دورها في القطاع المائي. غياب قاد البلد إلى كارثة حقيقية، مدمرا في طريقه الأرض والإنسان والماء والحيوان.
ويعدّ “عطاشى تونس” الفيلم الوثائقي الخامس للمخرج التليلي بعد “ثورة غير درج” في 2011، و”جهة” 2012، و”المراقبة والعقاب” 2014 و”تنسى كأنك لم تكن” 2017، وهي أفلام تجتمع حول تصوير معاناة الشباب وكشف الهوة العميقة في توزيع الثروة وتسلط الضوء على ظواهر مسكوت عنها في تونس ما بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011.