مهرجان الضحك لم يعد يضحك الجزائريين

تحولات اجتماعية مؤلمة عمقت الفجوة بين الجمهور والفنان.
الأربعاء 2023/07/19
المهرجان يعرف وتيرة متذبذبة في التنظيم

تراجعت شعبية المهرجانات الفنية والثقافية بالجزائر في السنوات الأخيرة، وصار الحضور يقتصر على المدعوين والمختصين، كما حدث مع المهرجان الفكاهي؛ فإلى جانب أن التظاهرات انغلقت على نفسها في الفضاءات النخبوية وابتعدت عن الأماكن العامة، لم يعد الجمهور يوليها اهتماما بسبب التحولات الاجتماعية والاقتصادية، حيث صار الاهتمام مركزا على مقاومة ضغوط الحياة العامة التي لم تترك مجالا للترفيه أو الضحك.

الجزائر - كشف المنظمون لمهرجان الجزائر الدولي للضحك أن حفل افتتاح الطبعة الخامسة المنتظمة بالعاصمة استقطب نحو ألف متفرج، لكنهم لم يوضحوا ما إذا كان هؤلاء من عموم الشارع الجزائري أم أنهم المدعوون والناشطون في هذا المجال، خاصة وأن المهرجان يعرف وتيرة متذبذبة في التنظيم، ولم يثبت منذ تأسيسه على مواعيد محددة.

 ويبدو أن مهرجان الضحك لم يعد يضحك الجزائريين، رغم حاجتهم الطبيعية إلى لحظات الترفيه والتخلص من ضغوط الحياة اليومية، ولذلك لم يعد مهرجان الضحك يستقطب الأعداد المعهودة من المتفرجين والمتابعين، ليدخل بذلك خانة التظاهرات النخبوية والمناسباتية.

واللافت أنه منذ جائحة كورونا التي ضربت العالم تراجعت شعبية التظاهرات الجماعية بشكل ملحوظ، وتحت ضغط الحياة اليومية بات الاهتمام الشعبي مركزا على مواجهة ضغوط المعيشة، حتى لو كان الضحك هو إحدى وسائل الهروب من الواقع.

تغير الواقع

مهرجان الضحك لم يعد يستقطب الأعداد المعهودة من المتفرجين والمتابعين ليدخل بذلك خانة التظاهرات النخبوية والمناسباتية
مهرجان الضحك لم يعد يستقطب الأعداد المعهودة من المتفرجين والمتابعين ليدخل بذلك خانة التظاهرات النخبوية والمناسباتية

يرى مختصون أن الضحك لم يعد يضحك، لأنه افتقد لأحد مقوماته، وهو الإيحاءات والنكت السياسية، التي كانت تشكل عمود الفكاهة الشعبية، بسبب تراجع مساحة حرية التعبير، وفقد رسامو الكاريكاتير مواقعهم في الصحف والمواقع الإخبارية بسبب تضييق مجال الحريات، كما أن الفكاهيين افتقدوا أيضا إلى أحد المناحي الأساسية في فن الفكاهة، وهو النقد والنكتة السياسية.

ويعتبر هؤلاء أن تراجع شعبية المهرجانات الفنية بشكل عام لا يعود فقط إلى الترتيب المستجد في مجال الاهتمامات الشعبية، وإنما أيضا إلى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت توفر لأصحابها فسحة الضحك والتنكيت رغم الرقيب المسلط، شأنها في ذلك شأن وسائل الإعلام والسينما والتلفزيون وغيرها.

لكن قراءة سيميولوجية بسيطة في وجوه الأفراد توحي بأنهم فقدوا العفوية وخفة الروح التي تميز الجزائريين، فيكفي مسح عادي لتلك الملامح لنستنتج أن تغيرات عميقة طرأت في المجتمع، فحل العبوس والعزلة والفردانية وحتى الشرود، محل تلك العفوية والابتسامة والسعادة.

وحضر نحو عشرة كوميديين جزائريين وأجانب في افتتاح النسخة الخامسة من مهرجان الجزائر الدولي للضحك، على أمل إرساء تقليد اجتماعي وثقافي في البلاد، لكن الضحكة ذهبت على ما يبدو تحت أقدام الغلاء والبطالة وتوسع دائرة الفقر وانسداد الأفق.

منذ جائحة كورونا التي ضربت العالم تراجعت شعبية التظاهرات الجماعية بشكل ملحوظ تحت ضغط الحياة اليومية

ولم يعد المجتمع مستعدا للاستماع ولا يؤمن إلا بالملموس، ويرى أنه ما كان تُحشى به العقول في وقت سابق لم يعد مقنعا الآن، فالجميع فتحوا أعينهم على واقع جديد فرضته تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة، وإقناع فرد بالذهاب إلى صالة لمتابعة عرض فني أو ثقافي وحتى سياسي ليس بالأمر الهين.

 في الشارع الجزائري نظرات متناقضة؛ فالشباب يحنون إلى فرصة تنقلهم إلى الضفة الأخرى من حوض المتوسط ليعيشوا حيواتهم بعيدا عما يسمونه بـ”الجحيم”، والكبار يترحمون على ما يرونه زمن “البساطة والقناعة”، لكن الكل يجمع على أن الضغوط الاجتماعية سرقت الفرحة والابتسامة من الأفواه.

وبرأي هؤلاء لن يكون لهذا المهرجان أو ذاك، سواء كان في الضحك أو السينما أو المسرح أو غير ذلك، معنى أو مفعول، لأن القاعدة الشعبية تزداد نفورا، والمعنيون يزدادون انعزالا عن المجتمع، وأن أمَرّ شيء في حياة الفرد أن يعيش حالة من الانتكاسة وفقدان الأمل.

إضحاك الناس

Thumbnail

مهرجان الضحك الدولي، الذي انتظم تحت شعار “الجزائر في القلوب”، شاركت فيه كوكبة من نجوم الفكاهة والنكتة من الداخل، على غرار عبدالقادر “السيكتور” وأمينة دحمان وكريمو دراجي وفضيل قيبو وصوفيا بلعباس وإلياس ملة وأيوب مارسو وقادر بوينو وجون سولو وفريد شماخ واوموت كوكر، إلى جانب فكاهيين آخرين من الخارج، كتونس والسنغال وكوت ديفوار وتركيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا، غير أن ما تبقى من الجمهور اصطدم بأسعار تذاكر ليست في المتناول حيث تراوحت بين 15 و30 دولارا أميركيا.

وعلق الفنان الكوميدي عبدالقادر الصقر في تصريح له بالقول “أن تجعل الناس يضحكون عمل رائع. النعمة التي أعطاها الله لي وأعطاني رسالة مفادها أنني أعيش في كل مرة أذهب فيها إلى المسرح، والمسرح يحاول الحفاظ علي، لأني أملك الرغبة في خلق جو يبعث الابتسامة”.

وأضاف “في عروضي السابقة جاء الجمهور لأنه كان سعيدا بالأداء الذي قدمته، لكن ما رأيته في أدائي في مهرجان الضحك بالعاصمة أنه متعطش إلى الضحك خاصة بعد جائحة كورونا، وفي ظل قلة العروض الفنية والمسرحية والطقس الحار، إلا أنه جاء للاستمتاع بالعروض للترفيه عن نفسه، حيث تشعر بأن الجزائر بحاجة إلى الضحك، وهذا ما أتمنى أن يستمر فيه مهرجان الضحك”.

ولأنه طبيب ويهتم في عروضه بالفضاء الصحي من مرضى ومرافقين ومستشفيات وأطباء وممرضين، فقد علق “أعرف جمهوري جيدا لأني أقول بصوت عال ما يفكر فيه من خلال التركيز على الموضوعات الحية التي تجذب انتباهه”.

وتابع “تحدثت عما عشته في المنزل خلال جائحة كورونا وكيف أثر الحجر علينا، فأنا أرى زوجتي كثيرا وأولي عملها اهتماما كبيرا، وبدأت أشاهد المسلسلات. بدأت بالتحدث، وجدت تفاعلًا مع الجمهور لأنه عاش نفس التجربة بطريقة أو بأخرى، لذلك تسمعه يقول: نعم ، حدث لي نفس الشيء. هنا تكمن قوة الفنان في التواصل مع الناس وعيش تجاربهم”.

13