من ينقذ الفلسطينيين من أنفسهم

الفلسطينيون المشغولون بأنفسهم وبتجاذبات الدول الإقليمية لهم ليسوا في حاجة اليوم إلى من ينقذهم من أنفسهم فقط بل هم في حاجة إلى من ينقذهم أيضا ممن يتاجرون بقضيتهم منذ النكبات والنكسات والمجازر.
الثلاثاء 2024/01/23
الفلسطينيون ضحية المتاجرة بقضيتهم

من المهم تسليط الضوء على التصريحات الأخيرة لمسؤول السّياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل والتي صرّح بها في خطاب له بجامعة بلد الوليد حيث قال حرفيا “نعم، حكومة إسرائيل موّلت حماس في محاولة لإضعاف السلطة الفلسطينية التي تقودها فتح”.

من المعروف أن جوزيب بوريل اعتاد التغريد خارج السرب، وخصوصا انتقاداته الحادة لإسرائيل بسبب حجم المأساة المهول في قطاع غزة. يؤكد تصريح بوريل على تقاطع المصالح بين اليمينين الإسرائيلي والفلسطيني من حيث ضرورة استمرار إضعاف وإنهاك السلطة الفلسطينية والتي تمثّل النواة الحقيقية للدولة الفلسطينية المنشودة. وهذا يعيدنا إلى تصريحات خالد مشعل منذ عدة أيام والتي وصف بها حل الدولتين بالبضاعة القديمة.

صراحة، لو تأملنا مليّا تصريحات بوريل وافترضنا أنّ أي قائد سياسي عربي أدلى بها، فهل من الممكن تقدير حجم الشتائم من تكفير وتخوين التي سيتلقاها من الشّارع العربي الموتور. حتى تصريحات بوريل لم تعجب الكثير من هذا الشّارع، فاتهموه بالجهل والغباء وبكلمات ساخرة ما أنزل الله بها من سلطان.

ومن جانب آخر لو تابعنا ردود فعل الشارع العربي، عن محاولة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت اقتحام مكتب نتنياهو، والحبور الذي يتم به تداول الخبر، لوجدنا أنفسنا على بعد خطوات عن المسجد الأقصى الشريف، وأن هناك حربا داخلية إسرائيلية سيشتعل فتيلها خلال لحظات.

◙ تصريح جوزيب بوريل على تقاطع المصالح بين اليمينين الإسرائيلي والفلسطيني من حيث ضرورة استمرار إضعاف وإنهاك السلطة الفلسطينية

وبالعودة إلى حكومة اليمين المتطرفة والخلافات الحادة التي تدور في أروقتها، هل من المتوقع أن تقوم قطعان المستوطنين الذين سلّحهم بن غفير، بمهاجمة جنود جيش الدفاع الإسرائيلي وقتلهم، وسحل جثث بعضهم في الشوارع، وإعادة نبش قبورهم لأنهم خونة وعلمانيون وتقوم الإذاعات والصحف الغربية اليمينية بالتطبيل والتصفيق لهذا الانقلاب الدموي، ويحظى بدعم دونالد ترامب وماري لوبان وجايير بولسونارو وغيرهم من القادة السّياسيين الشّعبويين، وتقوم قنوات اليمين وصحفه بتسمية ما حدث بالحسم العسكري، وهل من الممكن أن بن غفير سينفصل بتل أبيب عن إسرائيل، ويحدث الانقسام السياسي والعسكري والاقتصادي، وأن تمرر له رام الله حقائب المال القادمة من برلين على سبيل المثال، لاستدامة الانقسام الإسرائيلي، وأن يذيق الفلسطينيون الإسرائيليين من نفس الكأس الذي تجرعوه. وهل سيهاجر إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وعميحاي إلياهو لدولة أخرى، بعد فرض حصار قاس على تل أبيب، ويعيشون في فنادقها، بعد هذا الانقلاب الدموي! وكيف ستكون نظرة المجتمع الإسرائيلي لهم، وهل سيحصلون على نسبة الأصوات الحاسمة في الانتخابات القادمة؟

 قد يبدو كلامي ضربا من الجنون، ولكن أليس الجنون بعينه ما حدث من قتل الفلسطيني لأخيه وتسمية الانقلاب على الشرعية وقتل الأبرياء والتمثيل بجثثهم بـ”الحسم العسكري”. وأليس الجنون بعينه هو جلب أشرار العالم وقذاراته لقطعة أرض تحوي أكبر نسبة سكانية في العالم، وإطلاق التصريحات من الخنادق أو الفنادق، والتذرّع بأنّ الأمم المتحدة هي المسؤولة عن الشعب الفلسطيني.

تكرر أميركا والغرب من خلفها مقولة مفادها أنهم سينقذون إسرائيل من نفسها، وكما قال جوزيب بوريل بأنه يجب فرض حل الدولتين من الخارج ولكن من ينقذ الفلسطينيين من أنفسهم؟ من هذا الجحيم الذي يعايشه أهل غزة، والذي أحال سنغافورة العرب كما كان يحلو للشهيد ياسر عرفات تسميتها إلى كومة ركام ودمار ورماد وريح خاوية تعصف بين الحطام.

من ينقذ الفلسطينيين من أنفسهم، وهم مشغولون بأنفسهم، وبتجاذبات الدول الإقليمية لهم.

الفلسطينيون اليوم ليسوا في حاجة فقط إلى من ينقذهم من أنفسهم، بل في حاجة إلى من ينقذهم أيضا ممن يتاجرون بقضيتهم منذ النكبات والنكسات والمجازر.

9