من هو المتحرش ومن هو الجنتلمان.. مزاج المرأة من يحكم

الكثير من النساء يعتبرن غزلا ما مقبولا من هذا الشخص، بينما هو غير مقبول من شخص آخر، بل ويتم وصمه بالتحرش. هذا يعني أن بعضهن تحدد على حسب مزاجها من هو “الجنتلمان” ومن هو “المتحرش”، ومع ذلك يخوض الرجل تلك المغامرة، بينما تتقبلها المرأة وفق مزاجها وحالتها، إن كان مزاجها رائقا وصافيا أو إن كانت مرتبطة أو غير مرتبطة، قد تستقبل حديثه باعتباره مجاملة رقيقة من رجل نبيل، وإذا كانت في مزاج سيء، اعتبرت هذا تحرشا وقلبت على رأسه الطاولة. شروط أخرى أيضا تحدد مدى قبول المجاملات الغزلية ترتبط بالرجل إن كان وسيما أو قبيحا أو غنيا أو فقيرا أو مشهورا أو مغمورا، كلها عوامل تحدد ممن ستقبل الغزل وممن ترفضه.
تلعب المرأة إذن دور المستقبل، مما يسمح به تكوينها البيولوجي والاجتماعي، فيكون تحديدها ذاك مبنيا على مبدأ الانتقاء العبثي؛ ففضلا عن التصنيفات التي أوردنا بعضها، فهي تنتقي الرد على الرسائل في وسائل التواصل أو في الواقع، فتجيب الأشخاص المناسبين لطبيعة أهوائها واتجاهاتها الشخصية؛ فهي تنتقي المتغزل، إن كانت طريقته مقبولة أو غير مقبولة موضوعيا، وتنتقي أيضا صاحب الحديث الجنسي (ساكستينغ) الملائم والمنسجم معها. ومنهن من يمتلكن أسلوبا بارعا في الإيقاع بالرجل بحجة “أريد أن أرى إلى أين يريد الوصول”، أو “أريد اختبار جاذبيتي” وذلك عن طريق تقديمهن للرجل سيميائية (إشارات) وسينمائية (مشاهد) التحرش قولا وفعلا، ثم بعد ذلك يتمنعن ويتهمن الرجل بادئ ذي بدئ بالمتحرش.
◄ كل ادعاء بالتحرش يستوجب ضرورة دراسة خلفية القصة وملابساتها، قبل الانخراط في فضح “المتحرش”، مع وجوب الالتزام بالإطار الشرعي والقانوني والعلمي لذلك
مفهوم التحرش عند بعض النساء، إن كانت نسوية أو غيرها، صار بذلك عبئا عليهن وعبثا على غيرهن، بل وأحيانا يتحول إلى أداة غريزية تقودها الرغبة في التدمير والانتقام، في تجاهل لأن كلمة تحرش ليست تعبيرا نطلقه وفق مزاجنا وسياقنا الاجتماعي أو ألاعيبنا الخاصة، بل هو مصطلح يحدده الشرع والقانون وعلم النفس، لا أمور أخرى.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن المرأة التي حددت بناء على مزاجها وهواها ملاطفة الرجل على أنها جنتلمانية، واشتركت معه في الفعل والقول آنذاك، لا يمكن إطلاقا أن تبتزه عاطفيا أو تلومه لوما معاكسا في ما بعد، رغبة منها بالتملص لاعتبارات معينة، بوصفه عند نهاية الطريق “بالمتحرش”؛ لأنهما اشتركا في فعل سرقة واحدة والاثنان مسؤولان عن ذلك أمام العدالة لا أمام بعضهما البعض فقط.
السؤال الآن؛ كيف يقبل الرجل أن يدخل مثل هكذا مغامرة لا يحسب عواقبها ولا يقدر مآلاتها سوى المرأة وحدها، وهو مجرد طرف سيقع عليه رد الفعل؟ قد ترفض المرأة كلام الرجل الشاعري أو غير الشاعري قياسا للزمن الذي يسمح به هكذا كلام، سواء كان الزمن ذاك قصيرا أو طويلا أو متوسطا، وتعتبره تحرشا. فمن خلال رد فعل المرأة تجاه ملاطفتك أو تغزلك بها تكتشف إن كنت مرغوبا أو عكس ذلك. إنها لعبة خطرة يقودها نوع من الإيغو، خصوصا الآن وفي هذا الزمن، الذي تشتغل فيه السفارات الأجنبية والجمعيات غير المحلية على قضايا التحرش لأسباب مختلفة تماما عن الظاهر.
برأيي لو فكرت بموضوع تسمية المتحرش أو اللطيف أو الجنتلمان أو أيا يكن؛ ستعرف أنك المُهان الأول، والمُهان الأخير في كل الأمر، لا المرأة (صاحبة العقلية الانتقائية العبثية) أو غير المبدئية. أنت تدخل لعبة ليس لكَ فيها شيء لأنها من صنع وصنيعة النساء.
◄ مفهوم التحرش عند بعض النساء، إن كانت نسوية أو غيرها، صار بذلك عبئا عليهن وعبثا على غيرهن، بل وأحيانا يتحول إلى أداة غريزية تقودها الرغبة في التدمير والانتقام
النساء يبدو فهمن هذه اللعبة منذ زمن طويل، منذ الزمن الذي اخترن فيه ألاّ يكن ولا بأي شكل من الأشكال هن المبادرات نحو أي علاقة عاطفية محتملة، احتفظن لأنفسهن بمكانة أن يكن هن “الخَصم” – إن صح التعبير – و”الحَكم”.
كل ادعاء بالتحرش يستوجب ضرورة دراسة خلفية القصة وملابساتها، قبل الانخراط في فضح “المتحرش”، مع وجوب الالتزام بالإطار الشرعي والقانوني والعلمي لذلك. ففضلا عن عبث المرأة في إطلاق التهمة، صار من السهل اليوم تزييف قصص التحرش، وخاصة بعد ظهور الذكاء الاصطناعي وبعض البرامج المخصصة بتزييف “الشات” والمحادثات الافتراضية الخاصة، وتجييش الرأي العام الاجتماعي والافتراضي من خلال ذلك، علاوة على قوة التسويق للشائعة أو للفضيحة على حد سواء، إذ من الملاحظ اليوم أن تهمة التحرش باتت تطلق عبثيا بدافع تصفية حسابات شخصية. وصار المصطلح غوغائيا بربريا يقودنا إلى الفوضى الخلاقة والخلافية. إذن أولا تحقيق بوليسي فردي وجنائي في الموضوع، ومن ثم يقرر العاقل أن يتعاطف أم لا بناء على مصداقية المعطيات تلك.
كما تجدر الإشارة عند نهاية المقال إلى أن هذا الكلام لا يمكن أن نعده ذكوريا فقط لأنه من لسان رجل، بل هناك أطر منطقية وموضوعية للبناء اللغوي على صعيدي المبنى والمعنى، لذلك كل الكلام المتسم بِـ”البنيوية” أو”التفكيكية” على ذاك النحو، يخضع لآليات تشريح معرفية ومنطقية وعلمية، بحيث لا يُمكن أن يكون بؤرة لفتنة جنسانية خطابية أو “جندرية”.