من ستخدم ماكنة استطلاعات الرأي في انتخابات تونس

عمليات سبر الآراء الموجهة سبق أن نجحت في تحويل وجهة نظر الناخبين مستفيدة من حقيقة أن التونسيين يغيرون آراءهم مزاجيا.
الأحد 2024/03/24
ما سيتغير في انتخابات 2024

مع تأكيد موعد الانتخابات الرئاسية في أكتوبر القادم، ينتظر التونسيون أن تنشط عمليات سبر الآراء مثلما كان يحدث في المناسبات الانتخابية السابقة وخاصة انتخابات 2019 الرئاسية، وقد كانت لها بصمات واضحة بل ومجددة فيها.

ووجهت عمليات سبر الآراء إلى حد كبير الانتخابات التي سبقت 25 يوليو 2021 لاعتبارات من بينها أنها تقليد جديد في المشهد الانتخابي التونسي، ما جعل الناس تتأثر بها سلبا أو إيجابا، وكان ينظر إليها على أنها تقليعة ديمقراطية طارئة، ولكن مهمة، حيث كان الجميع يتابعها باهتمام ويناقش خلفياتها والجهات التي تقف وراءها.

الإسلاميون كانوا دائما يعتبرونها خطة من جهات خفية للتأثير على الرأي العام من أجل منعهم من الحصول على نتائج مؤثرة في البرلمان أو المجالس البلدية. وكانوا يتحدثون أحيانا عن دوائر نفوذ محلية تحركها الدولة العميقة تفعل ما بوسعها لقطع الطريق أمام فوزهم، وأحيانا يشيرون إلى قوى نفوذ خارجية تناصبهم العداء، وخاصة فرنسا، وإن كان يجنح بهم الخيال أحيانا للحديث عن أجندات أميركية وإسرائيلية

خصوم الإسلاميين كانوا يرون في عمليات سبر الآراء علامة إيجابية على أن التونسيين لديهم وعي كاف للوقوف ضد الإسلاميين وسيطرتهم. وبقطع النظر عمّن يرون أن عمليات سبر الآراء تصبّ في صالح هذه الجهة أو تلك، لا بد من الاعتراف أنها ساهمت في صعود أسماء بعينها مثل نبيل القروي، المرشح الذي صعد إلى الدور الثاني في رئاسيات 2019 لمنافسة الرئيس الحالي قيس سعيد، وعبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر الموجودة حاليا بالسجن، وكذلك عبدالكريم الزبيدي، الذي توقعت الاستطلاعات أن يكون هو “رجل المرحلة” في ما بعد حكم الإسلاميين.

◙ من الصعب محاصرة عمليات سبر الآراء لأنها لا ترتبط بأشخاص يمكن إلزامهم عبر المرسوم 54 بالصمت أو بالعقوبات، هي ظاهرة عابرة يتداخل فيها الداخلي والخارجي

ونجحت عمليات سبر الآراء الموجهة وذات الأجندات في تحويل وجهة نظر الناخبين مستفيدة من حقيقة أن التونسيين يغيّرون آراءهم مزاجيا ويمكن أن يتأثروا بالحملات الإعلامية بسهولة، واستفادت خاصة من مرونة المشهد وغياب جهة قوية يمكن أن تتصدى لعمليات التوجيه التي كانت تعتمد عليها. لكن عمليات سبر الآراء كانت عملية صحية وعنصرا داعما للديمقراطية الوليدة القائمة على التعدد بأوجهه المختلفة.

ومن الصعب الآن توقع أيّ تأثير لعمليات سبر الآراء في الانتخابات القائمة، خاصة أن الشركات المنظمة انسحبت فعليا من المشهد في المناسبات الانتخابية الأخيرة (الاستفتاء، التشريعية، والمجالس المحلية) في إشارة واضحة إلى أن المشهد السياسي الجديد لا يتحمّلها، أو أنها لا تجد فيه الحرية الكاملة لتنفيذ أجندتها في تصعيد ممثلي الدولة العميقة. لكن يمكن أن تطل هذه العمليات من جديد مع نية المنذر الزنايدي، الوزير السابق في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، في الترشح للانتخابات الرئاسية.

فليس هناك شك في أن من حق الزنايدي أن يتقدم كمرشح للرئاسة وينافس قيس سعيد بحرية تامة على الانتخابات، وإن كان الرئيس الحالي لم يعلن بعد قراره بالترشح، لكن الأمر شبه محسوم لرغبته في تنفيذ مشروع “النظام القاعدي” الذي لم يكتمل بعد بانتظار تشكيل مجلس الجهات والأقاليم.

الزنايدي ابن الدولة العميقة، وهو وزير سابق بحقائب ووظائف مختلفة في فترة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وتدور أحاديث عن كونه مرشح دوائر نفوذ ترى أنها تضررت من حكم الرئيس سعيد مثل بعض رجال المال والأعمال المتخوّفين أو المتهربين من قانون الصلح الجزائي.

وستكون فرص استفادته من عمليات سبر الآراء أمرا واردا ومتوقعا قياسا بقائمة المرشحين المسموح لهم من نفس الدائرة، ويظل الأمر المهم، الذي يحدد درجة استفادة الزنايدي من ماكنة استطلاعات الرأي، هو وضع عبير موسي، هل ستخرج من السجن قبل الانتخابات بما يؤمّن ترشحها الاعتيادي، هل ستترشح من داخل السجن، وهل هذا ممكن قانونيا وسياسيا وواقعيا، أم أنه بمثابة إشارة إلى انتهاء دورها وتقديم الزنايدي كمرشح رئيسي للدولة العميقة.

◙ عمليات سبر الآراء الموجهة وذات الأجندات نجحت في تحويل وجهة نظر الناخبين مستفيدة من حقيقة أن التونسيين يغيّرون آراءهم مزاجيا

وهناك فرضية أخرى أن تتولى الدوائر نفسها تصعيد وجه أو وجوه جديدة إلى الواجهة وتسريبها إلى استطلاعات الرأي بهدف تشتيت تركيز الناخب التونسي وتفتيت الرصيد الانتخابي وتوزيعه على أكثر من اسم، ما يجعل من الصعب وجود مرشح أو اثنين تتمركز حولهما الأنظار ويمكن أن يكون وجودهما حاسما انتخابيا.

يمكن أن يكون قيس سعيد هو المعني بهذا التشتيت للحد من شعبيته وتوزيعها على شخصيات مجهولة و”نظيفة” ولم تتحمل مسؤوليات سابقة، لكن قيس سعيد نفسه استفاد ويستفيد من هذه العمليات، فهي إلى الآن تضعه في موقف متقدم قياسا بأسماء أخرى، وإن كانت نزلت بنسبة التوقعات إلى مستوى متدن، وهو أمر مقصود بربطه بتدنّي نسب المشاركة في انتخابات البرلمان وبعدها انتخابات المجالس المحلية، ما يجعلها مقبولة و”مهضومة”، وتُرسّخ في ذهن الناس أن الانتخابات الرئاسية ستعرف نفس النسب، وأن قيس سعيد نفسه لم يعد يحظى بالأرقام العالية التي سبق أن بشرت بها عمليات سبر الآراء وساهمت ولو إلى حد في تصعيده بديلا شعبيا في مواجهة المنظومة السابقة وأمّنت مروره إلى الدور الثاني على حساب أسماء بارزة مثل عبدالفتاح مورو وعبدالكريم الزبيدي وصافي سعيد رغم أنه جاء من خارج المشهد.

البعض يقول إنه حان الوقت لتنظيم عمليات سبر الآراء بقانون وإن التوقيت مناسب لضبط عملها وربطه بالقانون بما يفرض عليها التزام الشفافية وإجراء سبر آراء حقيقي وغير موجه لفائدة أجندات بعينها. نظريا هذا أمر وارد وضروري، ولكن عمليا من الصعب محاصرة عمليات سبر الآراء لأنها لا ترتبط بأشخاص يمكن إلزامهم عبر المرسوم 54 بالصمت أو بالعقوبات، هي ظاهرة عابرة يتداخل فيها الداخلي والخارجي، ويمكن أن تمارس تأثيرها من خارج البلاد بنفس الأسماء والعناوين القديمة، أو بأسماء وعناوين جديدة. كما أن سن قانون سيأخذ وقتا وتنزيله على أرض الواقع سيصبح أمرا صعبا لغياب أرضية يمكن من خلالها حصر عمليات سبر الآراء.

5