منظمات تونسية تتهم الأحزاب الحاكمة بإهمال ملف الفساد

تونس – استنكرت منظمات تونسية إهمال الأحزاب لملف الفساد وحصر الأزمة التي تمر بها تونس في التباينات حول إجراء تعديل كلي أو جزئي للفريق الحكومي الحالي حسب ما تقتضيه المصالح السياسية، دون إحراز تقدم يذكر في هذا الملف.
ودعا ائتلاف صمود (شبكة من منظمات المجتمع المدني) القوى الوطنية من أحزاب ومنظمات وجمعيات، الخميس، إلى الدخول في مشاورات من أجل” تنظيم مؤتمر وطني لمقاومة الفساد، يقع خلاله تدارس الأوضاع واقتراح البدائل والآليات لإنقاذ البلاد”.
وطالب في بيان أصدره بمناسبة مرور سنة على انطلاق الحملة الحكومية بإمهال الأحزاب الحاكمة مدة زمنية محددة لاستئناف الحرب على الفساد، والتخلي عن كل من ثبت تورطه من الفاسدين المنتمين إلى منظومة الحكم.
وفي الـ24 من مايو العام الماضي أعلن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد عن إطلاق حملة لمكافحة الفساد. وبموجب قانون الطوارئ قامت الحكومة باعتقال 10 رجال أعمال، وعدد من موظفي الجمارك والمهربين ممن يشتبه في تورطهم بتهم تتعلق بالفساد.
لكن ائتلاف الصمود يرى أن جهود الحكومة لم تكن كافية ولم تكن في مستوى آمال التونسيين، ورغم أن الحملة لاقت منذ البداية تأييدا وترحيبا شعبيا خاصة بعد أن صرح الشاهد بأن الإيقافات الأولى في الحملة “ما هي إلا بداية حرب حقيقية على الفساد والفاسدين”، إلا أنه “سرعان ما تحركت الأحزاب الحاكمة واللوبيات الضالعة في الفساد للضغط بكل الوسائل لإيقاف هذه الحملة أو على الأقل لتوجيهها وإعفاء المقربين، لا سيما قياداتها ومموليها”.
واعتبر أنّ الائتلاف الحاكم يعمل على تعويض حكومة الشاهد بأخرى لا بحثا عن الكفاءة والقدرة على إخراج البلاد من الأزمة بل بحثا عن الولاءات وحفاظا على مصالح الطبقة الحاكمة واستعدادا لانتخابات الرئاسة المقررة عام 2019.
ويجمع مراقبون على أن النخبة السياسية تتجاهل معركة الفساد وذلك بسبب رضوخها لضغوط الضالعين منها في الفساد ولانحرافهم عن مسار الأزمة الحقيقية وهي اقتصادية واجتماعية بالأساس، لكن تم تحويلها إلى أزمة حكم مصيرها بيد الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج 2 التي ستحسم مسألة الإبقاء على الشاهد أو ترحيله.
وتجري الأحزاب والمنظمات الوطنية مفاوضات منذ أسابيع لتعديل وثيقة قرطاج المؤسسة للحكومة الحالية، بهدف إنعاش الاقتصاد وتنفيذ إصلاحات عاجلة بجانب مكافحة الفساد والحرب على الإرهاب.
واعتبر هؤلاء أن مكافحة الفساد التي صنفت كأولوية حكومية في وثيقة قرطاج 1 التي حددت برنامج حكومة الوحدة الوطنية صيف 2016، غابت عن اهتمام الأحزاب التي بدت مكتفية بما تم تحقيقه من نتائج، وركزت اهتمامها على كيفية الخروج من الأزمة السياسية أمام معارضة أطراف فاعلة في المشهد السياسي -كاتحاد الشغل- للحكومة الحالية.
وقيم عبيد البريكي، وزير الوظيفة العمومية السابق مسار حملة الفساد. وقال البريكي لـ “العرب” إن “مكافحة الفساد في تونس انحسرت في إيقاف عدد من المشتبه فيهم دون أن تشمل آخرين”. وبين رئيس حزب تونس إلى الأمام أن “الحكومة لم تطرح مراجعة القوانين التي كانت مدخلا للفساد والمحسوبية المتعلقة بالصفقات المالية وتعيين مسؤولين بالولاءات كما لم تشهد الإدارة إصلاحات”.
وعزا البريكي ذلك إلى أن “الشاهد أراد أن يخطو إلى الأمام بإطلاقه حملة على الفساد، لكن كلما أرادت الحكومة أن تتقدم اصطدمت بمتنفذين من الأحزاب الحاكمة وأصبح بذلك رئيس الحكومة مستهدفا”، ولاحظ انحراف طبيعة الأزمة التي تعيشها تونس إذ “انصب الاهتمام على إجراء تعديل حكومي أو جزئي في حين يشكو المواطن من غلاء المعيشة وتراجع الخدمات”.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية حيث تضرر اقتصادها في أعقاب الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011 وهجومين إرهابيين في 2015. وبات اقتصادها يشكو من ارتفاع متسارع لنسبة التضخم التي بلغت 7.7 في أبريل الماضي.
ويشير متابعون إلى أن إهمال ملف الفساد من شأنه أن يقلص ثقة المواطن بنخبه السياسية، خاصة وأنه لم يشارك غير الثلث فقط من الناخبين المسجلين في الانتخابات البلدية التي تم إجراؤها بداية مايو الجاري، والنسبة المشاركة الضعيفة منحت ثقتها للقائمات المستقلة، بما يمثل رسالة رفض مباشرة للأحزاب الحاكمة، بسبب فشل إدارتها لأزمات البلاد.
واعتبر البريكي أن “كل المستجدات تشير إلى فشل منظومة الحكم الحالية، والدعوة إلى وثيقة قرطاج 2 تقر صراحة بفشل الأداء الحكومي في تحقيق الأهداف التي وردت في برنامجها”. وأضاف “كل الأحزاب والخبراء أقروا بذلك”.
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية أسفرت حملة الحكومة على الفساد إلى حدود يناير 2018 عن وضع 22 رجل أعمال تحت الإقامة الجبرية وإصدار 11 بطاقة إيداع في السجن من قبل قضاة التحقيق بالقطب الاقتصادي المالي، والإذن بالاحتفاظ بالبقية وفتح تحقيق في شأنهم من أجل ارتكاب جرائم تبييض أموال وجرائم صرفية وديوانية، إضافة إلى بلوغ قيمة الطلبات المالية في مجمل القضايا المرفوعة مبلغ 3600 مليون دينار.
وعلى مستوى الإدارة، أدت حملة الحرب على الفساد إلى إيقاف 5 موظفين بوزارة الصحة وكاهية مدير بإحدى الوزارات، و3 مديرين بوزارة التجارة، ومديرين اثنين بوزارة المالية، وموظفين اثنين بوزارة الشؤون المحلية والبيئة، ومدير عام بوزارة، و16 موظفا بوزارة الداخلية.
وتعرضت حملة القضاء على الفساد لانتقادات عدة، حيث شككت بعض الأطراف في مصداقيتها، ووصفتها بـالحملة الانتقائية لتصفية الخصوم السياسيين المناوئين لسياسة الحكومة وهو ما نفته حكومة يوسف الشاهد.