ممر إجباري لليمينين الفلسطيني والإسرائيلي

غالبية المحللين السياسيين الفلسطينيين أجمعوا على أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية المسلحة كانت وبالا على شعبنا، ولم تقدم ما كان مأمولا منها على مستوى الحل السياسي، على عكس انتفاضة الحجارة الأولى والتي أفضت إلى اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) والذي استطاع عبره الرئيس الراحل ياسر عرفات تحرير عشرة آلاف أسير فلسطيني من أصل خمسة عشر ألفا من سجون الاحتلال، دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة أو إزهاق روح واحدة أو هدم مبنى واحد وهذا مثال واحد فقط على نجاعة الحل السياسي وضرورة التشبث به.
فمن الممكن اعتبار أن ما يجري اليوم في قطاع غزة والضفة مفصليا في تاريخ الشعب الفلسطيني ونكبته المستمرة منذ العام 1984، ونتائجه التي من الملاحظ أنها ستشهد تقدما كبيرا على المستوى السياسي.
وبالعودة إلى الانتفاضة الثانية كان من الخطأ اشتراك حركة فتح فيها عسكريا، ومن الظاهر أن فتح تعلمت من الدرس السابق بحيث إنها تقدم نفسها الوجهة الوحيدة التي يمكن أن تنخرط بالحل السياسي، وهي الطرف الوحيد والشرعي المقبول على مستوى صناع القرار في العالم الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومن الممكن أيضا الجزم بأن العالم المتقدم بدأ برفع صوته بخصوص حصول الفلسطينيين على دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام جنبا إلى جنب إلى جوار دولة إسرائيل.
ما يحصل اليوم لا يستهدف حماس فقط بل كافة الشعب الفلسطيني، وصواريخ القتل الإسرائيلية لا تميّز بين فتحاوي وحمساوي وجبهاوي وهذا يحث كافة الفصائل الفلسطينية على توحيد الصف
تتخبط إسرائيل عسكريا في قطاع غزة دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة على القطاع، وهذا التخبط لا يدفع ثمنه الفلسطينيون العزل فقط بل إن إسرائيل أيضا تدفع ثمنا باهظا بشريا وعسكريا وماديا، وبالتالي سيرغم القادة الإسرائيليون على الجلوس مجددا إلى طاولة المفاوضات، تلك الطاولة التي تهرّب الإسرائيليون منها كونها تخلق لهم رعبا واضحا مفاده دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.
إن الخسائر التي تتلقاها إسرائيل اليوم تزيد من الدعم الأميركي لها، وهذا الدعم لن يكون مجانا في منطقتنا بل هو يضعف موقف الحكومة الكيانية سياسيا ودبلوماسيا ويرغمها على القبول بمضض بما تطرحه الإدارة الأميركية بخصوص وضع الضفة وغزة بعدما تسكت المدافع وتتوقف المجازر.
إن هذا الحل السياسي لن يقدم للفلسطينيين على طبق من ذهب، بل ستسبقه انتخابات تشمل الضفة وغزة والقدس، لتقدم للعالم أجمع قيادة فلسطينية شرعية منبثقة من صندوق الانتخاب الفلسطيني المعروف بنزاهته. فلا يمكن قبول حل يتوقف على غزة فقط، وهذا يعيدنا إلى تصريحات القيادة التي كانت تشدد على أنه “لا دولة في غزة ولا دولة دون غزة”. وقبل الشروع بهذه الانتخابات يجب إصلاح منظمة التحرير لكي تستعيد عافيتها ودورها الريادي في القضية الفلسطينية.
وبالتالي على حركات الإسلام السياسي الانخراط في منظمة التحرير الفلسطينية وتعديل برامجها بما ينسجم مع برامج المنظمة وألا تكرر نفس الأخطاء السابقة، والقبول بحل دولتين والعمل عليه وليس ضمن خطابات هدفها الخروج من دوامة المقتلة الحاصلة اليوم في قطاع غزة.
ولكي تحظى السياسة الفلسطينية بدعم أكبر يجب التواصل أكثر مع الدول الخليجية التي تقدم دعما إنسانيا وصحيا كبيرا لشعبنا المكلوم، فعلى سبيل المثال لا الحصر تستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة ألف طفل فلسطيني جريح للعلاج، في حين أن إيران لا تقدم سوى التصريحات النارية التي تزيد من حدة الدمار وتعمل جاهدة على وضع الملف الفلسطيني تحت إبطها لمقايضته في سوق السياسة.
والجدير بالاهتمام هو موقف القيادة السعودية التي أعلنت وقوفها بشكل كامل مع الشعب الفلسطيني ورفضها تحميله مسؤولية ما حدث وتجاهلت الانتقادات الأميركية والأوروبية بسبب موقفها هذا، الأمر الذي يظهر وظهر دائما في المكالمات الهاتفية المتواترة بين ولي العهد السّعودي الأمير محمّد بن سلمان والرّئيس الفلسطيني محمود عباس. التقطت المملكة العربية السعودية ما حدث، وأكّدت على ضرورة حل الصراع وحصول الفلسطينيين على حقوقهم كاملة وأن يعيشوا ضمن دولة فلسطينية مستقلة، ولم يكن هذا موقف السعوديين فقط، بل إن قطر حمّلت الاحتلال ما يجري بشكل كامل، وكان من المثير للانتباه البيان الروسي الذي قال إن حل الدولتين هو الحل الموثوق.
على حركات الإسلام السياسي الانخراط في منظمة التحرير الفلسطينية وتعديل برامجها بما ينسجم مع برامج المنظمة وألا تكرر نفس الأخطاء السابقة، والقبول بحل دولتين والعمل عليه
لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا، سنتذكر الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي بذلتها القيادة السعودية خلال حصار بيروت والدعم المالي الكبير الذي قدمته لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ونتذكر أيضا أنه بعد الضغوط من ولي العهد السعودي، حينها، الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، طلب الرئيس الأميركي جورج بوش من شارون رفع الحصار عن عرفات. ولا آتي بجديد حين أقول إن الدعم السعودي بشقيه المالي والسياسي هو مغاير تماما عن الدعم الذي تقدمه دول إقليمية أخرى هدفها الأول مصالحها هي بشكل أساسي ومن ثم تتبرأ منه في حال إرسال حاملات الطائرات إلى المنطقة.
ومن المؤكد أن مصر والأردن اللذين يتوجسان من احتمالية التهجير القسري للفلسطينيين نحوهما، سيبذلان أيضا كل ما بوسعهما لوقف حمام الدم النّازف في قطاع غزة ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
فما يحصل اليوم لا يستهدف حماس فقط بل كافة الشعب الفلسطيني، وصواريخ القتل الإسرائيلية لا تميّز بين فتحاوي وحمساوي وجبهاوي وهذا يحث كافة الفصائل الفلسطينية على توحيد الصف والإجماع على قرار واحد غايته الشعب الفلسطيني ومستقبله في منطقة الشرق الأوسط.
واليوم بعد السابع من أكتوبر، جرت مياه كثيرة، وتغيرت معطيات وأولويات في المنطقة ومهما كانت نتائج العدوان الفاشي على شعبنا في قطاع غزة إلا أن ما حدث سيفتح حتما أفقا سياسيا كانت تسعى نحوه القيادة الفلسطينية لتحقيق مكتسبات سياسية للشعب الفلسطيني ودولته المرجوّة.
وختاما، ليس أمام اليمينين اليوم الإسرائيلي والفلسطيني من مهرب من حل الدولتين، تلك الرؤية السياسية التي اتفقا على معارضتها على مر السنوات السابقة والتي ستظل الملجأ الوحيد من استنزاف مقدرات الشعبين بشريا وعسكريا واقتصاديا والخروج من دائرة العنف التي تطحن الجميع.