مليونية كسر الحصار في الجزائر تستعيد الشارع من قبضة الحكومة

كسر الملايين من الجزائريين الحصار الأمني الذي نفذته الحكومة على العاصمة، من أجل الحيلولة دون وصول المدد البشري القادم من المدن والضواحي المتاخمة لها، ليستعيد بذلك الشارع الشعبي المبادرة والحضور في الميدان، بعدما أجبر قوات الأمن على الانسحاب من المواقع الرمزية فيها.
الجزائر – قدم الناشط الميداني كمال سمار، بمعية رفيقيه مسعود حدانو وسعيد بوصوفة، من مدينة الأخضرية البعيدة عن العاصمة بنحو 50 كلم شرقا، وتمكن الثلاثي من اختراق الحصار الأمني عبر استعمال مسالك وتضاريس وعرة، ثم التسلل إلى وسط العاصمة عبر مقاطع وطرق ثانوية، وهي الرحلة التي استغرقت أكثر من ثلاث ساعات، بعدما كان يمكن قطعها في نحو ساعة.
وقال سمار لـ”العرب”، بأن “الرحلة كانت متعبة ومقلقة، لكن عندما يكون الهدف أسمى، فإن كل شيء يهون في سبيل الوطن، وأن الرسالة هي تضامن أبناء الحراك، وفك الحصار على العاصمة التي تحولت خلال الأيام الأخيرة إلى سجن مفتوح على السماء فقط، بعدما تم تطويق جميع المداخل والتخوم من طرف قوات الأمن”.
وكما قدم كمال ورفيقيه في صبيحة الجمعة إلى العاصمة، قضى ناشطون والمئات من الشباب في العاصمة، ليلة بيضاء في الساحات والشوارع الرئيسية، تحسبا للمليونية الثامنة وحفاظا على المواقع الرمزية، التي تحولت إلى قلاع تاريخية للحراك الشعبي الجزائري، على غرار ساحات البريد المركزي، موريس أودان وأول مايو، وحسيبة بن بوعلي، ديدوش مراد ومحمد بلوزداد.. وأماكن أخرى.
واضطر آخرون إلى القدوم إلى العاصمة قبل يومين أو ثلاثة، من أجل المشاركة في المسيرة المليونية، خاصة مع تحول بعض ساحاتها إلى مواقع رمزية للحراك الشعبي، لا يتوجب تضييع فرصة تسجيل الحضور فيها برأي هؤلاء.
واستغرب الرأي العام المحلي، التدابير الأمنية الشديدة التي طبقتها الحكومة عشية المليونية الثامنة، حيث قضى الآلاف من المسافرين وأصحاب المركبات، ومستعملي الطرق الوطنية والطريق السيار المؤدي إلى العاصمة ليلتهم في العراء، بسبب الطوابير التي امتدت إلى العشرات من الكيلومترات من المداخل الشرقية والغربية والجنوبية للعاصمة.
وراهنت حكومة رئيس الوزراء الجديد نورالدين بدوي، على الردع المعنوي لتخويف الشارع والتقليص من حدة الزخم الشعبي للحراك، عبر الرمي بتعزيزات حاشدة من قوات الأمن والدرك والآليات إلى المداخل المؤدية إلى العاصمة، في خطوة نحو استعادة المبادرة والميدان، تأهبا لتنفيذ خارطة الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو القادم.
وعكس توقعات دوائر موالية للسلطة، خرج الملايين من الجزائريين في العاصمة وجل محافظات ومدن الجمهورية، لتجديد مطالبهم برحيل رموز السلطة وعلى رأسهم “الباءات الأربعة”، ومحاسبة وجوه الفساد، لاسيما حكومة نورالدين بدوي، التي أطلقت العنان للممارسات القمعية خلال الأسبوع الأخير، حيث تم تعنيف وتوقيف عدد من الناشطين المشاركين في الوقفات الاحتجاجية.
حكومة نورالدين بدوي، تراهن على الردع المعنوي لتخويف الشارع الجزائري والتقليص من حدة الزخم الشعبي للحراك
وحطمت مدينة برج بوعريريج (200 كلم شرقي العاصمة)، كل التوقعات في المسيرة الضخمة التي انتظمت الجمعة، ونقل شهود عيان لـ”العرب”، أن “كل سكان المحافظة انخرطوا في المليونية الثامنة، ونسبة المشاركة لا تقل عن 80 بالمئة من سكان المحافظة”.
وفي أول ارتدادات مليونية كسر الحصار، سارع حزب التجمع الوطني الديمقراطي، إلى تكذيب ما تم تداوله حول نية أمينه العام ورئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، الترشح لموعد الانتخابات الرئاسية، في خطوة تستهدف تلافي غضب الشارع، الذي وصف المعبرين عن نيتهم في خوض الاستحقاق بـ”الانتهازيين والخونة”.
وكان المترشح السابق لانتخابات 18 أبريل الجاري، الجنرال المتقاعد علي غديري، قد أعلن عن نيته خوض السباق، وهو ما أثار موجة غضب الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، الذين وصفوه في بعض صفحاتهم بـ”الخائن”.
وعلى النقيض من ذلك، رفض الناشط السياسي والمترشح السابق رشيد نكاز، تكرار تجربته السابقة، وبرر ذلك بـ”إشراف الحكومة القديمة الجديدة، ووزارة الداخلية تحديدا على الانتخابات القادمة”، وخص بالذكر رئيس الوزراء الحالي ووزير الداخلية نورالدين بدوي، الذي اتهمه بـ”المزور والمتلاعب بالاستحقاقات الانتخابية”.
وصعّد المتظاهرون في المليونية الثامنة، من لهجة المطالب التي ترجمتها هتافات وشعارات تطالب بتجاوز الأحكام الدستورية لحلحلة الأزمة، وتؤكد على أن الشعب هو المصدر الأول لكل السلطات والمؤسسات، فضلا عن محاسبة التركة التي خلفها نظام بوتفليقة، وفي المقدمة مستشاره وشقيقه سعيد بوتفليقة.
وسجلت ساحة موريس أودان والنفق الجامعي، بعض الاحتكاكات بين المتظاهرين وقوات الأمن أدت إلى وقوع إصابات لدى بعض المحتجين نتيجة استعمال الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية.
وفي مدينة البويرة بشرق العاصمة، نقل شهود عيان، تجديد المتظاهرين لمطلب رحيل رموز النظام، وضموا إليهم قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، على خلفية تراجعه عن الالتزامات التي قطعها في وقت سابق، حول دعم المؤسسة العسكرية للحراك الشعبي وحمايته للمتظاهرين من المناورات التي تستهدفهم من طرف بعض الدوائر.
ومع تحول شبكات التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة بين نشطاء الحراك والجيش الإلكتروني الموالي للسلطة، سارعت مديرية الأمن إلى نفي والتحذير من تداول بعض الصور والتسجيلات التي تظهر أعمال عنف وتخريب.
وأكد مصدر أمني لـ”العرب”، أن “التسجيلات المتداولة تعود إلى مظاهرات في العاصمة ومنطقة القبائل العام 2001”.