"ملتقى الحضارات".. مشروع تشكيلي يستحضر معالم الحضارة العربية

فنانات عربيات يسردن التاريخ من جديد برسم مبان تراثية.
الجمعة 2024/12/13
لوحة الدرعية التاريخية للفنانة دلندة دريرة

جمعت الفنانة التونسية سناء هيشري حولها مجموعة من الفنانات وطالبات الفنون التشكيلية ليعدن رسم التاريخ العربي والمعالم التراثية لعدد من العواصم العربية مستحضرات الحضارات وآثارها، بأساليب متنوعة وتقنيات تشكيلية أبرزت مواهبهن وأهمية مثل هذه المشاريع الفنية للتعريف بالفن العربي.

الأقصر (مصر) - "ملتقى الحضارات" مشروع تشكيلي جديد للفنانة التونسية سناء هيشري، يجول بمشاهديه بين مدن ومعالم عربية عريقة، بقيت شاهدة على حضارة العرب ومنجزاتهم في مجالات العلوم والآداب والفلسفة والتاريخ والعمارة والفنون.

المشروع الجديد هو نتاج مجموعة من الورش الفنية التي أقامتها الفنانة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتونس وبلجيكا، وشاركت فيها مجموعة من الفنانات وطالبات الفنون الجميلة العربيات اللاتي ينتمين لجنسيات متعددة، من خلال أعمال أبرزت الدور العربي في الثقافة الإسلامية والأدب والفلسفة والتاريخ والعمارة والفنون، بالإضافة إلى الموسيقى وفنون الخط العربي ومواضيع أخرى.

وقالت هيشري إن مشروعها الفني “ملتقى الحضارات” استمر العمل على لوحاته الفنية طيلة أكثر من عامين، انشغلت خلالها المشاركات في المشروع من التشكيليات وطالبات الفنون العربيات، في رسم الآثار والحضارة العربية من نقش ونحت وتلوين، الأمر الذي مثّل فرصة لتلك المجموعة من الفنانات وطالبات الفنون في التعبير عن رؤية كل منهن إلى الماضي وإلى حضارة وفنون الأجداد وسرد التاريخ ونقل المشاهد من الحاضر إلى الماضي العريق، عبر أعمال تشكيلية تنبعث منها رائحة الماضي، وتحمل رسالة ثقافية تستحضر حضارة وتراث وآثار الشعوب العربية وتاريخها.

أعمال أبرزت الدور العربي في الثقافة الإسلامية والأدب والفلسفة والتاريخ والعمارة والفنون بالإضافة إلى الموسيقى وفنون الخط العربي

وتسرد سناء هيشري قصتها من التراث العربي مع المراحل الأولى من ولادة مشروعها الفني الخاص، مشيرة إلى أنها عشقت نهر الميز في بلجيكا البلد الذي تُقيم فيه، واكتشفت نهر أمستل في أمستردام، وانبهرت بنهر السين في باريس، واختارت أن تعرض لوحاتها بمنطقة الديرة التي يمر منها خور دبي، الممر المائي الذي يعكس التراث العريق للمدينة، ويقسمها إلى نصفين هما دبي والديرة التي تحتضن العديد من المتاحف، وتمنح زائرها فرصة لأخذ نفس عميق عند دخول الأزقة الضيقة والمواقع الأثرية، واستنشاق عبق الماضي بحضارته وتراثه العريق.

وكما تروي الفنانة التونسية فقد قدمت أول مجموعة لوحات لها تدور في فلك التراث والحضارة والتاريخ العربي في عام 2015، حيث أقامت أول معرض لها في نزل الأحمدية التراثي بمدينة دبي.

وفي معرضها الأول بالأحمدية، رسمت أبواب المدن العربية القديمة التي تعد من التراث، والتي مازالت قائمة حتى اليوم لما تتميز به من قوة وشموخ وضخامة.

وبعد قرابة عشر سنوات على معرضها الأول الذي دار في فلك التراث والحضارة العربية، جاء مشروعها الجديد “ملتقى الحضارات”، والذي أرادت من خلاله أن تستكمل مشروعها الفني مع التراث، فانتقلت من رسم البوابات التاريخية إلى رسم معالم الحضارة العربية في أرجاء الوطن العربي، مستخدمة في ذلك تقنية أحادية اللون، هادفة بحسب قولها إلى تقديم رسالة قوية بصريا، واستمرارية بصرية، ووحدة بين جميع اللوحات في ما بدا أنه يرمز لوحدة الحضارة العربية.

وتقول سناء هيشري عن مغامرتها مع اللون إنها استعملت تقنية أحادية اللون لإنشاء محتوى أنيق ومصقول مع الحفاظ على حيوية وإشراق اللوحات الفنية.

اللون البني هو فارس الألوان الذي لعب دور البطولة في تصميم ورسم لوحات مشروع "ملتقى الحضارات"

ورأت بأن اختيارها للألوان المناسبة في هذا المشروع الفني الثقافي الذي يعد توثيقا للكثير مما بقي من معالم وآثار الحضارة العربية، كان مهمة صعبة، وكان فارس الألوان الذي لعب دور البطولة في تصميم ورسم لوحات “ملتقى الحضارات”، هو اللون البني الذي لا وجود له على عجلة الألوان التقليدية، ووجدت فيه – وفق قولها – رمزا للاستقرار والصفاء، ولونا يرتبط ارتباطا وثيقا بالأرض، وهو لون التراب، حيث قدمت مع من شاركها في مشروعها لوحات رسمت الماضي بإطلالة عصرية وسط حضور واضح للون البني الذي عكس دفء التاريخ وعمق الحضارة في الكثير من المواقع الأثرية العربية التي صنفتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي.

وكان للخط العربي حضوره في المشروع الفني “ملتقى الحضارات”، حيث رسمت الفنانة لوحات من الخط العربي على القماش وعلى لوحات الكانفاس، ورسمت كذلك واحة العين في إمارة أبوظبي، والتي رأت فيها ذاكرة ثقافية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، حيث شكلت أرضا خصبة وأثرا تاريخيا ونموذجا هندسيا يؤرخ لقوة إنسان الصحراء، حيث تجمع معالم العين بين الآثار التاريخية والتراث الحي المتمثل في واحاتها وأفلاجها، ورسمت كذلك مسجد عقبة بن نافع بمدينة القيروان في تونس.

ورسمت الفنانة سهام الفراندي نميسي، مدينة غدامس القديمة “لؤلؤة الصحراء”، وهي واحة النخيل ومدينة القوافل في الزمن الماضي، كما تعد من أشهر المدن على خط التجارة الذي كان يربط بين شمال الصحراء الكبرى وجنوبها، وكانت لها علاقة تاريخية في التجارة مع تمبكتو بمالي.

وركزت الفنانة دلندة دريرة، على رسم مدينة الدرعية التاريخية بالسعودية، التي تضم مجموعة من المعالم الأثرية والأحياء القديمة والقصور التاريخية التي شيدت على الطراز المعماري النجدي.

وسلطت الفنانة ألفة بنعبود الصيود الضوء في لوحتها على آثار موقع هيلي في أبوظبي، والذي يمثل عبقرية المعمار وعراقة حضارة دولة الإمارات العربية المتحدة.

كما رسمت الصيود قلعة البحرين التي تعرف أيضا بقلعة دلمون، التي تمثل طرازا معماريا فريدا بين الحصون التي بنيت في العصور الوسطى، والتي تضم آثارا يعود تاريخها للعصر البرونزي في الخليج العربي.

 لوحة واحة العين للفنانة سناء هيشري
 لوحة واحة العين للفنانة سناء هيشري

ورسمت الفنانة سميرة ميلادي، جامع الباسي في مدينة جربة التونسية، التي تتميز بآثارها القديمة، في حين رسمت الفنانة سارة بودن مسجد عقبة بن نافع الذي يعرف أيضا باسم جامع القيروان الكبير، وهو أحد أهم وأقدم المساجد في القارة الأفريقية ويضم أقدم منبر في العالم الإسلامي.

ورسمت أنس بن طالب مدينة ثلا اليمنية التاريخية التي يرجع تاريخها إلى حقبة مملكة حمير. ورسمت الفنانة نور جمل مسجد مدينة شنقيط، أحد أقدم المساجد في موريتانيا، والذي يرجع تاريخ إقامته إلى عام 1261 م.

من جانبها أعادت منال الشواشي رسم مدينة البتراء الأردنية التي يعود تاريخ الاستيطان بها إلى عصور ما قبل التاريخ. في حين رسمت هالة التليلي مدينة سامراء التاريخية على نهر دجلة، والتي تحظى بمكانة تاريخية كبيرة لما تضمه بين جنباتها من مواقع أثرية مهمة.

ورسمت الفنانة آمنة بن إبراهيم، فندق النجارين في قلب مدينة فاس العتيقة، وهو عبارة عن خان تاريخي بني في عام 1711 م، ورسمت الفنانة لطيفة العنابي مدينة صنعاء القديمة التي صارت مأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 عام، وتضم معالم أثرية عديدة.

ورسمت الفنانة ليلى منتصر قلعي، قبة الصخرة في المسجد الأقصى، بينما صورت الفنانة آمنة القرمازي المسجد الأقصى بالكامل، وهو ثالث أقدم المساجد في الإسلام.

واهتمت الفنانة جيهان يمن بمنتزه البليد الأثري جوهرة معالم مدينة صلالة العُمانية، بينما خصصت منية عنابي لوحتها لقرية دير القمر اللبنانية العريقة، ورسمت الفنانة سلوى الطرابلسي بلدة الجم التونسية التي تضم أحد أكبر المدرجات الرومانية، وقصر الجم الذي شيده الرومان في عام 238 م، هذا المكان الذي رسمته أيضا الفنانة منية سعيد إلى جانب مدينة جربة التونسية التاريخية.

منى المنيف ولوحتها الخط العربي على كسوة الكعبة
منى المنيف ولوحتها الخط العربي على كسوة الكعبة

واهتمت الفنانة إيمان ونيّس بالقصبة المرينية التي تقع في قلب مدينة تطوان والتي تتفرد بهندستها المعمارية التي جمعت عمارة الأسبان والمغاربة.

ورسمت الفنانة فاطمة الشعبوني أهرامات الجيزة التي تعد أحد عجائب الدنيا السبع، بينما ركزت الفنانة ياسمين كسكاس على تصوير الأهرام من الجيزة إلى دهشور.

وصورت الفنانة نايلة المصمودي المنيف، معالم من الحضارة السورية القديمة، مستحضرة أبواب مدينة حلب الفريدة التي قل مثيلها في العالم.

ورسمت الفنانة إشراق المبارك قوس النصر في مدينة صور الأثرية اللبنانية، بينما شاركت الفنانة منى المنيف شطورو بلوحة للخطوط العربية التي تُزين كسوة الكعبة، ورسمت الفنانة ياسمين الجبالي مدينة تيمقاد المدفونة بالرمال في شمال شرقي الجزائر والتي بناها الرومان في عام 100 م.

ورسمت الفنانة سيرين العورسي باب مكة وهو أحد أبواب مدينة جدة التاريخية الثمانية، وهو المدخل الرئيسي للبلدة القديمة بجدة، وكان يستخدم كممر رئيسي للحجاج القادمين من مكة المكرمة.

يُذكر أن سناء هيشري فنانة تشكيلية تونسية تعيش في بلجيكا، ودرست الفنون بالمعهد الملكي للفنون الجميلة ببروكسل، وتعمل باحثة وأستاذة للفنون، ولها مسيرة عقدين في مجال التدريس والفنون الجميلة بين كل من بلجيكا والإمارات العربية المتحدة وتونس.

وخلال مسيرتها الفنية، أقامت العديد من المعارض التشكيلية في العديد من الدول العربية والأوروبية، وعالجت لوحاتها العديد من المواضيع من أهمها المرأة التي تُعد الملهمة الأولى لها.

15