ملامح شريط أمني تركي ترتسم في رماد أراضي كردستان العراق المحروقة

بغداد- وصفت لجنة برلمانية عراقية زارت مناطق حدودية مع تركيا الوضع في تلك المناطق التابعة لإقليم كردستان العراق بـ”الخطير جدا”، نتيجة التجاوزات التركية الكبيرة على الأراضي العراقية وحالة التوتّر الشديد التي أثارها التصعيد المتبادل بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمّال الكردستاني الذي هدّد بفتح مواجهة جانبية ضدّ قوات البيشمركة الكردية، إذا حاولت دخول مناطق تواجده.
ودعت لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي كلاّ من الحكومة الاتّحادية وحكومة إقليم كردستان العراق إلى الاتّفاق على وضع آلية لمنع التوغلات التركية، وإنشاء خط صدّ للقوات العراقية مقابل الجيش التركي لمنع تلك التوغّلات، ولردع عناصر حزب العمال الكردستاني. كما تعهّدت بتقديم توصيات إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بشأن نتائج الزيارة.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن رئيس اللجنة محمد رضا آل حيدر القول “إننا كلجنة أمن ودفاع وصلنا إلى أربيل وتوجهنا برفقة نائب رئيس لجنة الزراعة النيابية إلى دهوك وزرنا قضاء زاخو”، موضّحا “لقد قصدنا أبعد نقطة يمكن الوصول إليها وهي اللواء الأول الحدودي ما بين إقليم كردستان وتركيا”.
وأضاف “شاهدنا التجاوزات التركية على نقاط داخل الحدود العراقية. وهناك اعتداءات جديدة وتصعيد من حزب العمال الكردستاني تجاه البيشمركة وقوات الحدود”، مؤكّدا على الحاجة إلى إسناد لوجستي وتدعيم بشري للقوات العراقية المتواجدة هناك.
وتخوض القوات التركية منذ حوالي أربعة عقود صراعا داميا ضدّ متمرّدي حزب العمال الكردستاني كثيرا ما كان يمتدّ إلى داخل الأراضي العراقية حيث توجد مناطق جبلية وعرة يتحصّن بها عناصر الحزب.
لكنّ تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان شرعت في تطوير عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية من مجرّد عمليات خاطفة وقصف بالمدفعية والطيران إلى اقتحام وتوغّل أوسع نطاقا وأبعد مدى داخل العمق العراقي بالإضافة إلى عملها على تأسيس نقاط تمركز دائم لجيشها في تلك المناطق.
وخلّف النشاط العسكري التركي في شمال العراق آثارا واضحة على حياة السكان هناك بحرمانهم من ممارسة أنشطتهم الاقتصادية التي تمثّل مصدر رزقهم وسبب بقائهم في تلك المناطق.
وورد في تقرير لوكالة فرنس برس أنّ السكان أصبحوا بسبب القصف التركي المتواصل على مناطقهم مضطرّين لمغادرتها، مثلما هي حال يوحنا خوشفا مختار قرية حدودية في محافظة دهوك وحوالي مئة وعشرين من سكّان القرية الذين فرّوا إلى منطقة مجاورة هربا من قصف القوات التركية لمواقع حزب العمال الكردستاني.
ويروي يوحنا كيف كانت الشظايا “تمطر” على البيوت وتكسر النوافذ والأثاث، ويقول إنّه غادر مصطحبا قطيع أغنامه بعيدا عن عملية “مخلب البرق” العسكرية التي أطلقتها تركيا في 23 أبريل الماضي في دهوك لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني.
على الرغم من أن بغداد استدعت السفير التركي أكثر من مرة للاحتجاج، لكن العمليات التركية لم تتوقف وتسببت بحرق غابات في دهوك
ونزحت نحو 300 عائلة من قرى العمادية بحسب ما أعلنته وزيرة الهجرة العراقية إيفان فائق أي قرابة 1500 شخص منذ بدء العملية.
لكن آخرين نزحوا من قبل وهم يطمحون للعودة منذ ثلاث سنوات مثل برقي إسلام الذي ترك قريته سنجي في شيلادزي بعدما قُصفت مزرعة عائلته وقتل شقيقه في العام 2017 في واحدة من العمليات العسكرية التركية.
لكن الأمل في العودة تضاءل مع احتراق الأراضي الزراعية نتيجة القصف المستمر وعدم قدرة الحكومة الكردية أو العراقية على دفع تعويضات للسكان المتضرّرين.
ويعتقد كثيرون أن إفراغ المناطق الحدودية على الجانب العراقي هدف تركي تعمل أنقرة على تحقيقه بانتهاج سياسة الأرض المحروقة في إطار إستراتيجية الأحزمة الدفاعية داخل أراضي الجيران والتي طبّقتها بالفعل داخل الأراضي السورية باحتلال أجزاء منها بشكل مباشر أو باستخدام قوات محلّية عميلة لها.
ويرى مدير برنامج تركيا في مركز دراسات “الدفاع عن الديمقراطية” وعضو البرلمان التركي السابق عن حزب الشعب الجمهوري المعارض أيكان إرديمير، أن “الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يريد نقل المواجهة مع حزب العمال الكردستاني من تركيا إلى أراضٍ يسيطر عليها الحزب في العراق”.
وتستخدم تركيا في هجماتها ضد الحزب الذي يخوض تمردا ضدها منذ 1984 الطائرات المسيرة التي تصل أيضا إلى منطقة سنجار جنوبي دهوك القريبة من الحدود مع سوريا ما حال دون عودة الآلاف من النازحين الإيزيديين الذين هُجّروا نتيجة ممارسات تنظيم داعش لدى احتلاله مناطقهم بين 2014 و2017.
ومنذ أبريل الماضي أصيب أربعة مدنيين بجروح في دهوك وقتل ثلاثة آخرون في قصف على مخيم للاجئين خارج إقليم كردستان بينهم قيادي كبير في حزب العمال الكردستاني، بحسب أردوغان.
وإثر قصف مخيم مخمور قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار “تقول إدارة بغداد إنها ستنظف المنطقة.. نقول حسنا. لكننا سنواصل نضالنا لحين السيطرة على آخر إرهابي”.
ويشرح مدير المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق عادل بكوان أن الحكومة العراقية التي تواجه تحديات أمنية عديدة من تنظيم داعش وفصائل موالية لإيران، لا تملك الوسائل لمنع حزب العمال الكردستاني عدو أنقرة وإربيل من استخدام الأراضي العراقية كما يفعل منذ عقود كقاعدة رئيسية لتمرده ضد تركيا. ولذلك “توكل مهمة تولّي أمر الحزب إلى أنقرة”.

زاغروس هيوا: هدف تركيا قطع الاتصال بين أجزاء كردستان وإنشاء حزام أمني
وكان أردوغان تعهد بنفسه إثر بدء العملية بـ”الإنهاء التام للتهديد الإرهابي” على طول الحدود الجنوبية لبلاده. وقام وزير دفاعه منذ نحو شهرين بزيارة غير معلنة لقاعدة عسكرية تركية في شمال العراق التي باتت العشرات منها بالإضافة إلى نقاط المراقبة، تحاذي القرى الحدودية.
وعلى الرغم من أن بغداد استدعت السفير التركي أكثر من مرة للاحتجاج، لكن العمليات التركية لم تتوقف وتسببت بحرق غابات في دهوك وفق بيان لمديرية الغابات والمراعي في المحافظة، الأمر الذي وصفه الرئيس العراقي برهم صالح بـ”الممارسات غير الإنسانية والجريمة البيئية”.
ويقول النائب في برلمان كردستان العراق ريفينك محمد وهو من أهالي القرى الحدودية في العمادية إنّ “الجيش التركي توغل في هجومه الأخير بعمق 10 كيلومترات في بعض المناطق و15 كلم و20 كلم في مناطق أخرى”.
ويقول النائب المعارض في برلمان كردستان علي صالح من جهته “قبل هذا الهجوم كانت القوات التركية تدخل أراضي الإقليم من البوابات الرسمية”، لكن منذ بدء الهجوم “تقوم القوات التركية بإنشاء طرق وممرات للدخول مباشرة إلى الإقليم دون المرور بالطرق المعترف بها دوليا”.
ويتهم حزب العمال أنقرة بالسعي إلى تكرار سيناريو سوريا في العراق. وشنت أنقرة في سوريا منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية وباتت تسيطر على 2000 كلم مربع في شمال البلاد. وفي كردستان العراق، قد تقوم أنقرة بإنشاء حزام أمني لقطع الطريق أمام مشروع كردستان بين سوريا والعراق وإيران وتركيا.
ويقول زاغروس هيوا المتحدث باسم منظومة المجتمع الكردستاني الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني لفرانس برس “هذا هجوم استراتيجي” يهدف إلى “قطع الاتصال بين أجزاء كردستان الأربعة وفي النهاية إنشاء حزام أمني”.