مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض تحمي كنوز التراث الثقافي العربي

لا يقتصر دور المكتبات العامة الكبرى على تقديم الكتب وتوفير مساحة معرفية لطلاب العلم فحسب، بل هي مؤسسات لحفظ التراث وحمايته، ومن هذا المنطلق تعمل مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض على توفير مواد معرفية من مخطوطات وكتب نادرة وعناصر تاريخية تمثل مجتمعة ذاكرة حية.
تواصل المملكة العربية السعودية اهتمامها بالتراث وصونه وتوثيقه، والحفاظ على الهوية الحضارية، وربط الأجيال المتعاقبة بتاريخها وموروثها. وتعمل هيئة التراث بالمملكة على الحفاظ على الموروث التراثي وحمايته من الاندثار، كما تُشجع الهيئة على الاستثمار في قطاع التراث، وتشجيع الأفراد والمؤسسات والشركات على إنتاج وتطوير المحتوى في هذا القطاع.
وكما يقول وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، فإن استمرار مسيرة تعزيز التراث الوطني، تأتي ضمن إستراتيجية شاملة تعكس كنوز المملكة الثقافية والتراثية وتحافظ عليها.
حددت رؤية وتوجهات وزارة الثقافة التراث كواحد من ضمن القطاعات التي يتم تركيز الجهود عليها، بجانب المواقع الثقافية والأثرية والتراث الطبيعي (المتاحف، والفنون الأدائية، والعمارة ، والأزياء)، ومختلف لأنشطة ذات الصلة بالتراث السعودي الغني والتقاليد العريقة والمتنوعة التي تنتمي لثلاثة عشر منطقة.
وفي إطار الاهتمام السعودي الكبير بالتراث، فقد حظي التراث الثقافي باهتمام ورعاية العاملين في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض، وعلى رأسهم المشرف العام على المكتبة فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، حيث بات للتراث الثقافي حضور كبير في أنشطة المكتبة ومعارضها، بجانب ما تشغله مقتنيات ذلك التراث لحيّز ضخم داخل أروقة المكتبة لتي تمتلك آلاف المخطوطات والوثائق والكتب والصور والخرائط والمسكوكات والعملات النادرة.
وقد امتدت جهود المكتبة من عرض تلك الممتلكات الثقافية وتسليط الضوء عليها من خلال المعارض والإصدارات، إلى حمايتها وترميمها، وقامت المكتبة في هذا الإطار بإنشاء مركز لترميم جميع مصادر التراث الثقافي، وفق أحدث المعايير الدولية. ومن مهمات المركز الأساسية: التعقيم، والترميم والمعالجة، والخياطة والتجليد، والحفظ لمصادر التراث الثقافي النادرة والقيِّمة، وقد تمكن المركز من ترميم الآلآف من مقتنيات التراث الثقافي بالمكتبة.
وتأتي المخطوطات في مقدمة مقتنيات التراث الثقافي في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، حيث تقتني المكتبة أكثر من (7.620) مخطوط أصلي، بالإضافة إلى أكثر من (700) مخطوط مصور ورقي وميكروفيلمي، من ضمنها: مصورات معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت، وغيرها. وقد فُهرِست واُدخلت المخطوطات الأصلية إلى الحاسب الآلي، وأصدرت المكتبة أربعة فهارس حتى تاريخه، وجار العمل على إصدار بقية الفهارس.
الكتب النادرة
وقد حرصت المكتبة على إنشاء قسم المخطوطات الذي اُفتتح في 1988. وعُنيتْ بتصوير جميع مخطوطاتها رقميًا، وبلغت أكثر من مليوني صورة، ونسختها على أسطوانات مدمجة (سي دي)، ويجري العمل على تحميلها على موقع المكتبة الرقمية العربية ليستفيد منها الجميع بكل يُسر وسهولة. ومن المخطوطات النادرة التي تقتنيها المكتبة، مخطوطات، ومصاحف مذهبة. إضافة إلى عدد من المخطوطات التي لم تطبع ولم تحقق، والتي تنتظر الباحثين والمحققين والمهتمين؛ لينفضوا عنها غبار السنين ويخرجوها إلى النور.
وتدخل الكتب النادرة ضمن اهتمامات المكتبة وسياستها في الحفاظ على التراث العربي المطبوع في شتى المجالات والعلوم والمعرفة. وتقتني المكتبة، مجموعات متميزة من الكتب النادرة ذات الطبعات الفريدة في قيمتها العلمية أو التاريخية، بلغت أكثر من 32625 عنواناً، وهي تتميز بقِدم الطباعة أو تفرد الموضوع، وهي متاحة للباحثين والمهتمين.
ومن بين مقتنيات المكتبة، مجموعة من الكتب النادرة ذات الطبعات الأوروبية القديمة، والنادرة تحتوي على 78 كتابًا عن سيرة النبي محمد. و113 كتابًا لمعاني القرآن الكريم مترجمةً إلى اللغات الأوروبية القديمة، بالإضافة إلى كتابًا عن الدراسات القرآنية، و54 كتابًا يتعلق بالمصادر الإسلامية. وتمثل بدايات الاهتمام الأوروبي بالقرآن الكريم ودراساته.
كما تقتني المكتبة، مجموعة من الطبعات العربية التي طبعت في أوروبا عامي 1592-1593م. وهي تدخل في إطار تعظيم اهتمام المكتبة للتراث العربي والإسلامي الأصيل. وهناك مجموعة من الكتب النادرة ذات الطبعات العربية، كما تحوز المكتبة على عدد من المكتبات الخاصة، مثل مكتبة المستشرق الأمريكي جورج رنتس، ومكتبة حمزة أبوبكر عميد المعهد لإسلامي وخطيب مسجد باريس السابق، بجانب مصادر أخرى متعددة.
في مجال الصور النادرة، تمتلك المكتبة أرشيفًا يعدُّ من أندر المجموعات المصورة في العالم، ويبلغ عددها 8100 صورة فوتوغرافية أصلية مفردة، أو مجموعات محفوظة في ألبومات، التقطها أشهر مصوري الشرق والمنطقة العربية منذ بدايات التصوير الشمسي في 1740م، إضافةً إلى الصور التي التقطها الرحالة وربابنة السفن والعسكريون والمبعوثون والقناصل والسياسيون الذي زاروا المنطقة العربية منذ منتصف القرن الماضي وحتى بدايات القرن الحالي. وهذا الأرشيف التاريخي من الصور يعدُّ أحد أهم المصادر الفريدة في العالم التي تجسّد صورة المنطقة العربية في الماضي.
ويسجِّل معظمُ هذه الصور بعضَ المعالم المهمة بالمملكة، إضافةً إلى تصوير بعض الأماكن الدينية في مكة المكرمة، والمدينة المنورة بالإضافةِ إلى كثيرٍ من الصور التي التُقطت للأماكن التاريخية في العواصم والمدن العربية. وتعكس هذه الصور في مجملها تنوُّعًا لأشكال الحياة الاجتماعية والمعاملات العربية، وتؤرِّخ للتطور المدني والمعماري فيها، حيث تُظهِر أسواقها ومساجدها وطرقاتها وكافة أشكال الحياة فيها، فضلًا عن مجموعة أخرى من الصور التُقطت في مناسبات تاريخية مهمة لشخصيات سياسية واجتماعية بارزة.
وتضم المكتبة، ضمن أرشيفها، مجموعاتٍ من الصور النادرة عن المملكة، والجزيرة العربية والوطن العربي بشكل عام، ومن بينها أول وأشهر مجموعة هي مجموعة اللواء محمد صادق باشا، التي تضم صورةً مميزة عن الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وتتوفر منها ثلاث نسخٍ في العالم، ومجموعات أخرى فريدة ونادرة اقتنيت لأشهر من اقتنوا أرشيفات فوتوغرافية بالوطن العربي والعالم.
مواد تكتب التاريخ
كما تمتلك مكتبة الملك عبدالعزيز العامة 617 خريطة من الخرائط النادرة عن الجزيرة العربية منذ 1482م، بعضها باللغات اللاتينية القديمة. وقد عُمِلَ على ترجمة بياناتها وفهرستها لعرضها من خلال بوابة المكتبة الإلكترونية، وتضم مجموعة الخرائط القديمة عن شبه الجزيرة العربية والعالم في المكتبة عددًا كبيرًا من الخرائط الملونة وغير الملونة النادرة التي رسُمت في أوروبا منذ بداية طباعة الخرائط في مطلع الربع الأخير من القرن الخامس عشر الميلادي حتى العقد الخامس من القرن العشرين الميلادي.
وتضم خرائط لمشاهير رسامي الخرائط في العالم، مثل: بطليموس؛ جستالدي؛ أور توليوس؛ مونستير؛ بيرتيوس؛ هوندياس؛ ميركيتور؛ سبيد؛ بلاو؛ سانسون؛ دو ويت؛ فان دين كير؛ فان درا؛ ريجل؛ باون؛ بيلن؛ نيبور؛ بنكرتين؛ أورسمث. وهذه الخرائط رُسمت بمقاييس رسم مختلفة؛ فبعضها خرائط كبيرة الحجم والبعض الآخر خرائط أطالس وخرائط كتب صغيرة، مطبوعة باللغات الإنجليزية؛ الفرنسية؛ واللاتينية؛ والإيطالية؛ والألمانية؛ والهولندية والبرتغالية؛ والإسبانية؛ والتركية؛ والعربية.
ورُسِمَت الخرائط لأغراضٍ متعددة ولأهداف مختلفة؛ إذ يغطي بعضها العالم أو قارة بكاملها، كما خُصِّص بعضها للإمبراطوريات والدول القديمة أو الديانات والشعوب، وبعض هذه الخرائط مخصص لدولة بعينها أو منطقة جغرافية واحدة مثل شبه الجزيرة العربية أو بعض أجزائها كالبحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب، أو بعض مدنها وموانيها كمكة المكرمة وميناء جدة الإسلامي.
مقتنيات المكتبة من المسكوكات والنقود تحتوي على نوادر لمجموعات تشكِّل موضوعات بحثية تهم الدارسين والباحثين
ولأن النقود والعملات، وخصوصًا الإسلامية تُعد مصدرًا مهمّـًا من مصادر التاريخ، فقد حرصت المكتبة على اقتناء أكثر من 8100 عملة نادرة ما بين ذهبية وفضية وبرونزية، يعود تاريخها إلى مختلف العصور الإسلامية. وتضم عملات مهمة ونادرة من النقود العربية والإسلامية التي ضربت في العهود: الأموية والعباسية والأندلسية والفاطمية والأيوبية والسلجوقية والمملوكية، ومن دول المشرق الإسلامي ودول المغرب العربي وحتى العصر العثماني.
وتحتوي مقتنيات المكتبة من المسكوكات والنقود على نوادر لمجموعات تشكِّل موضوعات بحثية تهم الدارسين والباحثين، كما ضمت مجموعة من القطع التي لا تتوافر في كثير من المجموعات المحلية والعالمية، وهو ما أعطى أهمية كبرى لمجموعة المكتبة على المستوى المحلي والعربي.
وفي مجال الوثائق النادرة، حرصت المكتبة على اقتناء الوثائق والكتب النادرة، وخصوصًا ما يتعلق بتاريخ الملك عبدالعزيز آل سعود، وتاريخ المملكة وتخصيص جناح لها في المكتبة. وبلغ عددها نحو 123680 وثيقة. وتُشكل تلك الوثائق التي تقتنيها المكتبة مادةً علمية أساسية مهمة في كتابة التاريخ. وتعول الأمم كثيرًا على جمع وثائقها وحفظها وإتاحتها أمام الراغبين في دراسة التاريخ.
وفي الختام، يمكننا القول إن المكتبة بما تزخر به من كنوز معرفية عبارة عن أكاديمية تضم مختلف علوم المعرفة التي لا يُستغنى عنها في أبرز جوانب الحضارة الإسلامية وكتابة تاريخها، فضلًا عن كونها تمثل جانبًا وثائقيًا مهمًّا عن الحضارة الإسلامية والزاهرة على مرِّ العصور.