مقتنيات سعودية تؤرخ لنشأة المسكوكات العربية والإسلامية

تولي مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض أهمية كبرى للمقتنيات الأثرية وخاصة النادرة منها التي تقتنيها وتعرضها كشواهد على أهمية الحضارة العربية الإسلامية، ومنها المسكوكات والعملات النقدية، وتنظم العديد من المعارض الكبرى للتعريف بها وبما ترتبط به من تاريخ سياسي وثقافي وديني وحضاري للأمة العربية.
تهتم المملكة العربية السعودية بالمسكوكات العربية والإسلامية باعتبارها ذاكرة مادية وبصرية انطلقت في القرن الأول الهجري.
وتعد المسكوكات الإسلامية من أهم مصادر التاريخ الإسلامي، حيث تتضمن معلومات تعبر عن الأحداث الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية التي شهدتها الدولة الإسلامية وقت إصدارها، كما أن دراسة المسكوكات الإسلامية من أهم الدراسات التاريخية والحضارية، ذلك لما تقدمه من ثراء معرفي يرتبط بمختلف مجالات الحياة، كما يرتبط بالبلاد والأماكن التي تم فيها سك العملات في مختلف البلاد العربية والإسلامية من مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى أماكن الخلافة الإسلامية خاصة في دمشق وبغداد والقاهرة وتونس والأندلس، وكذلك في مختلف البلاد الإسلامية.
ولهذه الأهمية الكبيرة للمسكوكات تقام المعارض الخاصة بها، كما لا يخلو متحف عربي أو إسلامي أو عالمي من وجود أقسام خاصة بالمسكوكات والعملات التاريخية، كما أن بعض الجامعات العربية والأوروبية تقوم بتدريس مناهج خاصة بالمسكوكات الإسلامية كما في الجامعات الألمانية والبريطانية والفرنسية.
معظم أنواع النقود الإسلامية التي تقتنيها مكتبة الملك عبدالعزيز تتميز بالندرة العالمية، ولا يوجد لها مثيل حتى الآن
وقد بدأ سك الدنانير في البداية على طراز العملات البرونزية البيزنطية التي كانت تمثل هرقل حاكم الروم وولديه، وكانت تضرب بدار السك في مدينة الإسكندرية، وقد بدأت العملة الإسلامية تتطور في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (تولى الخلافة ما بين 65 – 86هـ / 685 – 705م) بداية من السنة 72 هجرية.
وتبلغ المسكوكات والعملات في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة أكثر من 8100 قطعة نقدية من الذهب والفضة والمعادن الأخرى، والتي تغطي جميع الفترات الإسلامية لتصل التغطية الزمنية إلى أربعة عشر قرنا أو أكثر منذ عهود الإسلام المبكرة إلى الوقت الحاضر، فضلا عن التغطية الجغرافية الكبيرة لتشمل الهند، وأواسط آسيا شرقا، إلى المغرب والأندلس غربا، ومن بلاد القوقاز شمالا إلى اليمن وعمان جنوبا.
وقد عدّ بعض المتخصصين هذه المقتنيات من أهم المجموعات المحفوظة في المملكة العربية السعودية وأكثرها تميزاً، حيث تقتني المكتبة عملات نادرة من النقود العربية والإسلامية يعود تاريخها إلى العصور الأموية والعباسية والأندلسية والفاطمية والأيوبية والأتابكية والسلجوقية والمملوكية، ومن دول المشرق الإسلامي ودول المغرب العربي وحتى العصر العثماني.
واقتنت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالعاصمة السعودية الرياض أول دينار عربي إسلامي تم سكه في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان في سنة 72 هجرية (692م)، وتتفرد هذه العملة النادرة بأنها أول ما ضرب من عملات عربية إسلامية بعد أن كانت النقود المتداولة في صدر الإسلام يتم ضربها في غير البلاد الإسلامية.
وهي أول عملة عربية وإسلامية يكتب عليها شهادة التوحيد، حيث تضمن وجه الدينار “عمودا قائما على أربعة مدرجات ينتهي في أعلاه بكرة صغيرة إلى اليمين واليسار نقشت كتابة يونانية (إيوتا بيتا) وتدل على الرقم (12) وفي الهامش بسم الله لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله”. وفي ظهر الدينار “صورة ثلاثة أشخاص ترمز إلى الإمبراطور البيزنطي وولديه يرتدون ملابس عربية، تختلف عن الملابس البيزنطية التي تظهر على الدينار البيزنطي”. ويبلغ وزن الدينار (3.1 غرام) وقطره (18.3 غرام).
وتتسم معظم أنواع النقود الإسلامية التي تقتنيها المكتبة بالندرة العالمية، ولا يوجد لها مثيل حتى الآن، ومن بين هذه القطع: الدرهم العربي الساساني المضروب في دمشق سنة 75هـ، ودرهم عباسي جرى سكه في مدينة البصرة سنة 140هـ في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور ويتميز هذا الدرهم عن سواه من دراهم الخليفة المنصور بصفة عامة والدراهم العباسية المضروبة في مدينة البصرة بوجود كلمة (عبد) أسفل كتابات مركز الوجه وهي كلمة لم يسبق أن ظهرت على دراهم هذا الخليفة من قبل.
ويعد هذا الدرهم إضافة مهمة لمجموعة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وتتضمن المجموعات أيضا: الدينار الطولوني المضروب في فلسطين سنة 292هـ، ودينار مكة سنة 451هـ، ودينار عَثَّر المضروب سنة 338هـ، والدينار البويهي المضروب في كرسي الديلم سنة 587هـ، إضافة إلى بعض النقود التي تعبر عن الحضارات التي عاشت في الجزيرة العربية والتي كانت تضرب في مدن سك النقود في الجزيرة العربية في مكة المكرمة والمدينة المنورة واليمامة وبيشة وغيرها من المدن.
هذه المقتنيات من المسكوكات العربية والإسلامية تأتي في إطار إستراتيجية المكتبة الثقافية والمعرفية للحفاظ على التراثين العربي والإسلامي، في كل مجالاتهما، كتبا، ووثائق، وصورا، ونوادر، ومسكوكات من أجل توفير مادة تاريخية متنوعة للباحثين والدارسين، وبيان ما يحتويه تراثنا من فلذات قيمة.
وتقوم مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بحصر العملات النادرة والتاريخية والإسلامية والسعودية وغيرها، وفهرستها وتصنيفها بالطرق العلمية المتبعة في تصنيف المجموعات العالمية، وإعداد قاعدة بيانات خاصة بها تشتمل على جميع البيانات الأساسية لكل قطعة على حدة، وإدخالها في نظام آلي خاص بها، بحيث تكون متاحة للباحثين والمختصين من رواد المكتبة.