مقتل حمزة نجل بن لادن يدق إسفينا جديدا في نعش القاعدة

أثار إعلان مقتل حمزة أسامة بن لادن الكثير من التأويلات حول مستقبل العمل الجهادي عموما ومصير القاعدة الغامض خصوصا. وعلى الرغم مما قد يعتبر انتصارا كبيرا حققته الاستخبارات الأميركية، قد يكون استهداف بن لادن الابن شرارة لتحقيق تقارب فعلي بين القاعدة وداعش، بعد أن أضحى كلاهما أشدّ احتياجا إلى الاندماج والتواصل مع الآخر أكثر من أي وقت مضى.
كشفت تقارير صحافية أميركية متواترة الأربعاء، نقلتها قناة “أن.بي.سي” وكذلك “نيويورك تايمز” أنّ لدى واشنطن معلومات مصدرها أجهزة استخبارات عن مقتل حمزة، نجل أسامة بن لادن، والذي يُعتبر “قياديا رئيسيا” في تنظيم القاعدة.
وردا على أسئلة صحافيين حول هذه المعلومة التي استندت فيها “أن.بي.سي” إلى ثلاثة مصادر لم تكشفها، كرّر الرئيس دونالد ترامب مرّتين “لا أريد أن أعلّق على ذلك”.
أما صحيفة نيويورك تايمز فقد أفادت بأنّ الولايات المتحدة “لعبت دورا” في العمليّة التي قُتل فيها حمزة. وأضافت استنادا إلى مسؤولين أميركيين اثنين، أنّها لم تستطع الوصول إلى تفاصيل أخرى في شأن هذه العمليّة.
وإن ثبت مقتل نجل بن لادن، فإن مصرعه سيمثل ضربة قوية للقاعدة باعتبار أنه الخليفة المنتظر للتنظيم والبديل المتوقع للقائد الحالي أيمن الظواهري. وجاء الإعلان عن وفاته في التقارير الأميركية بعد غارة جوية دون تحديد المكان والزمان، ليعمّق جراح القاعدة، بعد أن بدت في العام الأخير أكثر نشاطا وتفاؤلا للعودة إلى العمل الجهادي بقوة، عقب سنوات طويلة عملت فيها في الظل، وكاد داعش يحتكر صدارة مشهد الإرهاب كاملا.
ويظهر مشهد مقتل نجل بن لادن إن حصل، على أنه انتصار أميركي كبير لمحاولات صعود القاعدة من جديد، ويصيب التنظيم بالمزيد من التفتت والتشتت. وربما يبدو صحيحا من الناحية النظرية، لكنه قد يعزز فكرة توأمة أو تقارب القاعدة وداعش خلال المرحلة المقبلة.
يعاني التنظيمان من وطأة التراجع الشديد في العامين الماضيين؛ فداعش بات بلا أهلية فكرية تضمّد جراح هزيمته الساحقة في كل من سوريا والعراق، التي أطاحت بـ”دولة الخلافة” الوهمية. في حين برزت القاعدة بلا حراك دولي يذكر وتأثير سياسي محدود، مع غياب القائد وصاحب النفوذ الواسع الذي يحمل خطابا سياسيا وإعلاميا ممنهجا، ويعيد الحراك الميداني المشهود للتنظيم في السابق.
ولم يكن حمزة مجرد أحد أبناء بن لادن. فبحسب تصريحات شقيقه خالد، الذي قتل في باكستان عام 2011، كان أكثرهم قربا من قلب الأب، وصاحب شخصية جذابة، وإيمان واسع بالفكر الجهادي، ويسبق جميع أبناء بن لادن الأب في ذلك. ورآه الظواهري زعيم القاعدة من خيرة شباب الجهاديين، وقد يكون وريثه الشرعي في المستقبل.
ومع خفوت نجم القاعدة في مطلع عام 2014، وعدم قدرة الظواهري على الإبقاء على أمجاد بن لادن، بدا المشهد خاويا من كوادر قادرة على إحلال دماء القاعدة.
هنا برز اسم حمزة ابن الثلاثين عاما، كشاب صاحب نزعة مثابرة ولغة قوية وأسلوب حماسي فريد يضاف إلى كونه نجل رمز التنظيم والقائد والمؤسس.
نجح حمزة، الذي يعتقد أنه كان حبيس إقامة جبرية في إيران، منذ عامين في لملمة شمل الكثير من القادة ومن شباب القاعدة المبعثرين في دول متفرقة، مثل أفغانستان وباكستان وإيران والسودان واليمن وشمال أفريقيا، وأصدر مجموعة من الرسائل الصوتية والمرئية، دعا فيها إلى شن هجمات على الولايات المتحدة وبلدان أخرى. وكانت تلك الخطوات إعلانا بأن هناك نجما جديدا على وشك الصعود، لأن ظهوره صاحبه تراجع لداعش وإشاعات لم تتوقف عن مقتل زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي.
تنبّه قادة داعش إلى الاضطراب الذي مس منهجية التنظيم وأولوياته وأهدافه، وانعكس بوضوح على تماسك ومردود أداء التنظيم، ما جعل الاتجاه العام السائد اقتناص المزيد من ساحة القاعدة في دول مختلفة، وتبني المنهجية التنظيرية ذاتها والخطاب الكلاسيكي للقاعدة.
تراجع التنظيمات الإرهابية
كشفت سلسلة إصدارات مرئية متتالية أطلقها داعش منذ بداية يونيو الماضي، تحت عنوان “العاقبة للمتقين”، وتتضمن توثيق بيعات لمقاتلي التنظيم من مناطق مختلفة من أنحاء العالم، بعضها لأول مرة مثل مالي وبوركينا فاسو والكونغو، تحولا كبيرا في أداء تنظيم داعش الأيديولوجي.
وحمل فيديو مصور من قلب منطقة صحراوية في ليبيا، نفس العنوان “العاقبة للمتقين” وظهر فيه عشرات المبايعين للبغدادي. والجديد هنا استخدام هؤلاء للبعض من أدبيات وخطابات القاعدة التي تركز على قتال الطواغيت ومحاربة ما يوصف بـ”الحكومات الكافرة”.
غابت ملامح داعش في الإصدارات المصورة، وبقي الملمح الرئيسي في حرص من تمسكوا بتنظيم داعش على إقناع الشباب بتحولاتهم، في وقت لم يعد يبقى من داعش في صورته القديمة الكثير، وبدا أن الرهان ينحصر في حضور البغدادي برمزيته، وخطاب يتضمن حروفا مقتبسة عن نظيره في القاعدة من حيث زاوية اللغة والمنهج والإلقاء.
ويقول كفولن كيلاركي، أستاذ السياسة الدولية بمعهد البحوث السياسية والأمنية بجامعة ميلون، وهو مؤلف كتاب “ما بعد الخلافة: الدولة الإسلامية ومستقبل الإرهاب” عام 2019، “إن تجربة داعش مثيرة وغير مسبوقة وحققت جوانب معقدة من العمل الجهادي، لكن علينا ألّا ننسى أنها انبثقت بالأساس من تنظيم القاعدة، والعودة إلى التنظيم الأم أمر وارد إلى حد كبير.”
لم يكن حمزة مجرد أحد أبناء بن لادن. فبحسب تصريحات شقيقه خالد، الذي قتل في باكستان عام 2011، كان أكثرهم قربا من قلب الأب، وصاحب شخصية جذابة، وإيمان واسع بالفكر الجهادي، ويسبق جميع أبناء بن لادن الأب في ذلك
وتابع الأكاديمي الأميركي في كلامه لـ”العرب”، أن التنظيمين يكملان بعضهما البعض في الوقت الحالي، وربما ينتج عن ذلك “تعاون أو كيان جهادي جديد، فداعش يبحث عن أيديولوجيا فكرية مطوّرة، بعد خسارته في سوريا والعراق والآن في أفريقيا، عقب إعلان هزيمة بوكو حرام بنيجيريا، وبالتالي بدأ يتبنى خطاب القاعدة من خلال فيديوهات تستخدم أبجديات وفكر هذا التنظيم، الذي يفتقد إلى القائد والصورة الملهمة للإرهاب المثير والمخيف، والأدوات الإعلامية لتنفيذ ذلك وهو ما يمتلكه داعش”. ويعيش التنظيمان الآن حالة ارتباك واضحة، يمكن تفسيرها بأنه تشتت يحتاج إلى إلقاء العداء جانبا بين الكيانين للبقاء على قيد الحياة.
وبحسب بعض النظريات السياسية في التحليل النفسي، حول حالات الهزيمة والنكسة للكيانات الكبرى، فقد يتحول رأب الصدع إلى حالتين: الأولى خلق كيان جديد متكامل يلفظ أخطاء الكيانات السابقة، والثانية العودة إلى المركز الأصلي، كعودة الابن إلى حضن أمه.
وفي الحالتين باتت مسألة التقارب أكثر قوة، سواء جاء بشكل رسمي عبر تلاحم الجبهتين، أو بصورة تشبه ولادة داعش الأولى، من خلال ظهور كتلة من الجهاديين الناقمين على التنظيمين. وهنا من الممكن ولادة تنظيم آخر أكثر قسوة وأشد وحشية.
خلافات وتناقضات
يرى كيلاركي أن داعش يعاني من خلط منهجي وخلاف فقهي عميقين بين مشرعيه من جهة وبين قادته العسكريين من جهة ثانية، وقد تحول إلى أدبيات جديدة ومراكز نفوذ بديلة، وهنا أضحى الحل هو الولوج إلى فكرة المركز الأم.
ولم يحظ داعش بأدبيات فقهية موحدة دون متناقضات وخلافات بين منظريه الشرعيين، كحال القاعدة التي تتميز بتناغم داخل مدرستها التنظيرية والتي تضم أسماء مهمة في المجال الجهادي، مثل هاني السباعي وسيد إمام وأبومصعب السوري وأبوقتادة الفلسطيني.
وطرح كتاب “ما بعد الخلافة” ثلاثة سيناريوهات للعلاقة المحتملة بين القوتين الرئيسيتين. الأول، أن يستمر الوضع الراهن على ما هو عليه، بتواصل حالة الصراع بينهما. والثاني، حدوث عملية مزايدة قد تنتهي بتدمير أحدهما. والسيناريو الثالث، أن يحدث التقارب المنتظر بينهما ويتم التعاون التكتيكي.
أشار كيلاركي إلى أن فتوى عبدالله عزام، التي حملت عنوان “في شأن الدفاع عن الأراضي الإسلامية” عام 1984، كانت بمنزلة حجر الزاوية في النزعة الجهادية الحديثة، وحددت الاختلافات بين الجهاد بقصد الهجوم أو بقصد الدفاع، وهي رأس الخلاف بين التنظيمين، لأن القاعدة تتبنى الدفاع عن الجهاد الإسلامي، عكس داعش الذي يرى في الجهاد هو الهجومعلى الكفار.
وتكمن الخطورة الآن في نجاح توأمة التنظيمين، لأنها تؤدي إلى خلق تحديات أكثر صعوبة، فالكيان المتوقع إما أن يكون كتلة قادرة على التجنيد بفكر جهادي منظّم يصاحبه ترس إعلامي واسع، وإما أن ينتج كيانا مشوّها، يصعب التنبؤ بأدائه، غير أنه سوف يصبح أكثر قسوة.