معهد الشارقة للتراث يناقش قضايا التراث الإماراتي والعربي والإنساني

يحفل التراث الإماراتي على غرار نظيره العربي بالكثير من العناصر الإبداعية التي تعكس ثراء الثقافة العربية وتعدد روافدها، كما تعكس المستوى الإبداعي الكبير الذي تمتعت به فنونها وحرفها. وتثمينا لهذا التراث أصدر معهد الشارقة للتراث كتابا جماعيا يقدم رؤى مختلفة لأكاديميين عرب حول مسألة التراث والإبداع.
التراث والإبداع صنوان؛ فقد نسج الشاعر النبطي صوره الشعرية بطريقة بديعة مترعة بالجمال والإحساس المرهف، وتفنن الراوي في سرد الحكايات الشعبية والخرافية، وحفظ مأثور القول ومنقوله كما أبدع الحرفيون في الصناعات التقليدية، كلها إبداعات قامت عليها حياة المجتمع في الماضي، وعليها كان مدار الحياة والعيش.
لم تكن الفنون الشعبية على اختلاف أنواعها بعيدة عن ذلك الفضاء، بل كانت في عمقه، واستطاع الفنان أن يبدع مقطوعات موسيقية ورقصات شعبية تؤدى في فنون شعبية تستقطب العامة وتستهويهم.
أهمية التراث
يُقدم لنا كتاب “التراث والإبداع: مقاربات ورؤى”، الصادر عن معهد الشارقة للتراث، والذي قدم له الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس المعهد، وحرره الدكتور مني بونعامة، مدير إدارة المحتوى والنشر بالمعهد، وشارك فيه مجموعة من الباحثين، يُقدم لنا مجموعة من المقاربات والرؤى التي تدور في فلك التراث والإبداع، وذلك بمشاركة نخبة من الخبراء والأكاديميين والباحثين.
وفي تقديمه للكتاب، تحدث المسلم عن العلاقة ما بين التراث والإبداع، وتناول جهود إمارة الشارقة في صون وإحياء التراث، وتوقف عند تلك الفعاليات الثرية التي تشهدها الإمارة، التي صارت عاصمة للثقافة الإنسانية، حيث قال “إن فيما تشهده الشارقة من الفعاليات والأيام التراثية، ما يبهج النظر، ويَسْحَرُ البصر، ويملأُ القلب بهجة وسرورا، مقدمة لوحة تراثية زاخرة بمكنونات التراث الثقافي الإماراتي، ومكوناته وعناصره ورموزه، جامعة بين المعرفة والمتعة والترفيه”.
وأضاف أن تلك الفعاليات التراثية أسهمت عبر دوراتها المتعاقبة، في إبراز القيم الجمالية لمفردات التراث الإماراتي وعناصره، وترسيخ القيم والتقاليد والعادات الإماراتية، عاكسة بذلك دور الشارقة الحضاري والثقافي والريادي في إبراز صورة حية ونابضة بمفردات التراث الشعبي الإماراتي، بصوره وأشكاله كافة، وقيمه الجمالية.
واستعرض جانبا من جهود معهد الشارقة للتراث في النهوض بالتراث الأصيل تعريفا وترويجا ودراسة وتوثيقا، حتى يبقى خالدا في الذاكرة، في تحفيز على استكشاف كنوز هذا التراث وأسراره، وتذكره واستحضاره واستعادة الأزمنة القديمة.
ونوه المسلم بأن كتاب “التراث والإبداع: مقاربات ورؤى”، يحمل مفردات ومعاني تبرز مواطن التقابل، ومكامن الارتباط، حيث لا يزال التراث يعد منهلا إبداعيا نفيسا، وموردا غنيا استلهم المبدعون من معينه الهائل، سواء أكانوا شعراء أم روائيين أم قاصين أم مسرحيين أم تشكيليين… وظفوا الكثير من الرموز والدلالات والمعاني في أعمالهم الإبداعية، وثمة من تناولها من هؤلاء على نحو مباشر، ومن تناولها على نحو غير مباشر، من خلال تذويبها في حقله الإبداعي، لتكون لكل ذلك إسقاطاته على اللحظة المعيشة.
بحوث متنوعة
◄ كتاب "التراث والإبداع: مقاربات ورؤى" يأتي ضمن الجهود المتواصلة لمعهد الشارقة للتراث لخدمة التراث الإماراتي والعربي
على صفحات الكتاب، تناول الأكاديميون أحمد بهي الدين العساسي، موضوع “التراث الثقافي غير المادي: الواقع واستشراف المستقبل”، ورصد أسعد عبدالرحمن عوض الله، صور “الإبداع في مهارات الفنون الحرفية التقليدية المواكبة متطلبات الحياة المعاصرة”، وتوقف الباحث إيهاب الملاح عند موضوع التراث باعتباره “منجم الذاكرة ونبع الإبداع والخصوصية”، وتحدث خالد عمر بن قفه عن “الإبداع والتراث… ودور الروائي المؤرخ روايات تاريخ الإسلام لجورجي زيدان نموذجا”، واستعرض سالم الطنيجي جوانب من “ملامح الإبداع في التراث الإماراتي”، وتتبع سعيد يقطين أثر التراث الشعبي في السرد العربي الحديث، وفي موضوع العلاقة بين التراث والإبداع السردي، جاءت مشاركة شعيب حليفي التي حملت عنوان “توظيف التراث في السرديات العربية تجارب فنية في توظيف التراث بأشكاله المتنوعة في الرواية العربية”.
ونُطالع أيضا على صفحات الكتاب مشاركة للأكاديميين صالح محمد زكي اللهيبي بعنوان “إبداع التذهيب والتزويق والتنميق في المخطوط العربي”، ونقرأ للباحث طلال سعد الرميضي “الغوص على اللؤلؤ في سيلان”، وكتب الأكاديمي عبدالحميد بورايو عن “مسار قصيدة تراثية مسيرة الكلمة الشعرية نحو فنون إبداعية أخرى”، وناقشت الباحثة فاطمة المزروعي قضية “قصة الطفل بين الهوية والقيم والمبادئ والتراث والإبداع”، فيما اختار الباحث فهد علي المعمري الكتابة حول موضوع “الاحتراف التراثي”، واستعرض الدكتور فهد حسين سُبُل “توظيف السيرة الشعبية في الرواية العربية”، وقدم ماجد عبدالله بوشليبي قراءة في عبقرية المكان بالشارقة القديمة (المريجة).
وفي موضوعات الكتاب أيضا، اهتم الأكاديمي محمد الجويلي بموضوع “محور الإبداع في الحكاية الشعبية”، وجالت بنا مريم سلطان المزروعي في “بيت محمد بن خليفة آل نهيان”، باعتباره ذاكرة تراثية متجددة بالإبداع، فيما عالج مصطفى جاد موضوع “استلهام التراث الشعبي.. سؤال البحث عن العالمية”، وكانت خاتمة الكتاب مشاركة هاني فيصل هياجنة التي جاءت بعنوان “من الفولكلور. والثقافة الشعبية، إلى التراث الثقافي غير المادي .. قراءة في تاريخ المصطلحات ومدلولاتها”.
وقد جاء كتاب “التراث والإبداع: مقاربات ورؤى”، ضمن الجهود المتواصلة لمعهد الشارقة للتراث، والتي تستهدف خدمة التراث الإماراتي والعربي والإنساني، والإضاءة على قضاياه، وذلك من خلال سلاسل الملتقيات والمؤتمرات والندوات التي يُنظمها المعهد بمشاركة المتخصصين الإماراتيين والعرب والأجانب، والتي تتواصل على مدار العام.
إضافة إلى إصدارات المعهد من الدوريات المتخصصة مثل مجلتي “مراود”، و”الموروث”، والمئات من الكتب التي تتناول شتى مجالات التراث.
وفي هذا الإطار، تُركز إدارة المحتوى والنشر بالمعهد على تنفيذ رؤية المعهد ورسالته والتي ترتكز على زيادة الوعي بالتراث الثقافي الإماراتي من خلال النشر، مع التركيز على التراث الإماراتي والموضوعات المتعلقة بالثقافة المحلية، ثم التراث العربي والعالمي، حيث يتبع المعهد في سبيل تحقيق ذلك حزمة من الإجراءات التنظيمية التي تدخل في صلب عملية صناعة الكتاب بما تشمله من تصميم وإخـراج وترويج وتسويق وتوزيع وفق خطوات عملية دقيقة.